لم يكن يدور بخلد الطالب “مارك زوكربيرج” أن وسيلة التسلية التي أنشأها من غرفته للتسلية وللتواصل مع زملائه وأصدقائه بجامعة هارفارد الأمريكية، سوف تملأ الدنيا وتشغل الناس بعد سنوات قليلة، وتصبح أحد أهم مواقع التواصل الاجتماعي في العالم تحت اسم “فيسبوك”. حيث يصل عدد مستخدمي هذا الموقع حاليا نحو مليارين وثلاثمائة مليون شخص شهريا، بينما يقدر رأس مال شركة فيس بوك وملحقاتها بعشرات المليارات من الدولارات.
مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك
مساء الأربعاء (13 مارس 2019) أفاق الملايين عبر أنحاء العالم على حقيقة مذهلة ربما كانوا غافلين عنها، هي أنهم باتوا يعتمدون في حياتهم وأنشطتهم وتواصلهم، بشكل هائل على موقع فيسبوك، وبدرجة لم يعد معها بمقدورهم الاستغناء عنه. وقد ظهرت تلك الأهمية التي بات هذا الموقع يلعبها في حياة الناس، أفرادا وجماعات، خلال العطل الذي ضرب الموقع واستمر لعدة ساعات، ما أدى إلى ارتباك شديد في حياة بنى البشر فى أربعة أرجاء المعمورة، بل وتأثرت به أنشطة وأعمال بعض الشركات، الأمر الذي خلف ردود فعل واسعة من قبل ملايين المستخدمين، تراوحت ما بين الغضب على إدارة الموقع والسخرية منها.
وقد وُصفت هذه الأزمة التي تعرض لها موقع فيسبوك، بأنها أحد أكبر الأزمات التي واجهها في تاريخه، حيث توقفت الخدمة الرئيسية بشكل كامل عن المستخدمين على مستوى العالم وكانت آخر مرة يتعطل فيها موقع فيسبوك بهذه الصورة في عام 2008، عندما كان عدد المستخدمين لا يتعدى 150 مليون مستخدما، بينما يبلغ عدد المستخدمين حاليا أكثر من ملياري مستخدم حول العالم.
ولم تعلن إدارة شركة فيسبوك عن السبب وراء العطل الذي أدى لانقطاع الخدمة عن ملايين المستخدمين، لكنها نفت الشائعات التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، حول أن العطل كان نتيجة هجمات حجب الخدمة، والمعروفة باسم (DDoS)، وهو نوع من الهجمات الإلكترونية يتم من خلال إغراق خدمة مستهدفة بكميات هائلة من البيانات التي يتم إرسالها وتداولها لإنهاك الخدمة وانهيارها وتوقفها. لكن بغض النظر عن سبب ما تعرض له الموقع، فإن هذ العطل أثر بشكل واضح على تطبيقات الرسائل الرئيسية الخاصة بشركة فيس بوك، مثل ماسنجر وواتس آب، وكذلك موقع تبادل الصور (انستجرام)، حيث لم يستطع مستخدمو هذا الموقع أن يقوموا بتحديث حساباتهم أو نشر مواد جديدة. كما تأثرت الخدمة الرئيسية للفيس بوك ،وهي خدمة نشر المشاركات على صفحات المستخدمين، حيث كانت ثقيلة للغاية، في حين لم يتمكن العديد من المستخدمين من نشر مشاركاتهم على صفحاتهم الشخصية.
وإذا كان هذا العطل الذي ضرب موقع “فيسبوك” وملحقاته، قد كشف عن حقائق خطيرة سواء عن الدور الذي باتت تلعبه التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في حياة البشر، فإنه كشف أيضا عن خطورة احتكار شركة او جهة بعينها لخدمة أو سلعة ما، وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على حياة الناس. هذا الأمر أشار اليه الكثيرون من المستخدمين في تعليقاتهم الغاضبة، حيث اعتبر البعض أن ما حدث هو نتيجة للسماح لشركة واحدة بالتحكم في كل شيء، في إشارة لشركة فيسبوك التي باتت تتحكم في محتوى وخدمات الموقع وتطبيقاته المرتبطة به مثل ماسنجر وانستجرام و تطبيق واتس أب الذي اشترته الشركة أيضا.
هذا الجدل الذي صاحب تعطل موقع فيس بوك، والذي دفع البعض للمطالبة بتقسيم المهام بين شركات التكنولوجيا الكبرى، لم يقتصر على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية فقط. بل كانت له أيضا أبعاده السياسية، لاسيما وأنه جاء في ظل نقاش ساخن حول الدور الذي لعبته شركة فيسبوك في التأثير على الانتخابات في العديد من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي تشهد جدلا ساخنا حول تأثير فيسبوك على حظوظ المرشحين في انتخابات الكونجرس الامريكي الأخيرة. ومن أبرز من علقوا على تأثير الممارسات الاحتكارية في قطاع التقنيات وتأثيراتها على حياة الناس، كانت السيدة إليزابيث وارين ، العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي، والتي تسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. حيث دعت إلى التصدى للتأثير الخطير الذي باتت تلعبه شركات التكنولوجيا العملاقة في التحكم في مصائر المجتمعات والشعوب.
إليزابيث وارين
ورغم ان خدمات فيسبوك وتطبيقاته عادت في اليوم التالي للعمل بشكل طبيعي، فإن ذلك لن يوقف الجدل الدائر حول الدور الذي باتت تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في حياة الناس في شتى بقاع العالم، وهو دور ينقسم الكثيرون حول إيجابياته وسلبياته بشدة، فبينما يتحدث البعض عن الايجابيات الهائلة التي حملتها ثورة المعلومات والاتصالات التي انهت احتكار المعلومات من قبل الأنظمة الحاكمة، وعززت من فرص التواصل بين الناس، فإن هناك من يرى أن مواقع التواصل الاجتماعي تلك هي نوع من الاستبداد الجديد الذي حّول ملايين البشر إلى أسرى أو عبيد لتطبيقات وتقينات هذه المواقع.