في إطار الخروج بالفلسفة من داخل أسوار الأكاديمية الجامعية، وحرصا على اكتشاف المسافات البينية بين الفلسفة والفنون المختلفة، عقد مركز الدراسات الفلسفية بجامعة القاهرة بالشراكة مع منتدى عفيفي مطر، ندوته الثالثة في جدول فاعلياته عن العلاقة بين الفلسفة واللغة في شعر عفيفي مطر، حيث استضافت الدكتور كريم الصياد الشاعر ومدرس الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وذلك مساء الخميس الثالث من يناير 2019.
في محاضرته ذهب الصياد إلى أن عفيفي مطر هو صاحب أعظم تجربة لغوية في الشعر العربي المعاصر لاسيما في مصر، فهو ليس صاحب تجربة ايقاعية تماثل تلك التي تميز بها شعر أمل دنقل، فأمل دنقل شاعر لا يستهدف بناء مفاهيم وتصورات معينة، بالإضافة إلى تعويله على المجاز، لكن الإيقاع والمجاز لا يصنعان تجربة شعرية فريدة تلك التي نجدها عند عفيفي مطر، فإبداع اللغة الخاصة هي أهم ما يميز الشاعر، وقد مرت اللغة الشعرية عند عفيفي مطر بالعديد من التطورات منذ بداية تجربته الشعرية في الستينات وحتى وفاته، فغذا أخذنا التقسيم الشهير لعابد الجابري في تصنيفاته لمراحل اللغة ما بين اللغة البيانية واللغة العرفانية، فإن عفيفي مطر بدا بيانيا في شعره، وانتهى عرفانيا بلغه تعتمد الإشارة والرمز، وتفتح المسافات للقارىء قد يسقط من ذاته على معانيها، كان هدف مطر في دواوينه التي اعتمد فيها اللغة العرفانية هو نقل الحالة والتجربة الشعرية دون محاولة بناء مفاهيم ومتصورات معينه.
أما عن علاقة مطر بالفلسفة، فعفيفي مطر كان محبا للفلسفة، وقد تأثر في كثير من كتاباته بعبدالرحمن بدوي، وفلسفة نيتشة، وليس أدل على هذا من تأليفه ديوان يحمل اسم الفيلسوف اليوناني( انبدوقليس)، والشعر الفلسفي عند عفيفي مطر هو محاولة لبلورة رؤية فلسفية من خلال الشعر، علاقة مطر بالفلسفة تتمثل في لغته، فالفكر لا ينفصل عن اللغة، وهي في اعتقادي تسبق الفكر، فالفلسفة لغة وليست فقط مضامين أو نظريات، كما عبر عن ذلك (هيدجر) بقوله “اللغة بيت الوجود”، وقوله “اللغة تتكلم” أي أنها تتكلم من خلالنا، وهذا يعني أنه عندما تضيق بك حدود اللغة في التعبير عن معان ورؤى خاصة، فإنك بالضرورة ستلجأ إلى إبداع لغتك الخاصة، من خلال إعادة بناء الجملة، والتلاعب بإمكانات التقديم والتأخير في الجملة العربية، وفي ظني أن هذا أكثر ما يميز لغة عفيفي مطر الشعرية.