ثقافة

قال إنها أمه التي لم تلده.. جابر عصفور: أدين بالفضل لصرّامة سهير القلماوي

 «إذا كان المرحوم الأستاذ أمين الخولي –  وهو أستاذ سهير القلماوي- كان يميز بين ما يسميه. أبوة الدم، وأبوة الرأس، فإن الأديبة والباحثة والناقدة الكبيرة سهير القلماوي كانت لي أما بالرأس، لأني أدين لها بتكويني الفكري والعلمي والأدبي».. هكذا وصف الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة واستاذ النقد الأدبي، علاقته مع الدكتورة سهير القلماوي، فهي بالنسبة له ليست فقط استاذة ومعلمة يدين بالفضل  لها في ما وصل اليه من مكانة أكاديمية نقدية، بل هي  أمه التي لم تلده وصفها.

الأستاذ أمين الخولي

حديث التلميذ النجيب جابر عصفور عن الدور المحوري الذي لعبته أستاذته في حياته العملية والشخصية، جاء خلال الندوة التي نُظمت ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الذهبية، عن مسيرة الدكتورة سهير القلماوي الأديبة والناقدة، بحضور كوكبة من المبدعين والأدباء والنقاد، كان من بينهم الأديب الكبير يوسف القعيد الذي أدار الندوة، أكثر مما تحدث فيها مفسحا الساحة للدكتور عصفور ليحكي سيرة القلماوي بعيون تلميذها عبر محطات ثلاث مر بها في حياته الأكاديمية.

الأديب الكبير يوسف القعيد

المحطة الأولى، كما يروى عصفور، كانت عندما تخرج في الجامعة سنة 1965، حيث اعترضته مشكلة اختيار موضوع لرسالته العلمية في الماجستير، فذهب إلى الدكتورة سهير القلماوي لمصارحتها بالأمر، فوجدها أما رؤوما حنونا. ويقول ” أخبرتها برغبتي في اختيار موضوع الرسالة عن موسيقى الشعر، فلم تجادلني وإنما راحت تحسب معي متطلبات البحث وسنواته، فإذا بها ست سنوات، ومن ثم اقترحت عليّ اختيار موضوع  رسالتي عن الصورة الشعرية، ولم يكن هناك من سبق وأعد رسالة عن الصورة الشعرية باستثناء رسالة الدكتور مصطفى ناصر عن الصورة الأدبية”.

يستطرد عصفور-” في تلك المرحلة من عمري كانت تسيطر علي مشاعر الاعتزاز بالنفس، وربما غرور طالب العلم في بداية لطريق، فأعددت لها الفصل الأول من رسالتي في شهر واحد ثم قدمته لها، وقد ظننت أني بذلك الإنجاز سأنهي رسالتي العلمية في ستة أشهر على أكثر تقدير. فما كان منها إلا أن ن حملت أوراقي ووضعتها في درج مكتبها دون أن تلقي اليها النظر.. ثم جلست تكتب في قائمة من صفحتين المراجع الأجنبية عن الصورة الشعرية، ودفعت بي إلى سيدة في الجامعة الأمريكية أحسنت استقبالي، وقدمت لي ما حملت قائمي من أسماء المؤلفات والمصنفات الأدبية”.

سهير القلماوي

 ويضيف “وقد عكفت على قراءة تلك المصنفات لمدة عام كامل، كانت طوال تلك المدة تعاملني بقسوة وصرامة، ولم أكن أفهم بواعثها، وحين انتهيت من مطالعتها لأخبرها بانتهائي من قراءة الكتب، أخرجت لي أوراقي من درج مكتبها، وقالت: اقرأ هذا وأخبرني برأيك فيما كتب. فجاوبتها على الفور لا يكتب هذا إلا حمار. فعاودت البسمة وجهها ولم تغادرها منذ ذلك الحين في تعاملها معي، كانت القلماوي سيدة وعالمة صارمة، وفي ظني أن صرامتها هي من صنعت جابر عصفور”

أما المحطة الثانية في علاقته سهير القلماوي فهي تأثير الأم سهير القلماوي على تكوينه الشخصي والوجداني، إذ يحكي عصفور كيف كان في تلك الفترة العمرية خجولا إلى أبعد الحدود، لا يعرف كيف يبدأ حديثا مع زميلاته، ولقد كان للقلماوي الفضل في منحه الجرأة والشجاعة.

الدكتور جابر عصفور

وفي المحطة الثالثة تحدث عصفور عن تأثير القلماوي على تكوينه الأدبي والأكاديمي والنقدي، فقد كان للقلماوي اهتمام خاص بدراسة النص جماليا ولغويا، وكان هذا مدعاة للخلاف بينها وبين التيارات الأخرى في أقسام اللغة العربية. وفي هذا يقول الدكتور عصفور “كانت تؤكد على أهمية دراسة النصوص العربية القديمة وفقا لمنهجيات النقد الغربية المعاصرة، وهو ما كان موضع اهتمام مني، وتمرست عليه بعد مثابرة وجهد في دراسة اللغة الانجليزية، والتعرف على منهجيات ومؤلفات النقد الأدبي في اللغة الانجليزية”.

 وعبر حديثه الذي رسم من خلاله صورة كاملة لشخصية القلماوي، انتقل الدكتور عصفور من دائرة علاقته الخاصة بها ومن تأثيرها في شخصيته ومسيرته، إلى الدائرة الأوسع والتي تناول فيها تأثيرها في الحياة الثقافية بوجه عام..، فالقلماوي كانت أديبة وناقدة متمرسة تكتب القصة القصيرة، وتكتب الشعر، ولها أكثر من مجموعة قصصية منشورة من بينها “الشياطين تلهو”، ” ثم غربت الشمس” وغيرها من الأعمال الإبداعية .كما كانت سهير القلماوي عضوا فعّالا في كثير من الأنشطة النسائية، حيث كانت حياتها تجسيدا حقيقيا للدفاع عن طاقات المرأة وقدرتها على العطاء والإبداع.

 وهي صاحبة آياد بيضاء على الحركة الثقافية المصرية والعربية، وحين وقع اختيار الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق عليها كأول رئيس للهيئة العامة للكتاب، استطاعت أن تجعل لمصر معرضا للكتاب ينافس – كما كانت تحلم- معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وقد تحمس عكاشة لفكرتها، وها نحن بعد خمسين عاما من تجسيد الفكرة التي صارت واقعا نحتفل بيوبيله الذهبي، ونحتفي بهما معا كرائدين عظيمين من رواد الثقافة المصرية والعربية.

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock