ثقافة

معرض القاهرة للكتاب: انتهت فعالياته وبقى الجدل.. بين انبهار بالتنظيم وحنين لرائحة الكتب

جاء معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخمسين، مصحوبا بالكثير من الجدل والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء حول موقعه الجديد على أطراف القاهرة والحنين إلى الموقع القديم للمعرض بأرض المعارض في مدينة نصر، أو بسبب غياب أو تغييب أصحاب مكتبات سور الأزبكية عن المعرض الذين كانوا حاضرين في الدورات السابقة، وزاد على ذلك الجدل واللغط الذي خلفته زيارة السفير الإسرائيلي  للمعرض متخفيا.

ومواكبة لحالة الجدل تلك وسعيا لاستجلاء رأي جمهور الزائرين للمعرض حاول موقع “أصوات أونلاين” استطلاع رأي بعض زوار المعرض عن تقييمهم للمعرض هذا العام وأبرز ملاحظاتهم بشأنه سواء مكانه أو فعالياته. وقد تمحور الآراء في معظمها حول وجهتي نظر: الأولى ترى أن المعرض بموقعه الجديد أكثر نظاما وأناقة، أما وجهة النظر الأخرى فقد بدت مسكونة  بالحنين الشديد للمعرض القديم في أرض المعارض، مثل دعاء حمزة، إحدى زائرات المعرض، والتي عبرت عن حنينها ذلك بقولها “المعرض في شكله الأول كان فيه إحساس الكتب، كان في ريحة الكتب، أنا كنت بدخل المعرض أشم ريحة الكتب”.

 معرض الكتاب في ثوبه الجديد:

محبو معرض الكتاب في ثوبه الجديد، أكدوا أن المعرض هذا العام كان أكثر نظاما وأكثر نظافة وترتيبا، ندا مصطفى طالبة بالثانوية الأزهرية تشيد بالمعرض بقولها: “المعرض السنة دي أحسن كتير، تنظيم ونظافة، والقعدات، وماكينات صرف النقود، وحضور الأزهر في المعرض عظيم”. والد ندا، مصطفي خليل بالمعاش، أيد رأي ابنته بقوله: “المعرض صورة مشرفة وجميلة جدا، المعرض القديم 60% كانوا بييجوا المعرض على أنه يوم فسحة، المعرض السنة دي لمحبي الكتب فقط”.

 في ذات السياق يشير سعيد خلف، الذي جاء خصيصا من الإسماعيلية لزيارة المعرض، إلى أنه اعتاد زيارة المعرض كل عام، لكن يرى أن المعرض هذا  العام أفضل سواء من حيث التنظيم أو دور النشر المشاركة”.

و في حين أبدى حسين حمدي أحد الزوار، اعجابه بالشكل الحضاري للمعرض هذه السنة، عبرت زينب رمضان، وتعمل مدرسة، عن سعادتها بزيارة المعرض بقولها: “المعرض جميل جدا وفيه كل الكتب لجميع المراحل وجميع الشخصيات، أنا أستمتعت جدا بوقتي هنا، صحيح المكان هنا أبعد، لكن هنا أجمل، ومنظم وبه  كل الإمكانيات”.

المعرض القديم والحنين لعبق الكتب:

 في مقابل وجهة النظر السابقة بدت دعاء حمزة، وهي ممثلة مسرحية، بمثابة صوت الحنين للمعرض القديم، وعن هذا الحنين تقول إن سور الأزبكية والمقهى الثقافي، والمعرض في شكله الأول كان فيه إحساس وعبق الكتب،” لكن الآن لدى شعور أني أتسوق، كأني داخلة مول تجاري، لكن طبعا المكان الجديد به امكانيات أكتر وفيه نظافة أكتر، لكن ينقصه زيادة عدد المداخل، لتقليل الطوابير”.

يدعم صوت الحنين عاطف البحيري مدير مدرسة بقوله “المعرض القديم كان بيت الكل، بيت المتوسط والغني والفقير، هنا المعرض مستوى معين، سور الأزبكية لم يعد موجودا، والمكان كان أوسع من هنا، المكان هنا محتاج عشرين سنة عشان يبقى مثل المعرض القديم.. المعرض القديم كان مثل بيتي والمعرض الجديد مثل بيت الجيران”. صوت عاطف البحيري لم يكن محملا فقط بالحنين للمعرض القديم، بقدر ما كان محملا بفكرة أن المعرض الحالي لم يستبعد فقط عارضي سور الأزبكية، لكنه استبعد معهم شريحة من الفقراء ومحدودي الدخل من محبي القراءة والكتب.

أين ذهب سور الأزبكية؟

هذا هو السؤال الذي دار على ألسنة العديد من  زوار المعرض عن الأسباب التي أدت إلى غياب سور الأزبكية ولماذا تم استبعاد اصحاب مكتبات الازبكية من المشاركة هذا العام، كما جرت العادة في السابق؟.. وهنا يشير الطالب محمد سعيد أحد زوار المعرض، إلى أن كتب سور الأزبكية المستعملة، كانت تمنح غير القادرين من محبي القراءة الفرصة لشراء كتب رخيصة تناسب امكانياتهم، لكن المعرض هذا العام حرم فئة معينة من أنها تشتري الكتب القديمة، بمن فيهم طلاب الجامعة الذين كانوا يجدون في هذه المكتبات كتبا علمية مستعملة مفيدة.. لكن كل ذلك لم يعد موجودا، كل الكتب هنا جديدة وسعرها مرتفع.

