منوعات

إطلالة تاريخية في مئويتها 1919 ثورة شعب من أجل الاستقلال والدستور (4)

مازلنا مع تلك الإطلالة الموجزة على سيرة ومسيرة ثورة 1919 التي ما تزال دروسها حاضرة حتى اليوم، فسمة الشعوب الحية أن تعيد انتاج ذاكرتها الجمعية وهي تتهيأ لصناعة مستقبلها، ولا شك في أن ثورة الشعب الكبرى في مارس من العام 1919 (والتي نحتفل هذا العام بمئويتها) مليئة بالدروس وغنية بالخبرات ومفعمة بالتلاحم الشعبي الجبار من أجل تحقيق أهم مطامح ومطالب الوطنية المصرية المتمثلة في الاستقلال والدستور.

مات الملك فؤاد وجاء فاروق ملكاً على سنة أبيه في التلاعب بالدستور الذي كان ينص علي وجوب اجتماع البرلمان، عند وفاة الملك، في مدة لا تتجاوز عشرة أيام، وتجنباً لدعوة البرلمان القديم للانعقاد، كما ينص الدستور في حالة إذا ما كان مجلس النواب منحلاً، فقد تمت انتخابات مجلس النواب في موعدها، وتم تقديم موعد انتخابات الإعادة لتكون يوم 7 مايو سنة 1936، كما تم التعجيل بانتخابات مجلس الشيوخ لتكون في نفس اليوم. عاد فاروق من لندن، حيث كان يتلقى تعليمه، وجلس على عرش أسرة محمد علي في السادس من مايو سنة 1936، الذي صار عيداً رسمياً للبلاد وسُمي عيد جلوس الملك.

نتيجة بحث الصور عن الملك فاروق والبرلمان

الملك فاروق

اجتمع البرلمان الجديد في آخر أيام المهلة الدستورية المقررة لانعقاده حال وفاة الملك، وكان ذلك يوم 8 مايو سنة 1936، ورأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً الذي أبلغ الأعضاء بأن رئاسة مجلس الوزراء قد أبلغت البرلمان كتابة بأنه قد تمت المناداة بالملك فاروق الأول ملكاً لمصر، ثم تلا علي ماهر باشا رئيس الوزراء خطاباً باسم الملك يبلغ فيه البرلمان بأنه تنازل عن ثلث مخصصاته الملكية (50000 جنيه) لصالح أبناء الشعب المصري.

وقد تضمنت الجلسة إعلان تولي مجلس الوزراء سلطات الملك الدستورية منذ وفاة الملك فؤاد وحتى تعيين مجلس الوصاية على العرش، حيث أن الملك فاروق لم يكن قد بلغ السن الدستورية لتولي الحكم، وهي سن الثامنة عشرة، وتم تعيين مجلس الوصاية في الجلسة التالية مباشرة.

نتيجة بحث الصور عن الملك فاروق والبرلمان

الملك فاروق في جلسة افتتاح البرلمان سنة 1936

وقدم علي ماهر استقالة وزارته يوم 9 مايو، وشُكلت وزارة وفدية يوم 10 مايو برئاسة مصطفي النحاس باشا، حيث كان الوفد قد فاز بالأغلبية النيابية، وكانت   تلك الوزارة هى الوزارة الثالثة للنحاس وهي أول وزارة في عهد الملك فاروق، وهي كذلك أول وزارة تنشئ وظيفة وكلاء الوزارات البرلمانيين ليكونوا همزة الوصل بين الوزارات المختلفة والبرلمان، كما أنشأت وظيفة وكيل وزارة لشئون القصر ليكون واسطة الاتصال بين القصر الملكي وجهات الحكومة المختلفة.

نتيجة بحث الصور عن علي ماهر باشا

الملك فاروق ورئيس الوزراء على ماهر باشا 

 وهذه هي الحكومة التي خاضت مفاوضات توقيع المعاهدة المصرية البريطانية التي عقدت في نهاية أغسطس سنة 1936، إلا أن المفاوضات التي أدت إليها بدأت مبكراً في أوائل مارس من نفس العام، وعلى الرغم من أن على ماهر باشا كان يرأس الوزارة إلا إنه لم يعين رئيسا للوفد المصري في تلك المفاوضات، كما لم يشارك أي من وزرائه في المفاوضات، وإنما رأس الوفد مصطفي النحاس باشا ومعه ستة أعضاء من حزب الوفد وعضو واحد من كل من أحزاب الأحرار الدستوريين والشعب والاتحاد، وثلاثة من المستقلين.

ونصت بنود المعاهدة على انتقال القوات العسكرية الانجليزية من المدن المصرية إلى منطقة قناة السويس وبقاء الجنود البريطانيين في السودان بلا قيد أو شرط. كما نصت على تحديد عدد القوات البريطانية في مصر بحيث لا يزيد علي 10,000 جندي و400 طيار مع الموظفين اللازمين لأعمالهم الإدارية والفنية وذلك وقت السلم فقط، أما حالة الحرب فلإنجلترا الحق في الزيادة وبهذا يصبح هذا التحديد غير ساري. واتُفق على ألا تنتقل القوات البريطانية للمناطق الجديدة إلا بعد أن تقوم مصر ببناء الثكنات وفقا لأحدث النظم. وتبقى القوات البريطانية في الإسكندرية 8 سنوات من تاريخ بدء المعاهدة، على أن تظل القوات البريطانية الجوية في معسكرها في منطقة القناة ومن حقها التحليق في السماء المصرية ونفس الحق للطائرات المصرية. كما نصت المعاهدة على أنه في حالة الحرب تلتزم الحكومة المصرية بتقديم كل التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية.. وللبريطانيين حق استخدام موانيء مصر ومطاراتها وطرق المواصلات بها. وبعد مرور 20 عاما من التنفيذ للمعاهدة يبحث الطرفان فيما إذا كان وجود القوات البريطانية ضروريا، أو أن الجيش المصري أصبح قادرا على حماية حرية الملاحة في قناة السويس وسلامتها ،فإذا قام خلاف بينهما فيجوز عرضه على عصبة الأمم.

نتيجة بحث الصور عن المعاهدة المصرية البريطانية

المعاهدة المصرية البريطانية في العام ١٩٣٦

وأقرت المعاهدة حق مصر في المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية وحريتها في عقد المعاهدات السياسة مع الدول الأجنبية، بشرط الا تتعارض مع المعاهدة. كما أقرت إلغاء جميع الاتفاقيات والوثائق المنافية لأحكام هذه المعاهدة ومنها تصريح 28 فبراير بتحفظاته الأربعة. وإرجاع الجيش المصري للسودان والاعتراف بالإدارة المشتركة مع بريطانيا.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي حوتها واعترافها باستقلال مصر إلا أن المعاهدة لم تحقق الاستقلال المطلوب، فقد تضمنت بعض أنواع السيادة البريطانية، حيث ألزمت مصر بتقديم المساعدات في حالة الحرب وإنشاء الثكنات التي فرضت أعباء مالية جسيمة مما يؤثر بالسلب على الجيش المصري وإعداده ليكون أداة صالحة للدفاع عنها، كما أنه بموجب هذه المعاهدة تصبح السودان مستعمرة بريطانية يحرسها جنود مصريون، وهي المعاهدة التي طالبت وزارة النحاس في مارس سنة 1950 الدخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة البريطانية  لإلغائها، حيث استمرت هذه المفاوضات  تسعة أشهر ظهر فيها تشدد الجانب البريطاني مما جعل النحاس يعلن قطع المفاوضات.

وخلال فترة ولاية الوزارة الوفدية وقعت مصر اتفاقية مع اثتني عشرة دولة في 8 مايو سنة 1937، وهي اتفاقية مونترو، التي بمقتضاها تم إعلان إلغاء الامتيازات الأجنبية في المملكة المصرية. وفي 26 مايو من نفس العام انضمت مصر إلي عصبة الأمم بموافقة جماعية للدول الأعضاء.

وفي التاسع والعشرين من يوليو سنة 1937 أتم الملك فاروق ثمانية عشر عاماً بالتقويم الهجري، وتولى سلطته الدستورية اعتباراً من هذا التاريخ، وطبقاً للعرف السياسي قدم مصطفي النحاس باشا استقالة حكومته للملك الذي عهد إليه بتأليف الوزارة الجديدة، لتكون المرة الرابعة التي يكلف فيها بتشكيل الوزارة.

صورة ذات صلة

مصطفى النحاس باشا

وكما هي العادة لم تستمر وزارة الوفد الرابعة في الحكم لفترة طويلة، إذ سرعان ما نشبت الخلافات بينها وبين القصر الملكي، واستغلت أحزاب المعارضة تلك الخلافات، وفي النهاية صدر الأمر الملكي بإقالة الوزارة في 30 ديسمبر سنة 1937، وفي نفس اليوم كلف الملك فاروق، محمد محمود باشا بتأليف الوزارة الجديدة، وكانت هي الوزارة الأولى التي يشارك فيها الحزب الوطني. كان أول أعمال وزارة محمد محمود باشا  تأجيل انعقاد مجلس النواب لمدة شهر،  وكالمعتاد صدر المرسوم الملكي بحل المجلس قبل أن ينتهي هذا  الشهر.

بعد تشكيل وزارة محمد محمود باشا بادر محمود فهمي النقراشي باشا وأحمد ماهر باشا، اللذان كانا قد أُقصيا عن حزب الوفد في وقت سابق، إلى تشكيل حزب أسمياه حزب الهيئة السعدية، ودخلت الهيئة الانتخابات البرلمانية سنة 1938 والتي أشرفت عليها حكومة محمد محمود باشا، وهي الانتخابات التي كان لتدخلات الحكومة لصالح مرشحيها أثر كبير في نتائجها، فقد حصلت الهيئة السعدية علي 80 مقعداً في مجلس النواب، بينما حصل الأحرار الدستوريون علي 113 مقعداً، بينما حصل حزب الوفد علي 12 مقعداً وحصل الحزب الوطني على 4 مقاعد بينما حصل المستقلون علي 55 مقعداً، وفقد البرلمان استقلاله ،وصار تابعاً لرغبات السراي الملكي إلى حد كبير. وبقيت وزارة محمد محمود باشا في الحكم نحو عشرين شهراً، وكانت استقالتها في النهاية تلبية لرغبة ملكية في 12 أغسطس سنة 1939.

صورة ذات صلة

محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر الأسبق

كان علي ماهر باشا يشغل منصب رئيس الديوان الملكي فكلفه الملك بتشكيل الوزارة في 18 أغسطس سنة 1939، فشكلها من بعض المستقلين من أنصاره ومعهم وزراء من السعديين ،واستمرت تلك الوزارة في الحكم حتى يونيو سنة 1940، وفي تلك الأثناء اندلعت أحداث الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من عدم اشتراك مصر بصفة مباشرة في تلك الحرب إلا أنها تأثرت بأحداثها علي عدة أصعدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، واشتركت مصر رغماً عنها بطريقة غير مباشرة في الحرب، وذلك باستخدام أراضيها وموانئها ومطاراتها لصالح قوات الحلفاء، كما استغلت مواردها في تموين تلك القوات، كما أن معاهدة سنة 1936 كانت تلزم مصر ببعض الإجراءات المقيدة لحريات المواطنين في حالة نشوب الحرب، وبناء علي ذلك فقد أعلنت الأحكام العرفية، وفُرضت الرقابة علي الصحف والمكاتبات والرسائل والسينما والإذاعة، وتطور الأمر في سنة 1942 فأصبحت الأراضي والأجواء والسواحل المصرية مسرحاً لعمليات عسكرية كبري.

في يونيو سنة 1940 قدم علي ماهر باشا استقالة حكومته بعد تدخل السفارة البريطانية وإبلاغها الملك فاروق أن بريطانيا تستشعر ميولاً في الحكومة المصرية تجاه دول المحور، وأن هذا الأمر غير مقبول، وكانت إرادة القصر الملكي أن يتم تشكيل وزارة ائتلافية أو وزارة وحدة وطنية، وفشلت جهودها في هذا الصدد ،نظرا لرفض حزب الوفد الاشتراك فيها، فكلف الملك فاروق شخصية غير حزبية هو حسن صبري باشا بتشكيل الوزارة، فألفها وأشرك فيها نسبة غير قليلة من السياسيين المستقلين وأعضاء من أحزاب الهيئة السعدية والأحرار الدستوريين والحزب الوطني.

حسن صبري باشا

ولم يدم أمر وزارة حسن صبري باشا طويلاً، ففي شهر سبتمبر توغلت القوات الإيطالية إلي الأراضي المصرية من الجبهة الغربية، ورأي وزراء حزب الهيئة السعدية وجوب إعلان الحرب علي إيطاليا، ولم يوافقهم علي رأيهم باقي وزراء الحكومة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء نفسه، فاستقال الوزراء السعديون وكانوا أربعة، واستمرت الوزارة في أداء عملها، ولكن القدر لم يمهلها كثيراً، حيث توفي رئيسها، حسن صبري باشا، يوم 14 نوفمبر سنة 1940 أثناء إلقائه لخطبة العرش في افتتاح البرلمان لدورته العادية.

وعلى نفس المنوال نسج الملك فاروق خيوط الوزارة الجديدة، فتألفت برئاسة حسين سري باشا وكان قوامها الأساسي من المستقلين ومعهم خمسة من الأحرار الدستوريين، ثم حدث تغيير لاحق في أواخر يوليو سنة 1941 انضم بموجبه خمسة وزراء من السعديين، وتعرضت وزارة سري باشا لعدة أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة أدت إلي نشوب المظاهرات وتصاعد مظاهر الاحتجاج الشعبي. وكان أخطر ما واجهته هذه الحكومة أزمة الخبز، التي انفجرت في يناير سنة 1942، حيث هاجم الناس المخابز للحصول على الخبز، وكانوا يتخطفون الرغيف من حامليه في الشوارع.

نتيجة بحث الصور عن حسن صبري باشا

حسين سري باشا

كانت القاعدة البرلمانية التي تستند إليها وزارة سري باشا قاعدة هشة، فقد كانت تستند على تأييد حزبي الأحرار الدستوريين والهيئة السعدية، اللذين شكلا الأغلبية النيابية في انتخابات مشكوك في نزاهتها جرت سنة 1938، وكان الوفد ومعه الحركة الوطنية المصرية يشنون حملات مكثفة على وزارة سري باشا باعتبارها أداة طيعة في أيدي الاحتلال البريطاني، في الوقت نفسه فقدت الوزارة تعاطف الملك فاروق على إثر قيامها بتنفيذ مطالب الاحتلال بقطع العلاقات مع حكومة فيشي العميلة في فرنسا، ووسط هذه الظروف مجتمعة ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الشارع لم يجد حسين سري باشا مناصاً من تقديم استقالة وزارته في 2 فبراير سنة 1942.

تابعت السفارة البريطانية في القاهرة عن كثب الفوران الحادث في الشارع المصري الرافض للاحتلال، ولدخول مصر الحرب ولو بشكل غير مباشر إلى جانب قوات التحالف، ولا شك أنها  رصدت التعاطف الشعبي المتزايد مع المحور، وكان بعض المصريين يرون أن ألمانيا يمكنها أن تخلصهم من الاحتلال البريطاني الجاثم فوق صدورهم طوال العقود الستة الماضية.

ورأت سلطات الاحتلال أن عدم الاستقرار في الشارع المصري قد يضر بموقفها المأزوم أصلا في الحرب، فرأت أن حكومة وفدية تحظى بالتأييد الشعبي هي الحل الوحيد المتاح أمامها للتعامل مع غليان الشارع المصري، فهو أولاً حزب الأغلبية الشعبية، كما أن وزارة الوفد هي التي وقعت معاهدة سنة 1936 مع بريطانيا، ولا شك أنها ستكون قادرة وحريصة على الالتزام ببنود المعاهدة التي تخدم المصلحة البريطانية في حربها ضد دول المحور.

وحين اتصل حسين سري هاتفيا بالسفير البريطاني ليخبره أنه أجبر على أن يقدم الاستقالة في تمام الساعة 12،30 ظهر يوم 2 فبراير، بادر السفير إلى طلب مقابلة الملك بعد نصف ساعة، وفي الواحدة تماماً استقبله الملك فوضع السفير أمامه ما يريده في نقاط واضحة وحاسمة، وكانت على النحو التالي:

 ـ-يجب تشكيل حكومة تكون ملتزمة بتنفيذ كل بنود معاهدة 36 نصاً وروحاً، خاصة المادة الخامسة من المعاهدة التي تنص على تعهد كل من الطرفين المتعاقدين بألا يتخذ في علاقاته مع البلاد الأجنبية موقفاً يتعارض مع المحالفة، وألا يبرم معاهدات سياسية تتعارض مع أحكام المعاهدة الحالية.

– تشكيل حكومة قوية قادرة على إدارة شئون الدولة، ومسيطرة على الشعب وتنال ثقته وعونه.

–  أن تبعث( الملك فاروق)  إلي النحاس كزعيم لحزب الأغلبية في الدولة وتكلفه بتشكيل الوزارة..ـ وإني أؤكد بأن يتم هذا قبل ظهر الغد.

ـ- جلالتكم مسئول مسئولية شخصية عن أي أحداث قد تحدث في خلال هذا الميعاد المحدد.

نتيجة بحث الصور عن الملك فاروق والسفير البريطاني

الملك فاروق والسفير البريطاني

ولم يكن الملك فاروق في وارد تكليف النحاس باشا بتأليف وزارة وفدية خالصة، ورغب في تأليف وزارة قومية حتى ولو كانت برئاسة النحاس، ولكن زعيم الأغلبية رفض تشكيل وزارة تضم الأحزاب الأخرى، ودعا الملك كل رؤساء الأحزاب وبعضاً من رؤساء الوزارات ورؤساء البرلمان السابقين إلى اجتماع عاجل في قصره عصر يوم 4 فبراير، وعرض أحمد حسنين باشا الموقف عليهم، ثم أخبرهم بأنه تسلم إنذاراً صباح اليوم من السفير البريطاني، وقرأ عليهم نصه:(إذا لم أسمع قبل السادسة مساء اليوم أن النحاس باشا قد دُعِي لتأليف وزارة فإن جلالة الملك فاروق يجب أن يتحمل ما يترتب علي ذلك من نتائج).

رفض المجتمعون الإنذار، وقرروا إرسال احتجاج إلي السفير البريطاني، وافق الملك علي هذا القرار، ووقع الحضور على نص الاحتجاج بمن فيهم النحاس باشا وسُلّم الاحتجاج مكتوباً إلي أحمد حسنين باشا، لتوصيله إلي السفير البريطاني، كان الاحتجاج يقول: (إن في توجيه التبليغ البريطاني اعتداءً على استقلال البلاد ومساساً بمعاهدة الصداقة ولا يسع الملك أن يقبل ما يمس استقلال البلاد ويخل بأحكام المعاهدة).

وتحركت السفارة البريطانية بسرعة وحسم، بعد أن تلقت من لندن توجيها بإظهار الشدة في التعامل مع الملك فاروق، فأبلغ السفير البريطاني رئيس الديوان الملكي حسنين باشا أنه سيأتي إلى القصر في التاسعة مساء لمقابلة الملك، وانصرف السياسيون المجتمعون في القصر على اتفاق على العودة إليه إذا اقتضى الأمر.

نتيجة بحث الصور عن الملك فاروق والسفير البريطاني

في حوالي الساعة الثامنة من مساء يوم 4 فبراير سنة 1942 حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين، وفي الساعة التاسعة حضر السفير البريطاني بصحبته الجنرال ستون، قائد القوات البريطانية في مصر، ومعهما مجموعة من الضباط البريطانيين المسلحين، ودخل السفير وقائد القوات إلي غرفة مكتب الملك، التي لم يكن فيها غيره وإلى جانبه رئيس ديوانه أحمد حسنين باشا، ومباشرة تقدم السفير إلي الملك بوثيقة التنازل عن العرش، وطلب منه توقيعها، ومن هول المفاجأة هم الملك أن يوقعها، لولا تدخل حسنين باشا الذي تحدث معه بالعربية بضرورة قبول الإنذار، وتفويت الفرصة على الإنجليز، ولم يغادر السفير القصر الملكي إلا حين علم أن الملك فهم الرسالة، وأنه سيكلف النحاس باشا بتشكيل الوزارة في الحال، حتى أن الملك عرض على السفير أن يستدعي النحاس باشا ليكلفه في وجوده.

في اليوم التالي (5 فبراير)، أرسل النحاس باشا إلي السفير البريطاني خطاباً يطلب فيه سحب الإنذار المقدم للملك حتى يستطيع هو تشكيل الوزارة، ورد عليه السفير بخطاب يتضمن ما يدل على سحب الإنذار.

وفي يوم 6 فبراير سنة 1942، ألف النحاس باشا وزارة وفدية، واستصدر مرسوماً ملكياً بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، قاطعها حزبا الأحرار الدستوريون والهيئة السعدية، وأسفرت عن أغلبية وفدية في المجلسين، وأتم هذا البرلمان ثلاث دورات، بدأت دورته الأولي بجلسة الافتتاح في 30 مارس سنة 1942 بعد إجراء الانتخابات مباشرة، واجتمع في دورته الثانية في 19 نوفمبر سنة 1942، واجتمع في دورته الثالثة في 18 نوفمبر سنة 1943، وكانت تلك من أطول الفترات التي حكمت فيها وزارة وفدية، حيث بقيت وزارة النحاس باشا حتى أقالها الملك فاروق في  8 أكتوبر سنة 1944.

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock