قاصة، روائية، باحثة، أكاديمية، تنشغل بالمكان وأحداثه، وتغيراته عبر الزمن، تكتب بغزارة بعد قراءة متأنية، تعكس أوجاع وطنها وآهاته في أعمالها المتكررة، فازت بجائزة الدولة في الآداب من الأردن، عن رواية «عين الهر» عام 2009، رشحت روايتها «سماء قريبة من بيتنا»، إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية عام 2016، قبل أن تصل أخر رواياتها «صيف مع العدو»، إلى نفس القائمة في نسختها الأخيرة. «أصوات أونلاين » التقى الدكتورة شهلا العجيلي، ابنة حلب ،على هامش حضورها فعاليات مهرجان القاهرة الأدبى فى دورته الخامسة لتحدثنا عن مشروعها الروائي.
الكاتب خالد حماد والروائية السورية شهلا العجيلي أثناء الحوار
تبدو «الرقة» كمكان، حاضرة في كل أعمالك الروائية والأدبية.. ما السر في ذلك؟
دائما أي روائي، تشغله الكتابة عن المكان الأول، وأول رواية لي هي “عين الهر” 2005، وكانت مدينة حلب هي المكان الذي دارت فيه أحداث الرواية، لم تغب الرقة ولكن جاءت كومضات سريعة داخل الرواية، واختيار حلب جاء لأنها مدينة تستطيع أن تحمل رواية، يمكن أن تقيم عالما واضح الملامح، بما فيها من تعدد طبقات وبما فيها علاقات.
ثم جاءت “سجاد عجمي” وهي ثاني عمل روائي لي، لتكون رواية المكان الأول “الرقة “، كتبتها بعد حفر تاريخي، وكتبت عن “الرقة” في القرن الثالث الهجري إلى القرن الرابع الهجري، وكانت المرأة هي شاغلي الأول لتلعب دورا رئيسا فيها. مجتمع الرقة مجتمع أمومي، والنساء هناك وعبر التاريخ، يلعبن أدوارا لها منحى سياسي وثقافي، لا يبدو واضحا للعيان، لذا بنيت عالما متخيلا، ولديه مصداقية مع التاريخ، جعلت من النساء من تعمل بنسخ الكتب، وحافظة ومحفظة للحديث النبوي، والشعر، وصانعة للسجاد، وخزافة.. إلخ. هذا في رأيي تاريخ لدور مغيب للنساء.
وفي اعتقادي أن الرواية تشتغل على المُغيب والمُهمش، هذا دور رئيس للروائي، يمكنني أن أؤكد أنني كشفت عبر “سجادعجمي” 2012، عن علاقة النساء بالمكان والتاريخ، بالأحداث التي مرت بهن ومنها الهجرة، والاقتلاع من الجذور، ماذا تفعل النساء بكل هذا التاريخ من الذكريات والشتات؟ كان هذا سؤالي الذي خرج في صورة سرد، ولم يكن غريبا أن أنهي الرواية بالشتات، والتنبؤاءت السودواية، وهذا ما حققه منطق التاريخ الذي يفترض ذلك بشكل فعلي – وعلى عكس ما اعتدنا – نقرأ التاريخ ونكتب الرواية، جاءت “سجاء عجمي” كرواية كتبت وحققها التاريخ.
هل هذا يعني أن شاغلك كان كتابة الرقة روائيا لتكون مركزا مقاربا لدمشق؟
كان شاغلي استعادة الهوامش، وجعل الرقة مركزا فنيا، فدائما كان هناك الكثير مما يكتب عن المراكز مثل القاهرة وبغداد ودمشق، فالرواية ما هي إلا بناء عالم وهذا متحقق بصورة كبيرة في المدن ذات الزخم السكاني الكبير، لكن أن تجعل من المهمش مركزا فالأمر صعب، بدءا من تفكيك العلاقات ومراقبتها، هذه صنعة روائية، ماحدث في الرقة، استغرق معي ثلاثة أعمال روائية، فقد كنت اكتفيت بـ”سجاد عجمي”، وانتقلت إلى عوالم روائية وفضاءات أخرى. ولكن لأن ما حدث من قصف ودمار للرقة بعد 2012، مسني بشكل شخصي، فقد أعادني ذلك إلى بدايات القرن العشرين في روايتى “سماء قريبة من بيتنا”.
عن الحلم الفردى
ولماذا انشغالك بالتركيز على الفردية بشكل أساسي في التنظير للرواية؟
الرواية تقوم على المواجهة بين الفرد والمجتمع، وما فكرت فيه بعد أحداث ثورة سوريا، هو الأفراد، لذا ختمت روايتي “سماء قريبة من بيتنا “بعبارة” وطنك هو جسدك”، وهنا أتناول الأفراد وعلاقتهم بالحرب والخراب والدمار والمرض. الفرد في مواجهة هذا الدمار والخراب، هذه رواية ملحمية، مواجهات بين الفرد والمجتمع، رواية اشكالية لفرد يعي مايجري من حوله.
الرواية العربية انشغلت بالحلم الجماعي القومي العروبي واليساري، أما الفرد في الرواية العربية، فقد ظل مغيبا وتابعا للجماعة لفترة كبيرة من تاريخ هذه الرواية على قصرها، والحقيقة أن الرواية العربية تأخرت في الانتباه إلى الفردية بعكس الرواية الأوروبية، التي انتبهت مبكرا جدا إلى هذا، بالطبع عدا الرواية الوجودية، ويرجع هذا إلى الأحلام الجماعية التي انكسرت، وهذا بالطبع يعود إلى غياب وفقدان النقد الذاتي، الناتج بلاشك عن تبعية مقصودة لأحلام الآخرين، من يفكر في ذاته في ظل مواقف الجماعة وأحلامها يصل به الأمر إلى التخوين.
“صيف مع العدو” و”سماء قريبة من بيتنا.”. هل يمكن الإشارة إلى أنهما روايتا أجيال؟
بالطبع كلاهما، تحقق المصطلح بشكل كبير.. في رواية “صيف مع العدو”، والتي لعبت فيها المرأة دورا كبيرا، ثلاثة أجيال من النساء، ومن خلال حياة النساء خرجت بهن إلى أحلام وحيوات الآخرين، فكل امرأة ترمز إلى جيل وكل جيل يرمز إلى أحلام.. كل جيل عاش مرحلة تاريخية، وهجرة وحربا.. مثلا الجدة “كارما” والتى عملت بفرقة بديعة مصابني، انقلبت حياتها بعد الثورة على الانجليز في القدس عام 1936، هنا أعبر إلى تاريخ العالم عبر أفراد. من خلال الحكي عن حياة النساء أمكنني الدخول إلى العالم، وسرد الانكسارات والعلاقات والعقد الإنسانية، وكل هذا مربوط بحركة التاريخ، مايشغلني في الكتابة هى حركة الأفراد تحت مظلة حركة التاريخ، البوح الإنساني الذي يتقاطع مع حركة التاريخ والمكان.
هذا يعني استعادة كتابة التاريخ روائيا؟
بالطبع ليس التاريخ العام، لكن كتابة الحياة الشخصية للناس داخل الانعطافات التاريخية والطبيعية الكبرى، وكيف يمكن لهذه التحولات أن تغير في بناء الشخصيات، يمكن الإشارة إلى الحرب العالمية الثانية كأكبر منبع لتلك التحولات، حين يفقد الناس الجذور ليقدموا على تاريخ جديد مختلف تماما عن عالمهم السابق، المؤلم.
هل هناك فترات انقطاع عن الكتابة تحددينها لنفسك؟
عندما أشرع في الكتابة، يصعب عليّ الانقطاع، وإن حدث ذلك فعملية استعادة حالة الكتابة عملية صعبة جدا، لذا لا أنقطع عن الكتابة لأي سبب كان، أكتب بشكل يومي من 3 إلى 4 ساعات، تسبق الكتابة عملية بحث مستفيضة ومعمقة حول ما أشرع الكتابة عنه، بدءاً من التاريخ إلى علم الاجتماع، وصولا إلى علم الفلك.
في وقت ما كان على الكاتب أن يكتب عما يعرفه، وفي زمننا هذا، أصبح كل شئ متاحا للمعرفة بضغطة زر واحدة، هذا يجعلنا نفهم تمامًا أن الرواية لم تقف عند مجرد مصائر، وعليه يجب أن يقف الكاتب عند زاوية معينة يشتغل عليها ويقدم جديدا، وما فعلته في “صيف مع العدو”، أننى اخذت تيمة الفلك كجزء رئيس فى الرواية، وعليه أخذت دورات علمية في دراسة علم الفلك، حتى يمكنني قراءة السماء، وهذا له علاقة تاريخية بمدينة الرقة، والمرصد الفلكي المقام فيها .
الروائية السورية شهلا العجيلي أثناء الحوار
عين الناقد …هل تعطلك في الكتابة؟
في الكتابة الأولى، أغيّب النقد تماما، لكن لاشك أن هناك حوارا بين المبدع والناقد لدي، فالناقد عندي ليس حادا، فعنه أخذ أهمية الجماليات، أخذ النموذج، وكيف يكون صالحا لكل فترة تاريخية، وهذا مفيد جدا في الكتابة، كذا أضاف النقد إليّ معرفة مزاج المرحلة، والخصوصية الثقافية في الرواية تأتي عبر ثقافة المكان والصورة، “علم المورفولوجيا”.
زمن الرواية
ما رأيك فيما يقال عن احتكار الرواية للجوائز العربية على حساب على باقي الأجناس الأخرى؟
الجوائز جاءت نتيجة مباشرة لتطور الرواية العربية، الرواية صارت بديلا للعديد من الفنون، وانفتحت على الفنون الأخرى، لا يمكن أبدا القول بأن الجوائز سيدت جنس الرواية، ولكن يمكن الإشارة بالطبع إلى أنها حولّت بعض الشعراء للقفز إلى قارب الرواية، بالطبع هي سيدت روائيين، أعتقد أن حركة المجتمعات العربية منذ حرب بغداد، صارت باتجاه الرواية التى اقتربت وعبرت أكثر فأكثر، ففى فترة سابقة كانت الرواية العربية غارقة في الأيديولوجيا التى هي عمى في حد ذاتها، على عكس أن تكون لك وجهة نظر من العالم.
وبالنسبة لك.. هل طغت الرواية على القصة في أعمالك؟
بدأت قاصة، ولم أتخل عن كتابة القصة، كل جنس أدبي له شرطه الفني والتاريخي، ربما عُرفت كروائية أكثر لأن أول رواية لى فازت بجائزة وانتشر اسمي روائيا، والاستمرارية مهمة في عالم الكتابة، وأنا ادرب نفسي دائما على كتابة القصة، القصة تجعلني انتبه أكثر مع الأشياء ليس هناك مكان للخمول.
أين “أنت” في رواياتك؟
حياة الكاتب بالطبع جزء من النص، وأنا دائما انشغل بالكتابة عن المتخيل، وأبدأ كتاباتي دائما بالدائرة الأضيق وهي العائلة، أن تبدأ بعائلة هذا ما يصنع رواية أو العكس بالضبط، هى حياتنا في الطفولة تصنع الروايات، لكن أن تكتب بواقعية لا تعني ماحدث، ولكن تعني مالا يمكن أن توقفه قوانين الطبيعة والحياة عن الحدوث.
ما هو انطباعك عن مهرجان القاهرة الأدبي وهي المرة الأولي التي تكونين فيها ضيفة على هذا المهرجان ؟
مهرجان القاهرة الأدبي له خصوصية، وها هو يصل إلى الدورة الخامسة، بفضل جهود فردية وعبر محبين للثقافة، كان ينمو على مهل ووجدنا هنا عالما غنيا، ، فكرة هذا المهرجان هي ما اشتغلت عليه في أغلب نصوصي. فكما يقول “هنري ميللر” عبر روايته “برج الجدي”، إن الحضارات القديمة كالهنود والعرب والصينيين، رغم سباتهم، إلا أنهم سيقومون يوما، وهذا مايمكن أن نقول أنه يحدث الآن في مجال الإبداع.