رؤى

مجدّد أم أصولي؟.. حسن حنفي ومشروعه الفكري يثيران الجدل في معرض الكتاب

كان مشروعه ولا يزال، مثيرا للجدل، يحار البعض في تحديد كنهه، وأهدافه وخلفيته الأيديولوجية، لا سيما في وسط ثقافي مغمور بالاستقطاب، ومأخوذ برغبات التصنيف. بينما يشكك البعض الآخر في قيمته العلمية ونتائجه متعللين بفشل الأستاذ في نشر فلسفته أو صناعة امتداد مدرسي يكمل مشروعه التنويري والثقافي، بعدما تمرد عليه الأبناء والأحفاد- كما يحلو له أن يقول.

الإلغاز والحيرة ربما كان جزءا في منهجية المفكر والفيلسوف الكبير الدكتور حسن حنفي، والتي حاول من خلالها استقطاب مختلف الشرائح والتوجهات الأيديولوجية والسياسية معا. فالرجل ينادي بالديمقراطية، ويٌباهي بتجربة التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين في صحبة مهدي عاكف صغارا بحي باب الشعرية، وينافح ويدافع في الوقت نفسه عن التجربة الناصرية، والقومية والوحدة العربية، ويطالب بإسلامية مصر التي هي بمثابة القلب من عالم إسلامي كطائر يطير بجناحين، أحدهما في المشرق من بلاد الشام وحتى الصين، وجناحه الغربي من ليبيا وحتى سواحل المغرب على المحيط الأطلنطي، فإذا سألته  من أنت من كل ذلك ؟ أجابك: أنا كل ذلك.

مهدي عاكف

لكن حلم توحيد وتقريب المختلفين تحت راية مشروعه الفلسفي أصاب المشروع بحاله من الميوعة الثقافية، وتركه أسير مساحة ضبابية حرمت المشروع من ميزة التبني الأيديولجي لتيار فكري يكون له بمثابة الحامل، فلا أنصار ولا أتباع، ولكن ربما يصنع المستقبل ما عجز عنه الواقع الراهن.

في هذا السياق من الضبابية تناول عدد من الأكاديميين والباحثين مشروع التراث والتجديد للمفكر حسن حنفي في ندوة عقدت ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض  القاهرة الدولي للكتاب الذي اختار في عيده الذهبي الاحتفاء بالدكتور حسن حنفي كأحد رموز التنوير.. جاءت بعض الرؤى مرتبكة عاجزة عن فهم منهجية الرجل، بينما بدت الآراء الأخرى حول مشروع حسن حنفي أسيرة مواقف أيديولوجية، في ظل حالة الاستقطاب التي تسود الأجواء السياسية والثقافية هذه الأيام.

ففي تقييمه للمشروع الفكري لحسن حنفي ذهب الدكتور محمد أبو الفضل بدران إلى أن مأخذه الرئيسي على هذا المشروع هو الموقف العدائي الذي اتخذه حنفي من الدين ذاته، في غمرة محاولاته العلمانية لتطوير ونقاش الفكر الديني.. فحنفي، كما يقول بدران، اتخذ موقفا مضادا من التصوف الإسلامي، وأعتبر التصوف تعبيرا عن مجموعة من القيم والمواقف السلبية التاريخية، كما كان مسكونا بالذاتية فعندما يقول إن هدف التراث والتجديد هو (حل طلاسم التراث والماضي مرة واحدة وإلى الأبد) فهذا مصادرة لكل محاولات التعاطي التي ستتناول التراث فيما بعد، وهو لا يثق في الفكر والمفكرين العرب كما يبدو في قوله مثلا (شيوع الروح العلمية لدى المستشرقين، والخطابية لدى الباحثين العرب والمسلمين).

على يمين الصورة الدكتور محمد أبو الفضل بدران

ويتساءل أبو الفضل “هل نسي حسن حنفي حقيقة أنه باحث عربي ومسلم؟ وهل يصح أن نصف منجزه الثقافي بالخطاب البلاغي؟”

أما الدكتور محمود الضبع فيرى أن تلك المسحة الأصولية التي تلبست خطاب حنفي كان فيها مضطرا، في ظل أجواء حالة من الانفجار الديني شهدها عقد السبعينات في ظل (الرئيس المؤمن) كما يحلو للبعض أن يسمي الرئيس الراحل أنور السادات. فقد كانت محاولة منه للتحاشي والصدام مع الرأي العام المشبع  بالروح المتدينة.

الدكتور محمود الضبع

أما عن تناول حسن حنفي للتراث فيذهب الضبع إلى أن اشكالية التعاطي مع التراث عموما تنبع في أننا انتقائيون، ونسلط الأضواء على جوانب مظلمة ونتغافل الجوانب المضيئة فيه، لاسيما الشق العلمي، فنتجاهل منجزات ابن سينا في الطب، والخوارزمي في الرياضيات، والفارابي في الموسيقى وغيرها من جوانب الفنون والمعارف العملية، فالمتواليات الرياضية التي يتبناها العالم إلى اليوم هي منجز تراثي عربي، وتظل مشكلتنا هي طريقة النظر إلى التراث وفقا لاعتبارات ومعطيات أيديولوجية.

مداخلات المتحدثين في الندوة عن مشروع حسن حنفي أثارت حفيظة بعض الحاضرين وكان من بينهم الدكتورة هالة فؤاد أستاذ التصوف الإسلامي بآداب القاهرة، وأستاذ النقد الأدبي الدكتور جابر عصفور. حيث  ذهبت الدكتورة هالة فؤاد إلى أن من الخطورة أن نقرأ حسن حنفي من خلال حديثه عن نفسه وعن مشروعه، فهو يقدم نفسه باعتباره ممتزجا مع الأصولية الإسلامية في حديثها عن المجددين الذين يأتون على رأس كل مائة عام، فهو يقول عن نفسه (أنا ممن يأتون على رأس كل مائة سنة ليجددوا للناس دينهم)، فهو في مشروعه يمزج ما بين مفهومي الإمامة السياسية والعلم، ولدية نزعه أصولية كبيرة.

الدكتورة هالة فؤاد

الدكتور جابر عصفور بدا في مداخلته متفقا إلى حد كبير مع ما قالته الدكتورة هالة فؤاد، إذ أعتبر أن مشروع حسن حنفي عن التراث والتجديد، هو في حقيقته ضد مشروع تجديد التراث. فحنفي – وفقا لعصفور – حين سافر إلى باريس لاستكمال دراساته العلمية كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وقد التقي هناك بمجموعة من الأساتذة المسيحيين المتأثرين والفاعلين في مشروع لاهوت التحرير المسيحي، وقد حاول استنساخ التجربة في ما يسمى بمشروع اليسار الإسلامي، وأصدر مجلة اليسار الإسلامي كمنفيستو لمشروعه الفلسفي. وفي رأي عصفور فإن حسن حنفي “أصولي  متأثر بفكرة تثوير الفكر الإسلامي، والثورة الإسلامية، وقد كان صديقا للخميني وقريب الصلة به في مرحلة من حياته، فحنفي وإن كان يميل إلى المدرسة الظاهرية في قراءة النصوص الدينية والتراثية، هو في رأيي حتى ليس معتزلي يقدم العقل، وإنما أشعري أصولي”.

الدكتور جابر عصفور

انتهت مداخلات وتعليقات المتحدثين خلال هذه الندوة، بينما  يقف مشروع حسن حنفي كما أراد له ان يكون ك(الفيل الضخم) يتحسسه العميان كل من جانب، فيظن انه أصاب كبد الحقيقة، وأغلب الظن أن حنفي يدفع ثمن هذا الجدل حول مشروعه راضيا، ولو قدر له الحضور لما نفي عن نفسه أيا مما قيل.

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock