تقول بيسان عدوان مديرة دار “ابن رشد” للنشر، إنه ورغم أن نسبة المبيعات منخفضة نظرا للأوضاع الاقتصادية الراهنة، لكن يبقى معرض القاهرة الدولي للكتاب من أهم المعارض العربية. وفي حوارها مع موقع “أصوات أونلاين” ترى بيسان عدوان أن الجوائز العربية أفسدت الإبداع والوسط الثقافي العربي لأنها سيدّت أجناسا أدبية دون الأخرى وتعتبر أن الشعر ليس له سوق حاليا لأن الناشرين أحجموا عن طباعة الشعر خوفا من الخسائر، لأن الشعر يُسمع ولا يُقرأ. وتضيف أن دار “ابن رشد” تحاول تعريف الجمهور بفلسطين أخرى غير المقاومة من خلال نشر الثقافة والمعتقدات الشعبية والطقوس والتاريخ القديم والجغرافيا وأدب الرحلات والتنوير والإبداع والإنسان الفلسطيني.
الكاتب: خالد حماد أثناء حواره مع بيسان عدوان مديرة دار “ابن رشد” للنشر
ماذا يعني معرض القاهرة الدولي في يوبيله الذهبي للناشر العربي بشكل عام ولك بشكل خاص؟
معرض القاهرة للكتاب بشكل عام، من أهم المعارض العربية، رغم أن نسبة المبيعات به منخفضة نظرا للأوضاع الاقتصادية، ورغم أن المعارض الخليجية يتهافت عليها الناشرون العرب والمصريون، لكن يظل لمعرض القاهرة وقع مختلف، حيث الأنشطة الثقافية المتعددة والمتنوعة التي تجعله نقطة الالتقاء للناشرين والكتاب والمبدعين العرب من كل مكان. هو مركز بيع للكتب مهم، رغم ارتفاع أسعارها وضعف القدرة الشرائية للجمهور المصري للكتب العربية التي ينتظر وصولها طول العام بفارغ الصبر. لكن هناك قضيتين مهمتين غائبتين أتمنى وضعهما في عين الاعتبار، الأولى عدم وجود أنشطة فاعلة لتطوير مهنتي النشر والترجمة، كورش عمل مكثفة لتطوير هذه المهنة، والثانية هي عدم وجود ورش عمل مكثفة لتطوير الكتب الإلكترونية، ولا نكتفي بندوات عادية يحضرها الجمهور غير المتخصص.
بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.. هل هناك أنشطة مغايرة أو مسابقات في الكتابة ستقدمها بيسان عدوان؟
هناك القليل من الأنشطة لنا غير بيع الكتب، مثل مناقشة بعض الأعمال التي نشرت خاصة الكتب الفكرية، وتقدمنا لجائزة العلوم الإنسانية بكتاب “نساء في عرين الأصولية الإسلامية” للكاتبة الإعلامية رباب كمال، صادر عام ٢٠١٨.
ولا أعرف لماذا تم استبعاد بعض الأعمال التي قدمت من جانب مؤلفيها للمناقشة في الأروقة الثقافية للمعرض، ووفقًا للمبررات المذكورة، أننا تقدمنا بأعمال كثيرة، وهذا غير حقيقي فهناك “ثلاثة أعمال” فقط مقدمة، رغم معرفتي بأن هناك الكثير من دور النشر تشارك بمناقشة عشرات الكتب الخاصة بها في الأروقة المختلفة.
هل ثمة استعدادات قبل بدء معرض القاهرة الدولي دون غيره من المعارض الدولية الأخرى الموجودة في عالمنا العربي؟
دار “ابن رشد” تهتم تحديدًا بمعرض القاهرة الدولي، وأقوم بالاستعداد له قرابة الشهور الخمسة التي تسبقه، وأعرف جيدًا أهميته، فهو ليس فقط جاذبا للجمهور، ولكن للناشرين وللمكتبات المختلفة، فهو يعد سوقا لعرض الأفكار، وجذب التعاقدات لبيع الكتب للعالم العربي، بل هو نقطة مركزية للالتقاء بكتاب ومبدعين عرب، خاصة أننا دار نشر مصرية لكن تمتد للعالم العربي بمبدعيه وجمهوره، ربما لأنها دار مصرية فلسطينية بجانب أنها دار تنويرية، كما أننا نفهم جيدًا السوق المصري وتقريبا عقلية الجمهور العربي حيث يعد الكتاب سلعة غير أساسية لذا يجب أن تكون منخفضة الثمن وذات محتوي جيد ونحن نراعي هذه النقطة. لكن نوعية الكتب التي تنشرها دار” ابن رشد” هي لجمهور قارئ ومتعطش للمعرفة.
