قبل أيام غيّب الموت الأديب والروائي ، الكبير عبد الوهاب الأسواني عن عمر ناهز 85 عاما بعد رحلة حافلة وممتدة من الإبداع والعطاء الأدبي والثقافي، لتفقد برحيله الساحة الثقافية والأدبية في مصر واحدا من عناوينها الكبار.
ولد الروائي والأديب الراحل عبد الوهاب محمد حسن عوض الله الشهير بالأسواني في جزيرة المنصورية التابعة لمركز دراو محافظة اسوان جنوب مصر عام 1934، حيث قضى جزءا من طفولته المبكرة بأسوان التي بقيت، رغم رحيله عنها مع اسرته إلى الاسكندرية، معينه ومخزونه الروحي والأدبي للتأليف، فقد ظل طيلة عمره وحتى رحيله، مخلصا لمجتمعه الأسواني حريصا على أن يقضي بعض أيامه هناك في قريته يحضر أفراحها ويشاركها احزانها وويستقي من تفردها وأصالتها.
فإذا كانت “الطفولة مخزون الروائي” كما يقول ماركيز، فقد ظلت هذه المرحلة في حياة عبد الوهاب الأسواني مرحلة نقاء استقبل فيها مؤثراتها دون انتقاء أو تحليل، وهذا وجه من وجوه الأصالة في تجربته الإبداعية، وقد تمتع بذاكرة قوية وصافيه تجاهها لذلك لم يستطع الفكاك من أثرها في أغلب مؤلفاته، وهو ما مكنه من أن ينقل المجتمع الأسواني بكل تفاصيله وثقافته إلى القارئ عبر شخصيات رواياته وقصصه.
وعلى الرغم من أصوله الجنوبية العريقة بمخزونها الثقافي المتنوع، والذي جمع بين تراث مزيج من القبائل الافريقية والعربية ومخزون من الثقافة الفرعونية القديمة. فقد عاش وترعرع ونضج ثقافيا وأدبيا في الإسكندرية في فترة من أخصب سنوات المدينة الثقافية، وهي الفترة التي جادت علينا فيها بقامات أدبية سامقة من بينها الأسواني، وصديقه ابراهيم عبدالمجيد صاحب الثلاثية الشهيرة عن الاسكندرية.
وعن تلك الأيام في عروس المتوسط ،يحكي الأسواني أن والده كان يملك محلا تجاريا بسيطا بمنطقة الرمل بالاسكندرية، التي كانت آنذاك تضم مزيجا ثقافيا وانسانيا غاية في الثراء والتنوع بتعدد جنسيات وثقافات قاطنيها. وفي جنبات هذا المحل شغف قلب الفتى الأسواني الأسمر بحب القراءة، مستفيدا من ذلك الشيخ الأزهري الذي كان يدير حسابات محل والده، وكان يمتلك مكتبة عامرة بأمهات الكتب وعيون التراث والأدب العربي القديم، بالإضافة لأعداد المجلات الحديثة كالهلال وروز اليوسف وغيرهما.
كان ذلك كله قبل أن يعرف الأسواني بنفسه من أين يشتري كتبه التي يذكر أنها كانت تباع على العربات، وقد ولع بقراءة كتب التاريخ العربي الإسلامي، فأصبح يشتري كتبه من محطات الرمل والمنشية ، ثم عرف الطريق إلى مكتبة الحجازي والتي كانت تعير الكتب للقراءة مقابل قروش بسيطة، فكان يستعير الكتب تباعا، حتى أتم قراءة كل مخزون المكتبة في التاريخ والتراث العربي والإسلامي، وهكذا سار الأسواني على خطى العقاد في تعليم وتثقيف ذات، لاسيما وأنه لم يكمل تعليمه حيث اكتفى بالمرحلة الثانوية ليتفرغ لتجارة والده.
وفي الخامسة عشرة من عمره عرف عبد الوهاب الأسواني طريقه نحو عالم الندوات والمسابقات الأدبية، وفى العشرينات من عمره أصدر اولى رواياته ” سلمى الأسوانية ” عام 1970، والتي فازت بالجائزة الاولى في مسابقة القصة القصيرة والرواية التي نظمها نادى القصة بالقاهرة والإسكندرية بالتعاون مع مجلس الفنون والآداب. وقد أحدث نجاح هذه الرواية صدى كبيرا حيث لفت هذا النجاح أنظار النقاد والاوساط الأدبية إلى هذا الأديب القادم، وما لبث أن تلته نجاحات أخرى مع توالي أعماله الإبداعية ،فكانت رواية (وهبت العاصفة) ثم (اللسان المر) و(ابتسامة غير مفهومة) و(أخبار الدراويش) و(النمل الأبيض) و(كرم العنب) و(إمبراطورية حمدان). كما ترك الأسواني عددا من المؤلفات التي جمعت ما بين فكرة الرواية التاريخية، وأدب السيرة، من بينها، (مواقف درامية من التاريخ العربي )، و( خالد بن الوليد)، و( أبو عبيدة بن الجراح)، و( الحسين بن علي بن أبي طالب)، ( بلال مؤذن الرسول)، (عمرو بن العاص)، كما أصدر من المجموعات القصصية (مملكة المطارحات العائلية) و(للقمر وجهان) و(شال من القطيفة الصفراء). وقد تحولت بعض اعماله الأدبية الي مسلسلات وسهرات تلفزيونية واذاعية.
كان آخر أعمال الأسواني الأدبية رواية “إمبراطورية حمدان” التي صدرت نهاية العام الماضي عن سلسلة روائع الأدب، التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وتدور أحداثها في الاسكندرية خلال أربعينات القرن الماضي، عن رحلة صعود رجل قادم من الصعيد، من مجرد بائع متجول إلى صاحب إمبراطورية أعمال.
وعبر مشواره الإبداعي الحافل حصد عبد الوهاب الأسواني العديد من الجوائز الأدبية، حيث نال إحدى عشرة جائزة مصرية وعربية في الرواية والقصة القصيرة، من بينها المركز الأول في خمس مسابقات للقصة، كما فاز بجائزة الدولة التشجيعية في الأدب، وتوج مسيرته مع الجوائز بحصوله على جائزة الدولة التقديرية في الاداب عام 2010.
تصميم الغلاف: عبد الله إسماعيل