“كيف نتعايش مع اضطرابات المرحلة الانتقالية في النظام الدولي؟”، يلخص هذا السؤال الاتجاه الرئيسي الحاكم لكتب ومؤلفات العلاقات الدولية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في عام 2018، إذ كشفت الكتب الغربية الأكثر مبيعًا والتي حظيت بترشيحات النقاد والخبراء في وسائل الإعلام عالمية الانتشار مثل: “فايننشيال تايمز”، و”الإيكونوميست”، و”نيويورك تايمز”، والمجلات المتخصصة مثل: “الفورين أفيرز”، و”الفورين بوليسي”، ومراكز التفكير العالمية؛ عن تحكم الأزمات الداخلية في السياسات العالمية للقوى الكبرى.
وعلى الرغم من تنوع هذه الكتب ما بين الروايات الصحفية والسير الذاتية وكتابات الخبراء والأكاديميين، إلا أن ما جمعها هو التوافق الضمني على تحجيم تأثيرات الداخل لقدرة أيٍّ من القوى الدولية التقليدية والصاعدة على “قيادة العالم”. إذ يهدد الإرباك الذي سببه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في الداخل بانحسار “عصر الهيمنة الأمريكية”، كما تواجه الدول الديمقراطية أزمات تكاد تعصف ببقائها خاصةً في ظل صعود “سياسات الهوية” والتيارات الشعبوية والقومية واليمين المتطرف واحتجاج الشعوب على نخبوية نظم الحكم. أما النظم الصاعدة، مثل الصين والهند والقوى العائدة مثل روسيا، فتواجه إشكاليات اقتصادية واجتماعية معقدة قد تهدد استقرارها مستقبلًا، وتستنزف صراعات الهيمنة الإقليمية في أوراسيا قدراتها العسكرية والاقتصادية، وتواجه محاولات إعادة هيكلة العولمة تهديدات بتفجر أزمات مالية واقتصادية جديدة نتيجةً لتراكم الديون وتداعيات السياسات التقشفية واختلال أسس الرأسمالية.
فوضى حكم “ترامب”
جاءت بداية عام 2018 صادمة بصدور كتاب “نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض” للصحفي الأمريكي “مايكل وولف”، فالكتاب الذي احتل سريعًا موقعًا في صدارة أفضل المؤلفات مبيعًا تَضَمَّن روايات المقربين من “دونالد ترامب” ومسئولي البيت الأبيض حول مدى اضطراب إدارته وافتقاده لمقومات القيادة، ومن بين من عرض الكتاب لتقييمهم لترامب “ستيف بانون” كبير مستشاري الرئيس للشئون الاستراتيجية، ومدير حملته الانتخابية السابق(1).
ولقد ساهم هذا الكتاب على الرغم من الانتقادات للمصادر التي اعتمد عليها في تشكيل صورة للرئيس الأمريكي كشخص غير مستقر عديم التأهيل ويفتقد الخبرة اللازمة لإدارة المنصب، كما أن قراراته مفاجئة وغير قابله للتنبؤ، بالإضافة للفوضى الضاربة في أرجاء البيت الأبيض في عهده. أما كتاب “ولاء أعلى: الحقيقة، الأكاذيب والقيادة” الذي ألفه “جيمس كومي” المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” فقد تضمن اتهامات لترامب باتباع نهج “زعماء المافيا” والعصابات في إدارة البيت الأبيض. وسرد “كومي” مواقف تعامل خلالها مع الرئيس الأمريكي ليبرهن على خوف “ترامب” من التحقيقات الجارية في شبهات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وعدم ثقة الرئيس في أيٍّ من المحيطين به، ومعاناته من “عقدة الاضطهاد” و”أوهام السيطرة الكاملة” وغرقه في الخصومات السياسية التي تُشتت انتباهه عن مهام الرئاسة(2).
وامتدت حملة الهجوم على “حكم ترامب” (Trumpocracy) إلى الجمهوريين، حيث وصف “ديفيد فروم” -وهو من السياسيين الجمهوريين الذين عملوا على كتابة خطابات الرئيس الأسبق “جورج دبليو بوش”- إدارة “ترامب” بأنها “حكم اللصوص” (Kleptocracy) في كتابه “حكم ترامب: فساد الجمهورية الأمريكية”، متهمًا النخبة السياسية الأمريكية بأسرها بالفساد والتربح من مناصبهم، وهو السياق الذي سمح لترامب بمحاباة أسرته والمقربين منه في ترشيحه للوظائف العامة واستغلاله لمنصبه. وأدان المؤلف الجمهوريين لتجاهلهم الأسانيد التي تدعم اتهام “ترامب” بالاستفادة من التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، كما اتهم الديمقراطيين بالنخبوية ومساندة الأثرياء وتجاهل مشكلات الطبقة العاملة البيضاء في المجتمع الأمريكي مما تسبب في صعود “ترامب” للسلطة(3).
وتواصلت موجة كتب “محاكمة ترامب” التي مثلت عرائض اتهام متعددة بحقه، وكان من بينها كتاب الصحفي الأمريكي الشهير “بوب وودورد” (المسئول عن السبق الصحفي الذي فجّر فضيحة ووتر جيت خلال حكم الرئيس ريتشارد نيكسون) الصادر بعنوان: “الخوف: ترامب في البيت الأبيض”، إذ نقل الكتاب عن مساعدي “ترامب” والمقربين منه اتسامه بالكذب وعدم الاتزان وعدم الثقة في الآخرين، وهيمنة الفوضى واللا نظام على البيت الأبيض، ووجود “انقلاب إداري” يهدف لتحجيم أضرار انفراد “ترامب” بالسلطة، وإخفاء الوثائق عنه لمنعه من توقيعها ومخالفة أوامره. كما وصف بعضهم إدارة “ترامب” بـ”حافة الهاوية” و”الجنون الشامل”(4).
ارتباك السياسة الأمريكية
كانت النتيجة المنطقية لحالة الفوضى وعدم الانضباط في الإدارة الأمريكية، أن يهيمن الارتباك والتخبط على السياسة الخارجية الأمريكية؛ إلا أن “جون ميرشايمر” أكد في كتابه “الوهم العظيم: الأحلام الليبرالية والواقع الدولي” أن معضلة السياسة الأمريكية ترجع إلى عقود مضت حاولت خلالها واشنطن تصدير النموذج الليبرالي الأمريكي للخارج دون جدوى، بل وتسببها في نشر الفوضى وعدم الاستقرار في بعض أقاليم العالم على الرغم من الهيمنة على النظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة، وهو ما يرتبط بصعود القومية السياسية، وعسكرة السياسة الأمريكية، وافتقادها المعرفة الكافية بتعقيدات الخريطة العالمية، ومن ثم يوصي بالتخلي عن “الهيمنة الليبرالية”، ومراعاة الواقعية في السياسة الخارجية الأمريكية(5).
ويعرض “ستيفن والت” في كتابه “جحيم النوايا الحسنة: نخبة السياسة الخارجية الأمريكية وانحدار التفوق الأمريكي”، لسياسة الهيمنة الليبرالية التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي التي تسببت في تبديد الاستقرار في أقاليم عديدة بالعالم، مع تصاعد حجم أعباء السياسة الخارجية الأمريكية، مؤكدًا الإخفاق التام لسياسات بناء عالم يتبع النموذج الأمريكي رغم الاستخدام الكثيف للقوة العسكرية والضغوط الاقتصادية ضد القوى المعارضة لهيمنة واشنطن، وهو ما يرجع إلى إصرار النخب الأمريكية على فرض قيم ومعايير النموذج الأمريكي على العالم، والمبالغة في تقدير التهديدات على الأمن العالمي، والتوسع في تعريف المصلحة الأمريكية، والقوة الاقتصادية والعسكرية لواشنطن التي مكّنتها من اتباع سياسة تدخلية عالمية لا تمتلك أي دولة القدرات الكافية للتصدي لها، بالإضافة للتوسع في إدراك التهديدات(6).
وتمثل سياسات “ترامب” انقطاعًا عن هذا النهج، إذ تركز على المصلحة القومية الأمريكية تحت شعار “أمريكا أولًا”، ويحكمها منطق المكاسب المباشرة وتجنب التكلفة، بالإضافة للتخلي عن الالتزامات العسكرية تجاه الحلفاء، وعدم القيام بمهام ضمان أمن واستقرار النظام الدولي؛ إلا أن سياسة “ترامب” لم تتخلَّ عن أولوية القوة العسكرية بالتوازي مع استبعادها الكامل للتفاوض والدبلوماسية والترتيبات متعددة الأطراف، كما اتسمت بالارتباك والفوضى والنزعة الصراعية التي أثارت أزمة ثقة عميقة مع حلفاء الولايات المتحدة.
صعود سياسات الهوية
هيمن على الكتب الصادرة في عام 2018 الجدل حول تأثيرات الهوية وتداعياتها على المجتمعات وسياسات الدول الغربية، ولم يجد “فرانسيس فوكوياما” عنوانًا أكثر مناسبة من “الهوية: الحاجة للكرامة وسياسات الاستياء” ليعبر عن هذا الاتجاه الصاعد في كتابه الصادر قبل نهاية العام، حيث أكد أن “سياسات الهوية” (Identity Politics) باتت تهدد تماسك الدول الديمقراطية بسبب استدعائها عدة قضايا مثيرة للجدل، مثل: الحاجة للاعتراف، والكرامة، والهجرة، والعلاقة بين دوائر الانتماء القومية والدينية والإثنية. وهو ما يتسبب في تزايد الاحتقان داخل المجتمعات بسبب مخاوف الجماعات من التماهي في الآخر، وفقدان الخصوصية والخوف من هيمنة الجماعات الأخرى على مقاليد السلطة(7).
وأيّد “إريك كوفمان” هذه الاتجاهات في كتابه الصادر بعنوان: “التحول الأبيض: الشعبوية والهجرة ومستقبل الأغلبية البيضاء”، إذ أشار إلى أن التحولات الديمغرافية والتآكل التدريجي للأغلبية البيضاء في المجتمعات الغربية قد دفعها للدفاع عن بقائها عبر تبني الشعبوية ومعاداة المهاجرين والأقليات. فالبيانات الديمغرافية التي اعتمد عليها الكتاب تضمنت مؤشرات على أن البيض في الولايات المتحدة لن يكونوا أغلبية بداية من عام 2050، وأن الأقليات والجماعات مختلطة الأعراق ستهيمن على المجتمع الأمريكي وبعض الدول الأوروبية، وهو ما أدى إلى إعادة إنتاج خطاب “النقاء العرقي” وحماية الهوية الثقافية(8).
ولا ينفصل ذلك عن صعود “القبلية الجديدة” (New Tribalism) في ظل حالة التفكك والانقسام بالمجتمعات الغربية، وتزايد تأثير الجماعات الفرعية، وهو ما عبّرت عنه “إيمي شوا” في كتابها: “القبائل السياسية: غريزة الجماعة ومصير الأمم”، إذ أكدت أن هوية الجماعات أصبحت القوى المحركة للمجتمعات في ظل الانعزالية والعداء للآخر ممثلًا في الجماعات الأخرى والمهاجرين والأجانب، وهيمنة منطق المعادلات الصفرية (Zero-Sum Games) على علاقات الجماعات ببعضها. واستدلت “شوا” بصراعات الجماعات الإثنية والطائفية والقومية في العراق وأفغانستان وفيتنام، وأخيرًا الانقسامات المجتمعية التي أدت لصعود “ترامب” إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية(9).
أزمة الديمقراطيات الغربية
تكاد تُجمع الكتب الصادرة خلال عام 2018 على مواجهة الديمقراطية الغربية لأزمة ممتدة تهدد وجودها، ووفقًا للاتجاهات السائدة في هذه الكتابات فإن “الديمقراطية تحتضر” وليست قادرة على تحقيق الحد الأدنى من تطلعات الشعوب سياسيًّا واقتصاديًّا، وهو ما تواكب مع موجة ارتداد عن الديمقراطية في العالم، وصعود نظم الحكم المركزية في الصين وروسيا وبعض الدول النامية، حيث حذر “ياشا مونك” في كتابه “الشعب في مواجهة الديمقراطية” من تصدع نظم الحكم الغربية بفعل الاستقطاب السياسي وتمدد التيارات القومية والشعبوية واليمين المتطرف(10).
وتوصل كلٌّ من “ستيفن ليبتسكي” و”دانيل زيبلات” إلى الاستنتاج نفسه في كتابهما المعنون: “كيف تموت الديمقراطيات؟”، فانهيار أسس الليبرالية الاقتصادية و”احتضار الديمقراطية” يعد من أهم سمات عصر “انعدام اليقين الراديكالي” وفقًا لهما(11)، وهو ما أيده “ديفيد رونشيمان” في كتابه “كيف تنتهي الديمقراطية؟” مؤكدًا أن تحول الديمقراطية إلى تاريخ منقضٍ لم يعد مستبعدًا في ظل تزايد تأييد النظم السلطوية في العالم، ومواجهة النظم الديمقراطية لأزمات سياسية واقتصادية معقدة لم تعد قادرة على استيعابها(12). كما تم التحذير ظاهرة “قصر النظر السياسي” (Political Myopia)، واستبعاد السياسات طويلة الأمد من دوائر اهتمام السياسيين المُنتخبين بسبب الدورات الانتخابية القصيرة للغاية (Short Electoral Cycles).
وفي كتابها “حافة الفوضى: لماذا تُخفق الديمقراطية في تحقيق النمو الاقتصادي وكيف يمكن إصلاحها؟” طرحت “دامبيسا مويو” رؤى راديكالية حول “إعادة هيكلة” الديمقراطية الغربية عبر ترجيح آراء وتفضيلات “النخب المستنيرة” في مواجهة الجماهير الأقل تأهيلًا على المستوى السياسي والمعرفي -وفقًا لرؤية مويو- من خلال نظام جديد للتصويت مُرجح بالأوزان، ووضع معايير لقياس تأهيل المرشحين والناخبين، بالإضافة إلى تقييد التمويل السياسي للحملات الانتخابية، وفرض التصويت الإجباري، وإطالة أمد الفترات الانتخابية(13).
معضلة “القوى الصاعدة”
لم تحسم مؤلفات عام 2018 الجدلَ حول هيكل النظام الدولي، إلا أن توافقًا مبدئيًّا قد أصبح واضحًا حول مواجهة العالم لإشكاليات المرحلة الانتقالية لنظام عالمي جديد لم تتضح أركانه بعد، حيث يتنبأ “باراج خانا” بانتقال قيادة العالم من الغرب إلى القارة الآسيوية في ظل تمكن القوى الآسيوية الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، من تعزيز انخراطها في النظام العالمي، وهو ما يعبر عنه في كتابه المرتقب صدوره في مطلع عام 2019 بعنوان: “المستقبل آسيويًّا: النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين”.
وسار بعض المؤلفين على النهج ذاته بتوقع اكتمال الهيمنة الصينية على النظام الدولي، مثل كتاب “برونو ماسياس” “الحزام والطريق: نظام عالمي صيني”(14)، وكتاب “بيتر فرانكوبان” “طرق الحرير الجديدة: حاضر ومستقبل العالم”(15). وتكتمل الهيمنة الدولية بقيادة الصين للتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤكده كتاب “القوى العظمى في الذكاء الاصطناعي: الصين ووادي السليكون والعالم الجديد”(16)، إلا أن “ويل دويج” يكشف عن وجه آخر للهيمنة الصينية في آسيا في كتابه “إمبراطورية السرعة العالية: التوسع الصيني ومستقبل جنوب شرق آسيا”.
ورأى الكاتب تسببت مشروعات “الحزام والطريق” في تراكم الديون على الدول الآسيوية وتصاعد النفوذ والتأثير الصيني في هذه الدول نتيجة لارتباطها ببكين بمتاهة مشروعات بنية تحتية طويلة الأمد بلا مخرج واضح(17). وفي المقابل تؤكد “أليسا آيرس” في كتابها “لقد حان وقتنا: كيف تصنع الهند مكانها في العالم”، أن التنافس بين بكين ونيودلهي قد يكون ضمن أهم المحددات التي ترسم معالم القرن الآسيوي القادم، وأن تفجر الصراع على الصدارة الإقليمية والمكانة الدولية بين الدولتين سيبدد حالة السلام والاستقرار الهش في القارة الآسيوية(18).
ويُحذر “جورج ماجنوس” في كتابه: “رايات حمراء: لماذا الصين في عهد تشي في خطر محدق” من مواجهة الصعود الصيني لعدة مخاطر، يتمثل أهمها في: تراكم الديون، واحتمالية اختلال توازن العملة الصينية، وتحجيم سياسات “ترامب” الحمائية، والحرب التجارية التي يشنها ضد الصين لقدرتها على استكمال الصعود، بالإضافة إلى تأثيرات الفساد على استقرار النظام الصيني وقدرته على البقاء(19).
وتحذر “إليزابيث إيكونومي” في كتابها “الثورة الثالثة: تشي جين بينج والدولة الصينية الجديدة” من تداعيات التناقض بين الانفتاح الاقتصادي وقيم اقتصاد السوق والإغلاق السياسي والمركزية والرقابة على المجال العام والإنترنت التي يفرضها الحزب الشيوعي الصيني، لتسببها في صدام مع الدول الغربية التي تتعامل معها الصين اقتصاديًّا، وهو ما يتسبب في فرض قيود على استثمارات الشركات الصينية، وفرض حظر على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، ومنع دخول المواطنين الصينيين إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مما يهدد استمرار الخطة طويلة الأمد لتحويل الصين إلى قوةٍ عظمى(20).
انعكاسات “فجر أوراسيا”
شغلت التحولات في جغرافيا العالم وصعود “جغرافيا الاتصال” (Connectography) و”الأقاليم البينية” اهتمام بعض مؤلفي الكتب في عام 2018، حيث رسم “برونو ماسياس” صورة لقرن جديد تهيمن عليه التفاعلات بين القوى الكبرى في إقليم أوراسيا، وذلك في كتابه “فجر أوراسيا: الطريق نحو نظام عالمي جديد”، حيث أشار الوزير البرتغالي السابق والخبير بشركة فلينت للاستشارات إلى تصاعد محاولات السيطرة على هذا الإقليم من جانب روسيا والصين الذي يتطابق مع منطقة “قلب العالم” التي وصفها عالم الجغرافيا السياسية في مطلع القرن العشرين(21).
وتضم هذه المنطقة عدة قوى كبرى في صدارتها الصين والهند وروسيا، وتمر بها خطوط حيوية لنقل الطاقة عبر القارتين، بالإضافة إلى الكثافة السكانية الضخمة، والامتداد الجغرافي، واحتياطات الطاقة الضخمة، والتّماسّ مع بؤر الصراعات الرئيسية في آسيا وأوروبا، وهو ما دفع الكتاب إلى توقع تشكل تحالف بين روسيا والصين لمواجهة الاختراق الأمريكي لأوراسيا.
ويتوقع “روبرت كابلان” في كتابه “عودة عالم ماركو بولو: الحرب والاستراتيجية والمصالح الأمريكية في القرن الحادي والعشرين”، أن يتفجر صراع محتدم للهيمنة على أوراسيا بين القوى الدولية الكبرى ضمن اتجاهات تجدد صراعات الجغرافيا السياسية في العالم، وسعي الدول الكبرى إلى استعادة إرث إمبراطورياتها التاريخية مستدلًا بمشروعات عالمية مثل “الحزام والطريق” و”سلسلة اللآلئ” (String of Pearls) التي تسعى من خلالها الصين لإعادة تأسيس “طريق الحرير” الذي ارتبط بالامتدادات التاريخية للإمبراطورية الصينية، كما يتسم “عالم ماركو بولو” بالاهتمام بالقوة البحرية باعتبارها الأهم في المنافسة على الهيمنة العالمية(22).
إعادة هيكلة العولمة
أدى التسليم بمرور العولمة الاقتصادية بموجة انحسار حادة نتيجة لسياسات الإغلاق والحمائية وحروب التجارة إلى تصاعد الأطروحات حول كيفية استعادة اتزان العولمة وإعادة بنائها، ففي كتابه “عالم طوعي: تشكيل وتقاسم الرخاء العالمي المستدام”، يشير “جيمس باكشوس” إلى أن التعاون الاقتصادي والبيئي الذي يتم تأسيسه من أسفل إلى أعلى هو المدخل الأمثل لإعادة هيكلة العولمة بحيث تكون الصدارة للمبادرات المحلية والشراكات الإقليمية التي تتشابك وتترابط فيما بينها لتشكل شبكة تعاون عالمية الانتشار(23).
وعلى مستوى آخر، تعددت الكتب التي تناولت الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية في ذكرى مرور عشر سنوات على الإعلان عن انهيار بنك “ليمان براذرز” وتصدع مؤسسات النظام المصرفي الأمريكي بسبب أزمة الرهن العقاري، إذ أكد “لورانس بول” في كتابه “مجلس الاحتياطي الفيدرالي وليمان براذرز” أن قرار السلطات المالية الأمريكية في سبتمبر 2008 بعدم دعم هذا البنك قبيل انهياره كان الأخطر في التاريخ المالي الأمريكي منذ أزمة الكساد الكبير، وأن هذا الانهيار لم يكن حتميًّا، وكان يمكن تجاوزه لو تدخلت مؤسسات النظام المالي الأمريكي لمنع إعلان إفلاس البنك، إلا أن الضغوط السياسية وسوء تقدير التداعيات وراء هذا القرار(24).
وحاول “راي داليو” وهو أحد مؤسسي صناديق التحوط العالمية استخلاص “مبادئ لاجتياز أزمات الديون الكبرى” من خلال رصد الدروس المستفادة من التاريخ الاقتصادي والأزمات المالية العالمية، وضرورة متابعة دورات الأزمات الاقتصادية في العالم، والدور المركزي لصناع القرار في مواجهة الأزمات المالية(25). وهو ما يؤكده “آدم تووز” في كتابه “اصطدام: كيف غير عقد من الأزمات المالية العالم”، فالأزمات المالية ليست مجرد أحداث اقتصادية، وإنما تتضمن تداعيات سياسية ممتدة، مثل: تعقيدات العلاقة بين اليونان والاتحاد الأوروبي، والانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن اجتياح الشعبوية واليمين القومي لعدد كبير من دول العالم وخاصة في أوروبا الشرقية. وهو ما دفعه للتأكيد على مركزية دور الدولة في تنظيم الاقتصاد ومواجهة الأزمات المالية(26).
وتدعم رؤية “روبرت سكيديلسكي” هذا الاستنتاج بتأكيده على أهمية دور الحكومات في مواجهة الأزمات الاقتصادية في كتابه “المال والحكومة: تحدي علم الاقتصاد السائد”، حيث استخلص أن أفكار “جون مينارد كينز” حول أولوية الاستقرار على التوازن الاقتصادي تمثل مبدأ أساسيًّا في احتواء تأثيرات الأزمات المالية(27)، ويتصل ذلك بانتقادات “جوناثان تيبر” في كتابه “أسطورة الرأسمالية: الاحتكارات وموت التنافسية” للرأسمالية وتركيزها على النمو الاقتصادي في مقابل إغفالها عدم المساواة وانتشار الاحتكار الاقتصادي وإثراء الكيانات الاقتصادية الكبرى على حساب المستهلكين(28).
ختامًا، يكشف تتبع حركة النشر في العلاقات الدولية في عام 2018 أن القوى المحركة الرئيسية لعالم 2019 تتصدرها اتجاهات ارتباك السياسة الأمريكية في عهد “ترامب”، وهيمنة سياسات الهوية على التفاعلات الداخلية في عدد كبير من دول العالم، وما يسببه ذلك من أزمات تهدد بقاء الديمقراطيات الغربية، بالتوازي مع التحديات التي تعوق صعود القوى الآسيوية، وصراعات الجغرافيا السياسية الناتجة عن التنافس في أوراسيا بين القوى الكبرى، وأخيرًا محاولات إصلاح العولمة الاقتصادية، والتحسب لاحتمالات تفجر أزمات مالية جديدة عبر الاستفادة من دروس الأزمات السابقة والتصدي للاختلال في النظم الرأسمالية.
قائمة الكتب الواردة بالموضوع
1. Michael Wolff, Fire and Fury: inside the Trump White House, Henry Holt and company, January 2018
2. James Comey, A Higher Loyalty: Truth, Lies, and Leadership, Flatiron Books, April 2018
3. David Frum, Trumpocracy: The Corruption of the American Republic, Harper, January 2018
4. Bob Woodward, Fear: Trump in the White House, Simon & Schuster, September 2018
5. John J. Mearsheimer, The Great Delusion: Liberal Dreams and International Realities, Yale University Press, September 2018
6. Stephen M. Walt, The Hell of Good Intentions: America’s Foreign Policy Elite and the Decline of US Primacy, Farrar, Straus and Giroux, October 2018
7. Francis Fukuyama, Identity: The Demand for Dignity and the Politics of Resentment, Farrar, Straus and Giroux, September 2018
8. Eric Kaufmann, Whiteshift: Populism, Immigration and the Future of White Majorities, Allen Lane, October 2018
9. Amy Chua, Political Tribes: Group Instinct and the Fate of Nations, Penguin Press, February 2018
10. Yascha Mounk, The People Vs. Democracy: Why our Democracy is in Danger & How to Save it?, Harvard University Press, March 2018
11. Steven Levitsky, Daniel Ziblatt, How Democracies Die?, Crown, January 2018
12. David Runciman, How Democracy Ends?, Basic Books, June 2018
13. Dambisa Moyo, Edge of Chaos: Why Democracy is Failing to Deliver Economic Growth- and How to Fix it?, Basic Books, April 2018
14. Peter Frankopan, The New Silk Roads: The Present and Future of the World, Bloomsbury, November 2018
15. Bruno Maçães, Belt and Road: A Chinese World Order, C Hurst & Co Publishers Ltd., December 2018
16. Kai-Fu Lee, AI Superpowers: China, Silicon Valley, and the New World, Houghton Mifflin Harcourt, September 2018
17. Will Doig, High Speed Empire: Chinese Expansion and the Future of Southeast Asia, Columbia Global Reports, May 2018
18. Alyssa Ayres, Our Time Has Come: How India Is Making Its Place in The World, Oxford University Press, March 2018
19. George Magnus, Red Flags: Why Xi’s China is in Jeopardy, Yale, September 2018
20. Elizabeth C. Economy, The Third Revolution: Xi Jinping and the New Chinese State, Oxford University Press, June 2018
21. Bruno Maçães, The Dawn of Eurasia: On the Trail of the New World Order, Penguin Random House, 2018
22. Robert Kaplan, The Return of Marco Polo’s World: War, Strategy, and American Interests in the Twenty-First Century, Random House, March 2018
23. James Bacchus, The Willing World: Shaping and Sharing a Sustainable Global Prosperity, Cambridge University Press, July 2018
24. Lawrence M. Ball, The Fed and Lehman Brothers, Cambridge University Press, June 2018
25. Ray Dalio, Principles for Navigating Big Debt Crises, Bridgewater, September 2018
26. Adam Tooze, Crashed: How a Decade of Financial Crises Changed the World, Allen Lane, August 2018
27. Robert Skidelsky, Money and Government: A Challenge to Mainstream Economics, by Allen Lane, September 2018
28. Jonathan Tepper, Denise Hearn, The Myth of Capitalism: Monopolies and the Death of Competition, Wiley, December 2018