رؤى

قصة الجماعة الليبية المقاتلة (2)

لم تكن تنوي الجماعة الليبية المقاتلة، البدء في قتال “النظام الليبي” إلا بعد استكمال التجهيزات “إعداد العدة” في محاولة لتجنب ما وقعت فيه الجماعة الاسلامية وتنظيم الجهاد في مصر، إلا أن الصدفة وحدها تسببت في انكشاف أمرها بعدما ارتاب أحد المخبرين السريين في عشة بإحدى المزارع القريبة من الجبل الأخضر، والتي كانت تأوي عدد من عناصر الجماعة، فاضطرت بعد ذلك إلى الاستعجال بالصدام مع نظام “العقيد”.

 دارت حرب طاحنة بين قوات “القذافي” و”المقاتلة” واشتعل أوار مسرحها في منطقة “الجبل الأخضر” الوعرة، وما لبث أن لقى المئات من عناصر “الجماعة” مصرعهم، بينما سجن آلاف آخرون وسط ادعاء من قيادات التنظيم بأن “القذافي” استعان بالطائرات الصربية في قصف معاقلهم.

 لاذ المئات من عناصرهم إلى أفغانستان مرة أخرى، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، استطاع الجيش الأمريكي أن يعتقل أبرز قادتها، عبدالله الصادق، الذي استوقف في تايلند في العام 2004 م ونائبه “أبو حازم” ومفتي الجماعة “أبو المنذر” وزج بهم في سجن “بجرام”.

الانضمام إلى تنظيم القاعدة

مع العلاقة الوطيدة بينهما إلا أن تنظيم القاعدة، بقيادة بن لادن، وقتها، يأس من محاولات ضم “المقاتلة” وخضوعها إلى سلطان “القاعدة” بعد تصدي عبد الحكيم بلحاج لهذه الخطوة.

فقد صرح أبو مصعب السوري، منظر القاعدة، بأن أسامة بن لادن فشل في جهوده الرامية إلى ضم الجماعة الليبية إلى الجبهة التي أسسها أواخر التسعينيات، إلا أن النكبات التي تعرضت لها الجماعة المقاتلة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من ملاحقات وتشرد وقتل واعتقالات أحدث انشقاقا في صفوفها.

أبو مصعب السوري

ولم يؤيد قرار الانضمام للقاعدة من “المقاتلة” سوى من بقي على التراب الأفغاني لمواجهة قوات التحالف الدولي، والدفاع عن نظام طالبان المتهاوي، تلك المجموعة كان يقودها عمار الرقيعي “أبو الليث الليبي” والتي أعلنت ولاءها الكامل لتنظيم القاعدة في نوفمبر 2007 هذا الولاء الذي باركه أيمن الظواهري واعتبره خطوة على الطريق الصحيح، غير أن عددا من قادة وشيوخ الجماعة رفضوا هذا الانضمام.

وشكك البعض في حقيقة هذا الإعلان الذي جاء في كلمة صوتية لأيمن الظواهري، بثتها مؤسسة السحاب، المعبرة عن القاعدة، في الثالث من نوفمبر 2007 للدرجة التي وصف فيها البعض ذلك الإعلان بــ” لي الذراع”.

لقد جاء في التسجيل ما نصه: “ها هي كوكبة من أهل السبق… من أفاضل الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا يعلنون انضمامهم لجماعة قاعدة الجهاد” وحث في نفس الخطاب من سماهم المجاهدين في شمال إفريقيا على الاطاحة بزعماء ليبيا وتونس والجزائر والمغرب لاستبدال هذه الأنظمة بحكم إسلامي. وتدخل في نفس التسجيل أبو الليث الليبي الذي قدمه الظواهري على أنه المسئول عن الجناح الليبي في القاعدة، وأكد انضمام “المقاتلة الليبية” للقاعدة.

وجاء الإعلان عن التحاق “الليبية المقاتلة” بعد نحو عام من انضمام “الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية” أكبر الجماعات الجهادية في شمال إفريقيا، وأكثرها تسليحا وخبرة ميدانية.

لكن البعض يرى أن الفرق بين الحالتين أن الجماعة الجزائرية أعلنت بنفسها عن الانضمام من خلال بيان مطول وقعه أميرها عبد المالك دروكدال “أبو مصعب عبد الودود” نشر رسميا يوم الأربعاء 13 سبتمبر 2006. لكن الجماعة الليبية لم تصدر بيانا مماثلا، وتولى الظواهري الأمر نيابة عن قيادتها. وبقدر ما كان الإعلان عاديا لأنه يندرج في سياق “سياسة احتواء” انتهجها تنظيم القاعدة.

قصة المراجعات

في أواخر عام 2008 حذا نظام القذافي حذو النظام المصري في الدخول في مفاوضات مع قادة “المقاتلة” في السجون لتشجيعهم على الدخول في مراجعات لأفكار التكفير والعنف، مقابل الإفراج عنهم على أمل إغلاق ملفهم للأبد، وهي الدعوة التي لاقت قبولا عند تلك القيادات كان من أبرزهم “عبدالحكيم بلحاج” وبرعاية علي الصلابي.

 في مشهد دراماتيكي خرج سيف الإسلام القذافي وبجواره قادة “المقاتلة” ليعلن عن تخلص الجماعة من أفكارها التكفيرية ومحاولة إدماجهم في المجتمع.. وأفرج وقتها عن ثلث سجنائهم كدفعة أولى.

الصلابي وقوفاً وبلحاج يمين الصورة مع سيف الإسلام القذافي يساراً

لم يكن يعرف “القذافي” وأبناؤه أن القدر يخفي عنهم القتل والتشريد .. على يد من أخرجوهم بأيديهم من تحت أقبية السجون.. ولم يكد يمر عامين حتى اندلعت الثورة المسلحة ضد القذافي.. تحت قيادة الخارجين من السجون، وكان على رأسهم عبدالحكيم بلحاج، وراف الله السحاتي، وإسماعيل الصلابي… كانوا ذوي خبرات عسكرية اكتسبوها خلال حربهم ضد الروس وحكم نجيب الله.

لم يكن هناك مجال للفشل عند قادة المقاتلة.. فالفشل يعني تعليقهم على أعواد المشانق أو إطلاق الرصاص على أدمغتهم من الخلف، تطبيقا لقاعدة “الويل للمغلوب” والذي كان القذافي يؤمن بها فنفذ فيه أحد رجال المقاتلة حكم الإعدام.

 شكل قادة الجماعة الليبية المقاتلة وأعضاؤها غالبية المليشيات المسلحة التي ظهر دورها جليًا أثناء الثورة الليبية، وبعدها وسيطرت الجماعة على مليشيات دروع ليبيا وكتائب محورية مثل كتيبة راف الله السحاتي، وغرفة ثوار ليبيا، كما انبثق عن الجماعة كتائب أخرى مثل كتيبة أنصار الشريعة وجيش الإسلام.

عبدالحكيم بلحاج

وبات عبدالحكيم بلحاج، أحد أهم قيادات “المقاتلة الليبية” قائدا للمجلس العسكري في طرابلس، بعد ظهوره كقائد لمعركتي “باب العزيزية” و”فجر عروس البحر”، وأصبح قادة المليشيات الليبية التي ينتمون لــ”المقاتلة الليبية” هي من تحكم قبضتها في الواقع على الأرض الليبية في ظل ضعف الدولة المركزية هناك .

دور “المقاتلة” في ثورة 17 فبراير

لقد كان الحضور الإسلامي في فعاليات الثورة الليبية كاسحا وواضحا. فقد انخرط الإسلاميون بكل أطيافهم في الثورة مند بدايتها، وشكلوا قوة ضاربة لها وزنها ضمن قوات المعارضة المنضوية تحث لواء المجلس الوطني الانتقالي.. وقد اعترف عبد الحكيم بلحاج بدوره في إدخال الأسلحة والعتاد عبر البحر إلى التراب الليبي وتدريب عناصر المعارضة في بنغازي والجبل الغربي بحكم خبرته الطويلة في مثل هده الحروب ورغم غياب اسم “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” من التداول طوال الفترة الماضية وحضورها باسم جديد “الحركة الإسلامية للتغيير” إلا أن آثار حضورها على الميدان تبدو واضحة من خلال بعض الشعارات والأسماء.

أخيرا كان لعناصر الجماعة الليبية المقاتلة الدور الحاسم في توجيه الضربة القاضية لنظام العقيد الليبي معمر القدافي، بتحرير طرابلس ودخول بعض عناصر الجماعة المقاتلة سابقا يتقدمهم أميرهم عبد الحكيم بلحاج إلى مجمع باب العزيزية، حيث بيت الصمود رمز قوة وجبروت القذافي في مشهد تابعه العالم على الشاشات مباشرة.

وبعد الثورة تولى عدد كبير من قادة تلك الجماعة المليشيات الليبية الاسلامية فهناك مليشيا راف الله السحاتي، والتي تسميت باسم أحد قيادات المقاتلة الليبية الذي قتل في اشتباكات مع الجيش الليبي أثناء الثورة.

وتغلل عدد من أعضاء الجماعة في مليشيات الدروع التي انتشرت في طرابلس وبنغازي وبرقة، فضلا عن اعتبار جماعة أنصار الشريعة الليبية الموالية للقاعدة، التي انشطرت فيما بعد لعدد من التنظيمات، امتدادا طبيعي للجماعة الأم “المقاتلة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock