“يا والدة يا مريم .. يا عامرة حنية .. أنا عندى زيك كم .. يا طيبة النية .. بشتاق وما بندم .. إتصبرى شوية .. يا والدة يا مريم .. مانى الوليد العاق .. لا خنت لا سراق من ديوان “الأطفال والعساكر” للشاعر السودانى الراحل محجوب شريف.
مريم هى أم الشاعر محجوب شريف، يناجيها وهو معتقل خلف الأسوار، كى تتحلى بالصبر “شوية”، فهو لم يكن يوما أبنا عاقا لوالديه، ولم يكن خائنا أو سارقا، هو فقط عاشق لتراب وطنه، ومريم ليست أم الشاعر فقط، مريم هى كل أم سودانية، تغيب ولدها خلف أسوار المعتقلات، هي الحبيبة، والوطن “مشتاقلك كثير والله .. وللجيران وللحلة .. كمان قطر النضال ولى .. وغالي علي ادلى”
الشاعر والحبيبة والوطن:
حين أراد تقديم نفسه كتب محجوب شريف قصيدته “بطاقة شخصية”، “الاسم الكامل إنسان .. والشعب الطيب والدى .. والحزب حبيبي وشرياني .. إداني بطاقة شخصية”.. ويضيف “المهنة بناضل بتعلم .. المدرسة فاتحة على الشارع .. والشارع فاتح في القلب .. والقلب مساكن شعبية” تلك الأنشودة التي لحنها وتغنى بها الفنان السوداني وردي الصغير، ثم رددها من بعده الفنان المصري محمد منير، تعبيرا عن وحدة الهم الإنساني في شمال وجنوب الوادي.
حين تغنى بشعبه أنشد يقول “كل الدنيا بتسأل عنك .. يا مبدع ثوراتك، وينك” ويضيف “أنا متفائل بيك وعارف .. إنك يوما ما .. تتجل .. تبقى حديث العالم كلو .. إذاعة .. إذاعة .. جريدة .. جريدة”
الشاعر محجوب شريف حين يكتب للحبيبة لا ندري أهو يناجي الحبيبة أم يخاطب الخرطوم، “محطة .. محطة بتذكر .. عيونك ونحن في المنفى .. وبتذكر مناديلك .. خيوطها الحمرا .. ما صدفة .. وبتذكر سؤالك لي .. متين جرح البلد يشفى .. ومتين تضحك سما الخرطوم .. حبيبتنا ومتين تصفا؟”
تغنى بجميلته الخرطوم “أغنية حب للخرطوم”، “غني يا خرطوم غني .. شدي أوتار المغنى .. ضوي من جبهة شهيدك .. أمسياتك وأطمئني .. نحنا منك ريح وهبت .. نار وشبت .. في وجوه الخانو اسمك يا جميلة .. ونحن يا ست الحبايب من ثمارك .. في دروب الليل نهارك”
أنشد للحبيبة “الليلة بهرب من ملامحك .. حتى من فكرة أسامحك .. من الدروب الجينا بيها .. وأى حته مشينا ليها .. ومن حنينى الكان بيحلم .. لو أماسيك وأصاحبك .. قلبي كم حبك ياما .. خلي يرحل بالسلامة .. مع السلامة” ويقول ” مرة شفتك في المنام .. وأنت بين سربين حمام .. نازلة سكة وادي أخضر .. شايلة سلة ورد أحمر” الحبيبة هى الأنثى وهى الثورة وهى الوطن.
وعندما أراد محجوب شريف مخاطبة وطنه كتب قصيدته “فديتك” “بقيت يا وطنى زي منفاي .. مطارد ومستباحة دماي .. عساكر من دروب تايهات مداي .. قدامي خطاي ووراي .. وذنبي هواي ليك يا وطني ومناي .. وذنبي ولاي وإنك سيدي ومولاي .. تعيش يا ذنبي طول ما عشت معاي” ويختتم قصيدته “نخيلك ثمرة ضو صباي .. ونيلك في جواي هامد هميم جراي .. وقبضة إيدي مسكة رمحك الرماي .. أطالع في صحاري الليل .. مطالع صبحك الضاوي .. فديتك لو بقيت منفاي .. فديتك لو بقيت مرساي”
تغنى الشاعر محجوب شريف بثورة أكتوبر 1964، تلك الثورة التى تعد أحد أعظم ثورات الشعب السوداني، والتى مازالت الملهم للسودانيين، فكتب قصيدة “أكتوبر هدير الحق”، “أكتوبر هدير الحق .. وفارس ليل يشق يا ليل دروبك شق .. ودقت دق .. طبول العزة دقت دق”
كتب محجوب الذي ولد عام 1948 وتوفي في 2 أبريل 2014 ، عن الشهداء فجعلهم أحياء يسيرون على الأرض، نراهم ونسمعهم ونشعر بهم “الشفيع يا فاطمة في الحي .. في المصانع وفي البلد حي”، ويكتب عن شهيد أخر “يا خينا إزيك .. أهلا مرحب .. أيوة أتفضل .. نادانى .. سلمت بقلبي وأحضاني .. راجل نكتة .. عميق ومهذب .. رائع جدا .. وإنساني .. ولما جمعني وشجعني .. سألتو بدهشة عن الحاصل”
كتب عن تجربة اعتقاله أكثر من مرة في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري وكذلك في ظل حكم الإنقاذ في 1989 فقال، “”مساجينك مساجينك مساجينك .. تغرد في زنازينك .. عصافيرا مجرحة بى سكاكينك .. نغنى ونحن فى أسرك .. ترتجف وأنت في قصرك .. سماواتك دخاخينك .. مساجينك مساجينك مساجينك”، وكتب يقول “ودانا لشالا .. عزتنا ما شالا .. نحن البلد خيره .. وخلاصه من حاله .. مستقبل أجيالا .. من منفى لمنفى .. زنزانة زنزانة .. مشي شعبنا معانا .. في الشدة تلقانا .. يا رفاقى في كوبر .. أنتم لنا علماً .. ألوانه زهرية .. ألوان مدتنا .. بصمود وثورية .. في الشارع والرجاف .. مثل الصقور نحنا .. بصمودنا نتحدى .. الكوز والمحنة” تلك القصائد التى أحياها الشعب السوداني عبر إنتفاضته من جديد حين رددها في الشارع السوداني مؤخرا.
الشاعر وقضايا الناس
لم يكتف محجوب شريف بالكتابة الإبداعية ذات الطابع السياسى لكنه كتب أيضا أغانى وقصائد وقصصا ومسرحيات خاصة بالأطفال منها أغنية “أحمد جا” و”حبا حبا حبا”، وكذلك قصة “زينب والشجرة” التى ترجمت لعدة لغات وتبرع الشاعر بكامل عائداتها لصالح مركز عبد الكريم مرغني، وهو أحد المراكز الثقافية بمدينة أم درمان. كما كتب للمرأة وإحتفى بها، مثّمنا حظه الجميل في الدنيا الذى رزقه بزهرتين جميلتين هما مريم ومي.
ليس هذا فحسب فللشاعر عدد من المبادرات المجتمعية التى أهتمت بدعم الفئات الأكثر فقرا، كما كان له عدد من المبادرات الأخرى التى أهتمت بربط الجاليات السودانية في الخارج بالوطن.
ورغم الرحيل مازال محجوب شريف حاضراً بقوة في حياة السودانيين اليومية، ينهلون من سيرته وينشدون إرثه الإبداعي العظيم عبر يوميات الثورة بالشارع السوداني، كنبراس يتلمس السودانيين به الطريق إلى الحرية.