هل تتفقين مع الرؤية التي تقول إن الثقافة سلعة.. وإذا كانت بالفعل سلعة هل هي رائجة؟
بالطبع الثقافة سلعة، وبالعكس هي رائجة، إن لم نحصر الثقافة في إنتاج الكتب فحسب، فالثقافة أيضا في السينما والمسرح والموسيقى.. إلخ، وبالعكس في مصر هي سلعة رائجة خاصة أنها في أسعار متوسطة .لكن الكتاب تحديدًا هو أقل تلك السلع رواجا، نظرًا لقلة المعروض في السوق وتمركزه في العاصمة أو في المناطق الحضرية مثل الأسكندرية، فهناك مشكلات ضخمة في الترويج للكتب، منها عدم التوزيع الجيد ليغطي أنحاء الجمهورية ويصل إلى كل مدن مصر، مركزية القاهرة دون الاهتمام بالأطراف المتعطشة للكتاب، رفع سعر الكتاب مما جعل الناس تبتعد عن شرائه، وعدم وجود أشكال متنوعة ومختلفة لترويج محتوى الكتب، كالكتب الإلكترونية والمسموعة، نظرًا لارتفاع أسعار الانترنت، وعدم فهم السوق الإلكتروني، وعدم وجود ثقافة التسوق الإلكتروني الآمن، ناهيك إهمال الدولة وابتعادها علي تفعيل المراكز الثقافية المختلفة التابعة لها في كافة المناطق، وتفعيل دور المكتبات العامة، التي يمكن أن تكون مراكز ترويج للكتب والثقافة في كل مصر.. السوق المصري كبير جدا وواعد رغم كل شيء ،فنظرة سريعة للسوق، نجد الكثير من المكتبات التي تم افتتاحها في المحافظات المصرية من قبل الشباب، هذا يعني أن هناك سوقا رائجا، نجد أيضا العديد من المطابع التي تعمل بشكل رسمي وغير رسمي، ففي كثير من المدن المصرية هناك الطباعة الرقمية السريعة التي صار لها وجود أكثر وأكثر، كما نرى العديد والعديد من الكتب المزورة، ليس في القاهرة فحسب ولكن في كل مصر، هذا يعني أن الكتب سلعة رائجة، وبحسبة عشوائية، وبسيطة إذا كان واحد في المائة فقط من الشعب المصري يقرأ، فهذا يعني أننا نحتاج إلى ١٠ ألاف نسخة، لكل عنوان ولكن بأسعار مخفضة.
ثمة سؤال يشغل أغلب شعراء العرب لماذا يدفع الشاعر أولًا حتى ينشر له؟
سؤال مهم جدا، الشعر ليس له سوق بالفعل لأن هناك وسائل مختلفة أصبحت هي الأهم بالنسبة للجمهور وخاصة جمهور الشعر والمتمرس على قراءة الشعر. أيضا دعنا نتفق أن الشعر عموما يُسمع ولا يُقرأ، هذا قديما فما بالك بالشعر الحديث ومن سيشتري كتاب شعر ثمنه ٤٠-٥٠ جنيها وهو عبارة عن دفقة شعورية لكاتبه.. نوعية الجمهور اختلفت، هناك جمهور يبحث عن المعرفة والمتعة وهذا في الكتب المعرفية والعملية والفكرية والروايات بأنواعها حيث تحقق له الغرضين، أما الشعر فمكانه في وسائل مختلفة في احتفاليات شعرية مصحوبة بالموسيقى أو المسرح سماع الشعر عبر وسائل التواصل الاجتماعي السمعية والبصرية، هذا ما تخبرني به التجربة .يجب أن يطور الشعراء وسائل ترويجهم للمنتج الخاص بهم ولا يقتصر على الكتاب الذي يمثل إرهاقا ماليا على الشاعر والناشر معا، لذا تجد أن الناشرين لا يغامرون بإنتاج الشعر علي حسابهم.
هناك من يرى أن الجوائز العربية ساهمت في تغليب أجناس إبداعية على حساب الاخرى هل تتفقين مع هذا الرأي؟
نعم أرى أن الجوائز العربية أفسدت الإبداع العربي أيضًا، وسيّدت أجناسا دون أجناس أخرى، فأصبحت الروايات تُفصّل تفصيلًا لتناسب الجوائز العربية، ناهيك عن إفساد الوسط الثقافي ككل من أول عملية الإبداع نفسه، وصولا لارتفاع سعر العمل الفائز وتزويره أيضًا، بينما هناك أجناس مهمة تم إهمالها، كأدب الرحلات وأدب الرسائل والعلوم الإنسانية وكتب الفن وكتب الرياضة وكتب التاريخ والعلوم، لصالح فقط اهتمام الناشرين بالروايات والروايات التفصيلية التي تناسب الجائزة.
ولماذا تتهرب غالبًا دور النشر الخاصة من نشر هذه الأعمال؟
في السنوات الخمس السابقة، كان هناك عزوف شديد عن الكتب الفكرية لصالح الرواية، وذلك لطلب السوق أو البحث عن المتعة وفقط، وانتشار الانترنت ووسائل التواصل الإلكتروني التي ناسبت الباحثين عن المعرفة بأشكالها المختلفة، ولكن في السنة الأخيرة، صارت هناك حالة لدى ذلك الجمهور، هو البحث عن المعرفة المتخصصة والمفلترة والمعرفة المحددة، نظرًا للكم الهائل من المعلومات المتدفقة من الإنترنت، فأصبح هناك البحث عّما يفلتر تلك المعلومات أو يربطها ببعضها أو يحللها، هذا ما يفتقده العالم الإلكتروني والشبكة العنكبوتية، وهذا ما رأته الدار منذ بدايتها، أن تهتم بإنتاج الكتب الفكرية كخط رئيسي دون إهمال الأنواع والأجناس الأخرى، العالم العربي يعيش مرحلة انتقالية حداثية، وسيحتاج للكتب الفكرية أيضا، والكتب التنويرية والعلمية من فلسفة وتاريخ وسياسة واقتصاد وخطاب ديني، واجتماع وعلم نفس وعلوم أيضًا والمترجمات، واليوم تحاول دور النشر التي عزفت في السابق عن إنتاج تلك النوعية من الكتب، العودة مجددا لنشرها، ولكن كخط فرعي لها حتى يومنا هذا.. سلسلة كتب عالم المعرفة يتم بيع ١٠٠ ألف نسخة شهريا منها في مصر، وهذا يعني أن الجمهور المصري شغوف بهذه النوعية بجانب سعرها المخفض، المشروع القومي للترجمة في معرض الكتاب يتم بيع كل إنتاجه لأنه مهم، لكن ليس لديه آلية محددة للتوزيع في كل أنحاء الجمهورية، وعلى مدار العام، نظرًا لعقلية الموظف التي تتحكم في وزارة الثقافة وهيئاتها.
بعض إصدارات دار ابن رشد للنشر
ماذا عن الإبداع الفلسطيني ومكانه على خريطة النشر بدار ابن رشد؟
الجمهور العربي والمصري تحديدًا لا يعرف غير كبار المبدعين الفلسطينيين، منهم محمود درويش وغسان كنفاني وإدوارد سعيد، ولاتزال كتبهم رائجة، وبالعكس تتعرض للتزوير نظرًا لارتفاع أسعارها من قبل دور النشر اللبنانية والعربية، لذا فهي مطلوبة جدًا، فكان هدف” ابن رشد” أن تتم إقامة شراكات مع دور النشر الأصلية بطباعة نسخ اقتصادية لمصر، ولكن حتى يومنا هذا ترفض بعض دور النشر ذلك، وتصر علي عرضها بأسعار غالية، مما يعرضها للتزوير، ولن يتوقف ذلك، يجب وجود حلول جذرية بما يسمى الطباعة الاقتصادية، وهذا معمول في الخارج ومشروع، وسنقوم بحلها في ٢٠١٩، حيت تم التوصل لأصحاب الحقوق الأصليين.
أما بخصوص الكتب الفلسطينية، هذا خط ثان رئيس لدى دار”ابن رشد”، الجمهور عزف عن الكتب السياسية والتاريخية، ويحتاج إلى معرفة فلسطين أخرى، أو كما أحب أن أسميها فلسطين الحياة والأصالة، فيجب أن نعيد مشروع الثقافة الفلسطينية وترويجها في العالم العربي مرة أخرى، فلسطين الثقافة والمعتقدات الشعبية والطقوس والتاريخ القديم والجغرافيا وأدب الرحلات والتنوير والإبداع والإنسان، ولا نحصر فلسطين في المقاومة وحسب، وهذا ما أحاول نشره في الدار. وبعد سنتين من نشر كتب سياسية، كان هذا العام بداية جديدة لنشر الأدب الشعبي والفنون والسير والمعتقدات الشعبية المختلفة لفلسطين، وطباعة اقتصادية تناسب الجمهور المصري.