 يؤكد على ذات المعنى عبد الغني محمد، وهو موظف بالمعاش، بقوله “سور الأزبكية كان بيبقى فيها كتب ومراجع مش موجودة في دور النشر، طبعات قديمة، وكانت بتكون مفيدة للباحثين”

صورة ذات صلة

الكتب وأسعارها:

وبعيدا عن الجدل والمقارنات بين المعرض الجديد وذلك القديم، فقد أحتلت الكتب الدينية المرتبة الأولى في الأهمية لدى من تم إستطلاع آرائهم، تلتها الكتب الأدبية، وكتب السيرة الذاتية، ثم الكتب التاريخية، وكان لكتب الأطفال لدى الأسر التي جاءت بصحبة أطفالها مكانة أهم من غيرها من الكتب. لكن ارتفاع أسعار الكتب كان بمثابة العائق الأهم والأوحد لدى الجميع، وخاصة الكتب العلمية المتخصصة.

يروي يوسف بعض مشاهداته عن ارتفاع أسعار كتب الأطفال بقوله إنه شاهد أسراً كثيرة غير قادرة على شراء كتب لأولادها خاصة كتب المجموعات، لأنها  عبارة عن مجموعة من الاجزاء، سعر المجموعة الواحدة في حدود 70 جنيه “فعلشان الأسرة تجيب المجموعات كاملة محتاجة حوالى 500 جنيه، فكانوا بيكتفوا بأنهم يشتروا جزء واحد بس”. أما  الدكتور مسعد حسن وهو أستاذ بكلية العلوم بجامعة عين شمس، فقال معلقا على ارتفاع أسعار الكتب: “أسعار الكتب كلها غالية، مثل كل شيء اليومين دول”. في ذات السياق تشير رحاب أحمد، الطالبة بقسم الفلسفة كلية الآداب، إلى أن ارتفاع الأسعار هذا العام جعلها لا تستطيع شراء الكتب التي تحبها وخصوصا كتب الفلسفة.

الأنشطة الثقافية وغياب الجمهور

وإلى جانب الكتب، كان هناك العديد من الأنشطة الثقافية المواكبة لمعرض الكتاب، والتي تنوعت ما بين ندوات ثقافية وعروض سينما ومسرح وعروض الفرق الفنية على اختلافها، حيث تمت الاستعانة بفرق فنية من مختلف المحافظات، لنقل الوعي الثقافي والتراث الشعبي، كما كانت هناك ورش متعددة تم تنظيمها تتبع هيئة قصور الثقافة. لكن اللافت كان الغياب الواضح للجمهور عن متابعة وحضور الكثير من تلك الفعاليات الثقافية والفنية. البعض قال إنه لم يسمع عنها من قبل، بينما أشار البعض الآخر إلى أن تعدد الفعاليات وتزامنها ربما يكون السبب، أو ربما لم تقم إدارة المعرض بالترويج الكافي لهذه الفعاليات.

صعوبات واجهت زوار المعرض:

وإلى جانب مشكلة ارتفاع أسعار الكتب، فقد واجه زوار المعرض العديد من الصعوبات، والتي كان على رأسها بٌعد المكان، وصعوبة توفر المواصلات، رغم ما أعلن عن أنه قد تم إتاحة العديد من المواصلات العامة، فضلا عن طوابير الانتظار الطويلة، سواء عند الدخول من البوابات العامة للمعرض، ثم الوقوف مرة أخرى عند دخول قاعات العرض.

مقترحات للتطوير:

لم يفت بعض زوار المعرض أن يطرح أفكارا ومقترحات ومطالب لتطوير المعرض في دوراته القادمة، جاء على رأس تلك المطالب ضرورة عودة سور الأزبكية للمشاركة بالمعرض مجددا، مع ضرورة إعادة النظر في برنامج الأنشطة الثقافية عبر رؤية جديدة تهتم بدراسة الجمهور المستهدف، وآليات تفعيل مشاركته بتلك الأنشطة. في حين اقترح أحد الزوار مقترح يتعلق بتقسيم دور النشر وفقا للتخصص، بمعنى أن يتم تجميع دور النشر المتخصصة في مجال الكتب الأدبية على سبيل المثال مع بعضها البعض، ودور النشر المهتمة بالكتب العلمية مع بعضها البعض وهكذا.

أنهى معرض القاهرة للكتاب فعاليات دورته الذهبية لكن الجدل الذي رافق هذه الدورة لم ينته وربما لن ينتهي لفترة قادمة بينما ستبقى تساؤلات عدة حول مستقبل هذه التظاهرة الثقافية السنوية المهمة، وهل سيتمكن المعرض من بناء صورة ذهنية جديدة تمكنه من إزاحة الصورة الذهنية الممزوجة بالحنين للمعرض القديم؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock