ثقافة

مترجم «الصينية» الأبرز محسن فرجاني: محفوظ وجبران هما الأكثر ترجمة في الصين

الترجمة هي إحدى أهم الوسائل لتحقيق التقارب بين الشعوب، وبما أنه سيكون مفيدا جدا للشعبين المصري والصيني صاحبي العمق التاريخي والحضاري أن يمتد التواصل والتقارب بينهما إلى كل المجالات وعلى جميع المستويات، فإن الحوار مع الدكتور محسن فرجاني أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن بجامعة عين شمس- وباعتباره واحدا من كبار المترجمين العرب للغة الصينية – يكتسب أهمية خاصة. فالدكتور فرجاني هو أول من  فتح باب ترجمة تراث الإبداع الصيني إلي العربية بشكل موسع، فقد ترجم كتاب «الكتب الأربعة المقدسة في التراث الصيني» والتي تتضمن قواعد وآداب السلوك والمعاملات الأخلاقية في التراث الصيني، كما شارك في ترجمة كتاب «الأغاني» الصيني، والذي يضم كثيرا من الأمثال والحكم الشعبية الصينية، ويعتبر أحد أبرز الكتب التي يرجع اليها الصينيون، وهو أول مصري وعربي يحصل على جائزة الإسهام الذهبي في الكتاب الصيني عام 2013، كما كرمه الرئيس الصيني ضمن أهم عشر شخصيات عربية ساهمت في تقديم اللغة الصينية وآدابها إلى القارئ العربي.. في هذا الحوار مع الدكتور محسن فرجاني – الذي يصف نفسه بأنه باحث في التراث الصيني أكثر منه  مترجم – نحاول الكشف عن اشكاليات الترجمة من الصينية الي العربية، ومدي أهمية  ترجمة الإبداع الصينى في المشهد  الثقافي الراهن.

إقرأ أيضا:

«تاريخ الجنس في الصين».. كيف تحول التقديس إلى حظر؟

الكاتب «خالد حماد» والمترجم «محسن فرجاني»

ما هي أهم الكتب التي تمت ترجمتها من العربية إلى الصينية ؟

-ما تمت  ترجمته للغة الصينية – بشكل مختصر – هو عدد من أعمال نجيب محفوظ، وجبران خليل جبران – وهو الأكثر ترجمة  في الصين – حتى يمكن أن نقول أنه صار له مدرسة فى الشعر الصينى، وبعض من أعمال جمال الغيطاني، يوسف القعيد، نوال السعداوي، بهاء طاهر، أما بقية الترجمات فعبارة عن جزء من مشروعات رسائل علمية فقط، والباحث يقوم بترجمة النصوص العربية إلى الصينية، لذلك هى نماذج بحثية تدخل في إطار الجهود الأكاديمية، كما أن حركة النشر في الصين  مهتمة بالغرب الأوروبي.

ثقافة الترجمة

 ماذا عن إشكاليات الترجمة من وإلى اللغة الصينية بالنسبة لنا فى مصر؟

-لا توجد أزمة في مصر بالنسبة للترجمة من حيث الكم، فعدد خريجي كليات الألسن واللغات الصينية يتضاعف يوما بعد الآخر، ولكن للأسف توجد إشكالية حقيقية وليست أزمة، تكمن في تدريس اللغة الصينية لطلاب الجامعات، حيث الانشغال بالجانب الفني وعدم الاهتمام بالجانب الثقافي، فالصين الثقافية بعيدة تماما عما يُدّرس لهولاء الطلاب حيث دراسة اللغة الصينية قراءة وشفاهة، ولا بأس في ذلك إذا كان الهدف تخريج متحدثين للعمل في قطاعات للسياحة وللمؤتمرات العلمية، كلياتنا قادرة علي تخريج دفعات من القادرين علي التعامل مع اللغة الصينية في حدود ضيقة، لكن إعداد مترجم يتصدى لترجمة ثقافية بالغ الخطورة، وليس بمقدور جامعاتنا أن تقوم بهذا الدور في الوقت الراهن، ويعود هذا لقصور عام في الأكاديمية المصرية في النظر للإبداع بشكل عام، وليس لدينا برامج إبداعية، وبرامج الترجمة لدينا لا يمكن أن تستهدف ترجمة نصوص إبداعية، لكن ثمة بدائل، وهى ورش للترجمة الإبداعية، والتي تتم من خلال مراكز الترجمة ومؤسساتها الإبداعية، ومازال حديثنا عن الترجمة الأمينة والغير أمينة، كذا تصنيف الترجمة علمية وأخرى أدبية، وهذه أمور عفا عليها الزمن.

و ما هي الحلول لهذه الإشكالية ؟

-لابد لنا من نقلة ثقافية حقيقية إلي عالم الترجمة، ما نحتاجه الآن هو تفعيل دور الميديا لترجمة فكرة السبق والتعريف بما هو مترجم.

وأذكر أنه في عام 96 وضعت بتونس خطة قومية للترجمة. كانت ومازالت تصلح لأن تكون بداية لحركة ترجمة حقيقية في العالم العربي، شارك في صياغتها خمس وزراء ثقافة من بينهم وزير ثقافة مصر، وأرى أنه يجب على الأقل عمل مؤتمر  لمناقشة هذه الخطة، التى تم خلالها وضع كل شئ يخص الترجمة بما فيه التأصيل القانوني لوضعية المترجم في الوطن العربي.

برأيك – هل هناك ثمة ثقافة للترجمة بعالمنا العربي؟

-لا توجد لدينا ثقافة ترجمة- للأسف الشديد- في وطننا العربي، فالترجمة أصبحت مقصورة على الأ كاديميين، في الواقع أن كل مثقفينا هم مترجمون مضمرون للثقافات الأخرى، ولم نضع ثقافة للترجمة بشكل واع، بعيداً عن الوعي الأكاديمي، وأتمنى أن يتم تعريفي كباحث في الثقافة الصينية، وأنا ابن الأكاديمية وأشهد بأن دورها غير فاعل وقاصر ومحبط، فدور الأكاديمية تراجع بشكل كبير، على عكس الغرب الأوروربي نجد المترجم يتفاعل بشكل كبير مع حركة النشر والميديا في العالم، وثمة تناقض بين ما أقدمه في الجامعة والمطروح مع حركة الترجمة، حيث يتم تناول قضايا الترجمة من منظور ثقافي وإبداعى أوسع، صحيح من يقومون بتدريس الترجمة هم أكاديميون، ما يحدث داخل مؤسساتنا الثقافية شئ يدعو للضحك مازلنا نضع مفردة «مراجع» علي نص إبداعي، وهذا شئ يدعو للضحك والسخرية، يمكن أن نضعها علي غلاف نص علمي، لكن يتم مراجعة نص مسرحي أو روائي، انا ضد هذا.

أليس من حق القارئ عليك أن تُعرّفه بالنظرية والأسلوب المستخدم في الترجمة؟

-باعتقادي الشخصي أنه لا يفيد القارئ بشئ أن تذكر له فى مقدمات الكتب نظرية الترجمة إلا فى حدود ضيقة جداً فمثلا الدكتور مصطفى ماهر رئيس قسم اللغة الألمانية بكلية الألسن والمترجم الكبير كان يأخذ علينا عندما كنا تلاميذ أننا لم نذكر نظرية الترجمة فى مقدمات الكتب ويتعامل مع المقدمة بمنهج البحث العلمى وكنت أحتفظ لنفسى بوجهة نظرى بأن القارئ لا يهمه المشاكل اللغوية التى قابلت المترجم ولا أية معوقات أخرى أوكيفية التغلب عليها فإن ذلك يشتت انتباهه إن لم يكن مهتماً بالناحية الأكاديمية فعندما أترجم نصا أود أن يتفاعل القارئ معه كأنه نص أصيل بلغته ويتفاعل معه إنسانياً دون إشارة مرجعية الى انه نتاج لغة أخرى

مدارس الترجمة

الترجمة- كإبداع – أيمكن أن تنشغل بالتغييرفى النص الأصلي، وعدم الاكتفاء بدورها في نقل هذا النص من لغة لأخرى؟ 

-هناك مدارس تقليدية فى الشرق كله سواء فى الصين أو البلاد العربية تنحو هذا المنحى وتفعل ذلك بشكل مبالغ فيه ،فمثلاً عبدالله بن المقفع عند ترجمته كليلة ودمنة لم يشر لكاتب القصة الأصلى ولا حتى الخلفية الفكرية له وذكر فى مقدمته ما يبدو للقارئ أنها من أصل هندى ،فذلك من قوله هو ورأيه الشخصى، وقد يكون صادقا حسب إطلاعه ومعرفته وتجده يحجب النص الأصلى بمؤلفيه، نفس الشئ يحدث فى الصين كذلك، وفى الشرق كان تقليدا، فالمترجم حريص على أن ينفى المؤلف الأصلى بشكل متعمد ولا يشير إليه وإنما يضع اسمه وكأنما هو منشئ النص. وقد جاءت فكرة الترجمة الأمينة تحديداً مع ترجمة الكتاب المقدس وترجمات النصوص الدينية، وأيضاً مع تجربة الاستعمار بترجمة النصوص التى تخدم مصالحه فى البلاد المستعمرة والحرص على توصيل إملاءاتها السياسية والفكرية للغير بنصوصها الموضوعة ويتطلب الأمر درجة من الامتثال قوية جداً لهذه النصوص، فمرة مع الترجمة الدينية لنصوص الكتاب المقدس ومرة مع النصوص الاستعمارية كانت الاكاديمية العربية منحازة للترجمة الأمينة بهذا المعنى، لكن الترجمة الأدبية مختلفة وذلك لأن النصوص الأدبية هى التى تعطى التفرد للترجمة وتلك بعيدة تماما عن الترجمة الحرفية والأمانة فى الترجمة.

جدل صينى مع الغرب

ماذا عن تيارات الثورة الثقافية بالصين؟

-مرت الصين بتيار الثورة الثقافية الأولى وقد كان منشغلا بالإنفتاح والخروج، كان بوابة لترجمة كل آداب وإبداع الغرب في هذه  المرحلة من عشرينيات القرن العشرين، وكان ينشغل بالترجمة لكل تيارات الابداع.

وهناك التيار الثانى وهو ما يجري الآن من التغريب التام، حيث  التوجه الى الغرب بقوة، ولو  تمت مقارنة بين الحركة الأولى  والثانية يمكن التأكيد بأن حركة الترجمة في المرحلة الأولى حركة سلبية ، فيها استقدام للغرب، أما الحركة الثانية فهى   أكثر ايجابية، هي مرحلة جدل بين المثقفين وما يتم انجازه الآن هو ترجمات تواصلية وليست بينية، غير أن الميديا ودور   النشر تلعب دورا رئيسيا إلي جانب الجامعات الكبري مع دور النشر.

وهذا مايجعل الصين تنافس على المركز الأول في حركة النشر في العالم، ويعود  هذا إلي أنها تمتلك أكبر عدد من القراء فيالعالم، بما يوازي 300 مليون قارئ، قادرين علي القراءة باللغتين الانجليزية والصينية، كما أن حركة النشر الكبيرة ظهرت مع التيار الثانى وهذا يعنى الجدل والاشتباك مع الغرب الأوروبي، والتعاون في النشر والترجمة.

فالصين هى أحدث دولة عظمي، وبهذا المعنى هي أكثر شبابا من الولايات المتحدة، ففي السبعينات دار حوار بين «نيكسون» و«شوان لاي»، وأشار فيه الأول إلى أن الصين أنجزت تقدما هائلا في سنوات قليلة – رغم قدمها – فكان رد  «شوان لاي» عليه: لسنا دولة قديمة نحن أكثر شبابا منكم .خاصة أن الصين دخلت في حوار مع الغرب، بشكل كبير، فهى دولة ذات حضارة ومن أقدم ثقافات العالم غير أنها شهدت طفرات في السياسة والتعليم والاقتصاد، تطرح نفسها كقوة مركزية، وتسعى للاستفادة من العولمة لتبرز دورها.

هل كان لـ«مويان» وحصوله على جائزة نوبل دور فى لفت الأنظار للإبداع الصيني؟

-لعب مويان دورا مهما، وقد يكون الأبرز في لفت انتباه  العالم إلى أن هناك ابداعا صينيا له دور في المشهد الثقافي العالمي، وجاءت نوبل لتؤكد هذا، غير ان هناك العديد من كتاب الصين هم أكثر إبداعا من مويان ولهم دورهم في وجود الإبداع الصينى في المشهد الثقافي العالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock