في 1971، وجه تشو واين لاي – رئيس مجلس الدولة الصيني – دعوة إلى 9 من لاعبي “البنج بونج” الأمريكيين لزيارة بلاده، ما فتح الباب لبدء اعتراف أمريكا بجمهورية الصين الشعبية وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
وزار الرئيس الأمريكي وقتها ريتشارد نيكسون الصين، في 1972 ثم دارت عجلة العلاقات والتعاون؛ وفي احتفال أقيم بالصين عام 2011، بمناسبة مرور أربعين عاما على ما بات يعرف من وقتها بدبلوماسية البنج بونج، قال الرئيس الأمريكي الأسبق، كارتر: “هناك ثلاثة خلافات بين البلدين لكنها نقطة في بحر المصالح التي تربطهما”.
مضت السنون وجرى في نهر العلاقات ما جرى إلى أن لطم ترامب الصينيين، مطلع يوليو/ تموز الماضي بفرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات من الصين.
وردت الصين بالمثل، ما أشعل حربا تجارية لم تكن من وضوحها بحاجة إلى من يعنونها وعلى الرغم من المحاولات المكثفة لمنع الانزلاق إلى حرب تجارية شاملة بين أكبر اقتصاديين في العالم، إلا أن أحدا على الإطلاق لم يتوقع أن يأتي الحل من سلعة.
هذه السلعة وفق ما ذكره مقال لصحيفة “يواس ايه توادي”، ستعيد الصين إلى حوار مع الولايات المتحدة على الطريقة المكسيكية، أي طريقة إصلاح “نافتا” بعد وعيد وتهديد.
سلعة تمثل بشكل نموذجي -كما يلمح المقال- احتياجات البطون للصين واحيتاجات السياسة للولايات المتحدة.. ليس فيها رمزية البنج بونج، لكن ما تأسس عليها في اجتماع العشرين الأخير عبر لقاء ترامب وشي بينج هو، رمزي للغاية وسيبقى مؤثرا في تاريخ العلاقات بين الدول، إنها فول الصويا!
فكيف لعبت حبات الفول، دور كرات البنج بونج في كسر الجمود، عبر اجتماع العشاء بين ترامب وبينج على هامش قمة العشرين؟
عرفنا من مواقع صينية رسمية، أن الطرفين توصلا إلى توافق بشأن عدم فرض تعريفات إضافية جديدة، كما اتفقا على توجيه الفرق الاقتصادية لدى الجانبين إلى تسريع المفاوضات تجاه رفع جميع التعريفات الإضافية، والتوصل إلى اتفاق ملموس من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مربحة للجانبين.
وأكد شي مجددا على موقف الصين بشأن قضية تايوان، فيما تعهد الجانب الأمريكي بمواصلة الالتزام بسياسة “صين واحدة”، أي أن المباحثات كانت استراتيجية بالمعنى الكامل.
ووافق الجانب الأمريكي على عدم زيادة التعريفة على ما قيمته 200 مليار دولار من الصين من 10 إلى 25%، من يناير المقبل، كما كان مقررا من البيت الأبيض.
ومنحت أمريكا الصين، مهلة 90 يوما لترجمة نيتها فتح أسواقها أمام السلع الأمريكية، وإزالة المخاوف بشأن الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا، لكن البيت الأبيض أكد أن تبدأ الزيادة في استيراد المنتجات الزراعية فورا.
بعد هذه الجملة، أغلقت العقود الآجلة لفول الصويا في بورصة شيكاغو للتجارة على ارتفاع خلال الأسابيع القليلة الماضية، وسط آمال بأن يؤدي اتفاق تجاري إلى زيادة صادرات البذور الزيتية الأمريكية إلى الصين.
وارتفعت أسعار العقود الآجلة لفول الصويا الأكثر نشاطا تسليم يناير/ كانون ثاني 2019 بواقع ست سنتات أو 0.66% لتستقر عند 9.1175 دولارات للبوشل.
كان الاتفاق من دواعي سرور جمعية فول الصويا الأمريكية (ASA).
وقال “جون هيسدورفير” وهو مزارع فول صويا من “أيوا”، ورئيس ASA: “هذه هي أول أخبار إيجابية رأيناها بعد أشهر من انخفاض الأسعار وتوقف الشحنات؛ إذا أدى تعليق زيادة التعريفة إلى اتفاق طويل الأجل، سيكون إيجابياً للغاية بالنسبة لصناعة الصويا”.
وأضاف: نريد أن نبدأ في إصلاح الأضرار التي لحقت بعلاقاتنا التجارية مع الصين، والتي كانت ضرورية لصادرات فول الصويا الناجحة لسنوات.. خلال فترة المفاوضات البالغة 90 يوما، نأمل في رؤية الصين تعيد فتح أسواقها أمام واردات فول الصويا الأمريكية الهامة، كخطوة رئيسية لبناء الثقة ستساعد في استعادة علاقتنا التجارية”.
كانت أسعار التعاقدات على فول الصويا الأمريكي، قد تراجعت خلال 3 أشهر بعد إقرار العقوبات من 1063 دولارا للطن إلى 817 دولارا، وهو أدنى مستوى خلال عامين ونصف.
يشار إلى أن بذرة الصويا مدخل أساس لصناعة زيت الطعام في عديد البلدان، وهي غنية بالبروتين، وتستخدم أيضا في منتجات اللحوم المصنعة والأعلاف الحيوانية كمركزات عالية البروتين.
كانت صحيفة “يو اس ايه توداي”، قد ذكرت في مقال يوم 30 أغسطس/ آب الماضي، أن السبب في أن الصين ستمضي على خطا المكسيك، وأنها ستحل الخلاف التجاري الحاد مع الولايات المتحدة في الأشهر القليلة المقبلة، فول الصويا!.
ووفقا للصحيفة: “هذا المحصول الذي يستخدمه الصينيون لإطعام الخنازير لإنتاج لحم الخنزير، يأتي على رأس قائمة آلاف المنتجات التي وقعت في المناوشات الأمريكية – الصينية في أوائل يوليو/ تموز الماضي، وقد فرضت الصين تعرفة جمركية عليه بنسبة 25%.
وزادت: يمثل فول الصويا أكبر صادرات الولايات المتحدة إلى الصين، حيث بلغت 12.4 مليار دولار في العام الماضي، ومع انخفاض أسعار فول الصويا بنسبة 22% منذ أبريل/ نيسان الفائت، لم تعلن أية مجموعة عداء تجاريا متصاعدا مثل مئات الآلاف من مزارعي فول الصويا، المتمركزين إلى حد كبير في الولايات الحمراء.
هؤلاء المزارعون، صوتوا لصالح الرئيس دونالد ترامب في انتخابات 2016. هنا نقطة الضعف السياسية لترامب، لكن في المقابل وكما تقول الصحيفة: فول الصويا الأمريكي يساعد في تغذية الطبقة المتوسطة المتنامية في الصين.
وترى الصحيفة، أن لحم الخنزير المطبوخ بالصويا يعد الدعامة الأساسية للنظام الغذائي؛ ويقول المحللون إن هذه الحاجة ستصبح أكثر حدة في هذا الخريف ولن تستطيع الواردات من البرازيل-ثاني أكبر منتج في العالم، التعويض، أو من الأرجنتين التي تعد ثالث أكبر مصدر لفول الصويا بالعالم.
واوضح مايك داوسون، المحلل في شركة ستيرلنغ ماركتنغ للأبحاث الزراعية: ستحتاج الصين إلى فول الصويا الأمريكي في الربع الرابع.. أعتقد أنه كلما اقتربنا، ستصبح الصين أكثر ودية” بالنسبة لاتفاق تجاري.
وقال خبراء، إن المشترين الصينيين لن يكون أمامهم خيار سوى العودة مرة أخرى إلى محصول الولايات المتحدة، والذي يستخدم أيضا في زيت الطهي في الصين.
وإذا كانت التعريفة الجمركية البالغة 25% ما تزال قائمة، فقد تزيد من التضخم الصيني الذي سجل أعلى مستوى له في أربعة أشهر خلال يوليو/ تموز، وهو تقليديا أصبح قضية سياسية ساخنة في البلاد.
وحسب معلقين أمريكيين، تزامنت حاجة الصين المتزايدة لفول الصويا مع انتخابات منتصف المدة الأمريكية، لكن الصين تأملت في التأثير بالتصويت ضد الجمهوريين المؤيدين لترامب في الولايات الحمراء من خلال إلحاق الأذى بالمزارعين هناك.
ولذا صبرت إلى أن تمر الانتخابات، وكما قال جون لافورج، رئيس استراتيجية الأصول الحقيقية في معهد ويلز فارجو للاستثمارات في مذكرة مبكرة إلى العملاء: “مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي لبضعة أشهر فقط، نتوقع من الصين أن تبقي على الضغط”. “لكن بعد ذلك بقليل.. نتوقع أن نشهد بعض الارتياح لأسعار فول الصويا الأمريكية ومصدري فول الصويا الأمريكيين”.
هكذا تتضح اللعبة عند كل طرف، في عصر قواعد البيانات الشاملة وتدفق المعلومات، حيث يعرف ما لدى الآخر بدقة ويصوب سهامه ويحدد التوقيتات.
الصين تستهلك ثلث فول الصويا بالعالم، وتظهر أرقام ويلز فارغو أن يتم استخدام الحبوب في وجبة تغذية للخنازير، حيث أصبح لحم الخنزير من المواد الغذائية الأساسية في النظام الغذائي الصيني، إذ تعد الصين أكبر مستهلك لحم الخنزير في العالم.
وتنتج الصين حوالي 12% فقط من 112 مليون طن متري من الصويا التي تستهلكها سنويا. وهي تستورد الباقي بشكل رئيسي من الولايات المتحدة والبرازيل، والتي تشكل مجتمعة 68% من فول الصويا في العالم.
أما موقع “فارمدوك ديلي” فقد ذكر أن الصين تشتري 60% إلى 65% من واردات فول الصويا العالمية، بينما تصدر الولايات المتحدة ما يقرب من نصف إنتاج فول الصويا.
وقال استاذان أمريكيان إن واردات الصين للسنة التسويقية 2018، تستحوذ على 93% من صادرات فول الصويا العالمية باستثناء الولايات المتحدة.
تتقافز كرات الفول على موائد التفاوض، كما يتقافز الساسة، لكن لعبة أخرى غير البنج بونج ستستمر.
نقلا عن العين الإخبارية