“السارزاي أو ساكنو الخيام، عدو المسيح والشرير والفريسة والتابع والإرهابى”، “جمودهم” و”حداثتنا”.. تلك هى الصور النمطية الشائعة في مخيلة الأوروبي عن العالم الإسلامي، والتي رصدها دكتور محمد حافظ دياب، فى كتابه “ذاكرة الإسلام والغرب”، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، عام 2016.
المواجهة الحضارية بين الإسلام والغرب مستمرة تمتد منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، وهي مواجهة تنطلق من مفهومي “جمودهم” و”حداثتنا”، والتساؤل المطروح هنا هو كيف تشكّلت صورة الإسلام في المخيال الغربى؟ وما هى أهم القضايا المثارة والصور النمطية التى كُرّست حول الإسلام؟ وما هو مستقبل العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب؟
يجيب على تلك التساؤلات الدكتور محمد حافظ دياب، في دراسته “الإسلام والغرب” فيوضح أن المنظومة الأوربية حيال الإسلام والمسلمين، وضعت في غالبيتها إبان العصور الوسطى، إستنادا إلى الحكايات الشعبية وقصص الأبطال والحجاج المقديسين وترجمات مفكريهم وعلمائهم، غير أن تلك المعلومات المقدمة، كانت عبارة عن معلومات تنتزع في معظم الحالات من سياقها الأصلي. وقد برزت صورة المسلم لدى الأوربيين عبر حقول ثلاثة هي: الحكايات الشعبية وحركة الإستشراق وخطاب الأنثربولوجيا.
تلك الصور النمطية كانت عبارة عن حصيلة تراكمات زمنية متعاقبة، وهى عبارة عن مزج بين متحقق يشير إلى نواه من وقائع، ويضاف إليه متخيل يمتزجان معا ليشكلا صورة فيها الكثير من إعلاء الذات والكثير من الإنتقاص من شأن الأخر.
وحول تطور صورة المسلم في المخيال الأوربي يشير محمد حافظ دياب، إلى أن الحروب الصليبية جاءت محمّلة بتلك التصورات المسكونة بالتعصب العرقي والثقافي والديني تجاه الإسلام والمسلمين، فصوّرت المسلم بإعتباره “عدو المسيح”، وبرزت خلال تلك الفترة الملاحم الغنائية الأوربية التى قدمت صورة سالبة للمسلمين، مثال “ملحمة رولان” والتى استطاعت عبر تناقلها تثبيت صورة شريرة للمسلمين في عقول الأوربيين. وتزامن مع تلك الملاحم بروز ظاهرة الشعراء الجوالة الذين عرفوا ب”التروبادور” والذين تناولوا في جولاتهم سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وصوروه على أنه كبير الآلهة “السارازيين”، أى ساكنى الخيام، ووصفه الرهبان الأسبان في القرن التاسع بأنه “المسيح الدجال”. وانتشرت الحكايات الشعبية الخرافية، التى صوّرت الرسول بأنه ساحر تمّكن عن طريق السحر والخداع من تدمير الكنيسة في أفريقيا والشرق.
وجاء عصر النهضة في أوربا، ليتعامل مع المشرق العربي الإسلامي بإعتباره مكانا متخيلا مسكونا بالسحر والخرافة، مكان ألف ليلة وليلة، وقصص علاء الدين، والمصباح السحرى، ومن ثم قدم صورة المسلم التركى على وجه التحديد بوصفه ذلك “المتخّلف” المفارق للتنوير.
ومع حقبة الإستعمار الأوربي، حيث أصبحت العديد من الأقطار العربية والإسلامية تابعة للمستعمر الأوربى، برزت صورة المسلم بإعتباره “التابع”، ووصف الرجل العربى بأنه أقرب للوحشية، وكلص وقاطع طريق ومنحط وبخيل ومتهاون، إضافة إلى صورة المرأة السلبية التى تنتمى لعالم “الحريم”.
ويستشهد دكتور محمد حافظ دياب بما أوردته الباحثة اللبنانية مارلين نصر، من أن الكتب المدرسية الفرنسية المقررة على تلاميذ المدارس، في منتصف القرن التاسع عشر، قدمت الحضارة الإسلامية، باعتبارها حضارة أدنى من سواها، ووصفتها بأنها لم تقدم إبداعا وأقتصرت على الحفظ ونقل إسهامات الحضارات الأخرى، إضافة إلى أن تاريخ تلك الحضارة، حسب هذه الكتب ،هو عبارة عن مسار من الانقسامات المستمرة وأن المدنية والفنون غير متوافقة مع العروبة.
الباحثة اللبنانية مارلين نصر
ولا تزال تلك الصور السلبية شائعة حتى الوقت الراهن، لدرجة أن هناك العديد من القصص الشعبية التى تُحكى للأطفال في أسبانيا، تصور المسلم على أنه كافر ومهووس بالنساء والرغبات الدنيوية ،كما تصفه بأنه قرصان غدّار، وتصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه متعصب ومدعى نبوة.
أما أحدث صورة للمسلم في الغرب فقد تجسدت في “الإرهابي”، حيث استطاع الإعلام الغربي، وبخاصة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، أن يحول الإرهاب والعنف والتعصب إلى ظواهر إسلامية عربية ويجعل منها بديهية في الوعى واللاوعى الغربيين.
تفجير برجي التجارة العالمي فى أمريكا
ويجمل حافظ دياب صورة الإسلام والمسلمين لدى الغرب بأنها عبارة عن نسيج مشوه يتسم بروح نقدية غليظة تفتقد لأى تواصل مع الثقافة المجتمعية أو الديانة، وخطاب يقدم الإسلام بوصفه دينا يحض على العدوانية والعنف ويوصم حضارته بالاستبداد السياسي وغياب الحرية، وينظر إلى المسلمين كعملاء للشيطان ومناصرين للعنف من خلال الجهاد.
وهنا يوضح محمد حافظ دياب على أن الغرب يستند في نظرته إلى العالم الإسلامي إلى أربع قضايا رئيسية ،هي الاستبداد والأصولية والعنف ومكانة المرأة المتدنية، .حيث دائب الغرب على الترويج لارتباط الإسلام بالتخلف والإستبداد، حين اعتبره حالة مستدامة برزت عبر تاريخ العالم الإسلامي، وفقا للرؤية الغربية له. كما أن الأوربيون يربطون بين الإسلام والعنف عبر تأكيدهم على فكرة الجهاد بإعتبارها فكرة جوهرية في الإسلام، وخاصة حين عمدت بعض الجماعات الإرهابية على تسمية أنفسهم بأنهم مجاهدون فى سبيل الله.
ويطرح محمد حافظ دياب رؤية لمستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، تقوم على ثلاثة سيناريوهات: التدجين والتهدئة والشراكة. ويقوم سيناريو التدجين على زعم مقاومة الإرهاب، فى ظل آلية سياسية تكرّس للربط بين الإسلام والعنف، تلك الآلية التى بدأت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. السيناريو الثانى يقوم على التهدئة، وذلك عبر إقامة حوار مع الغرب، لن يتأتى إلا بإشاعة ثقافة الحوار فى المنظومة الفكرية العربية والاسلامية في المقام الأول، أما السيناريو الثالث والأخير، فيقوم على الشراكة، حيث يبرهن البعض على إمكانية تنظيم لعبة الصراع والتنافس على الصعيد العالمى بإقامة أو تطوير نظام متعدد الأقطاب والترويج لشراكة أقليمية عربية أوربية.