كما تتعدد أسباب الهجرة في الحرب، تتعدد النكبات الملاصقة لنا كفلسطينيين ،وتنثني أراضي الدول الشقيقة لتقلص مساحتك في محاولة العيش. فمن جذور الخيمة وتتابع الأجيال علَّت طبقات البرج. لكن إلى متى هل سنبلغ السماء حتى تنتهي معاناتنا؟ أم لعله الأمل مفتاح الحياة، ولكن من يهمه الأمل؟ تجيب وردة: «أنا بهمني».. «وردة» هي البطلة الباحثة عن الأمل في فيلم «البرج» وهو فيلم كرتوني يوثق لمعاناة وقضية اللجوء الفلسطيني عبر شخصيات أبطاله التي صنعت من طين.
بحثا عن الأمل
أسرتني بشدة تلك الكائنات الطينية البسيطة, والمضحك أو لعلها قسوة الطين، أن الفتيات أو الأمهات من شخصيات الفيلم، يبدو شكلهن قريبا للرجال.
يحاكي الفيلم قصة اللجوء الممتدة المتطاولة ببنيانها للسماء عبر تمدد الأجيال واستمرارها ،ويركز على بقاء الأمل المتمثل بشخصية وردة تلك الحفيدة الصغيرة التي يفقد جدها الثاني «سيدي» أمله حين يعطيها مفتاح بيتهم في فلسطين، الذي احتفظ به بعد النكبة لتبدأ هي بالبحث عن الأمل في طوابق البرج وفي قصص أفراد العائلة لتأخذنا من خلال صعودها لكل طابق من البيت إلى قصص الأجيال الأربعة.
بكل عفوية الطفولة تتنقل «وردة» البالغة أحد عشر عاما في أركان برجهم، وهو عدة طوابق من البيوت والأجيال المختلفة. أما البيوت فكانت عشوائية وتمثل حياتنا إضافة لقضيتنا, فمن الذين حضروا النكبة والنزوح للخيام، إلى جدها الأول الذي حاول العودة إلى بلدهم، وإلى خالها الذي مرت عليه الحرب الأهلية في لبنان، وإلى خالتها التي باتت تخشى العتمة من آثار الحرب, وأختها التي تفضل ترك المخيم والسفر مع خطيبها إلى أوروبا ،وصولا إلى سطح البرج حيث آثر عمها البقاء، فقد نسي طعم الفرح والرقص في الأفراح، ووجد نفسه في الرقص مع الحمام فوق أسطح المنازل.
رمزية الزرع
في المخيم, نرى جدها وهو يسقي بعض النباتات قرب غرفته، فللزرع رمزيته في حياة الفلسطيني، فبذور الجوافة التي حملها معه وزرعها كبرت لترسخ جذور اللجوء المكتوب على جبيننا كفلسطينيين. تنتبه وردة لاختفاء جدها فتهرع إليه لتبكي في حضنه تخبره عن فشلها في محاولة البحث عن الأمل ليخبرها أنها هي أمله في الحياة, وحين يفارق الحياة يشيعه الحمام ليسكنه في القمر. تدرك وردة حينها أنه رغم تسميتهم باللاجئين إلا أنها باتت تعرف بلدهم وتدرك أنهم من فلسطين، رغم مكوثهم في مخيم برج البراجنة في لبنان, هذه رسالة الفيلم.. وجود الأمل في الأجيال، فلن ننسى حق العودة، فهو يُورث للأولاد بالفكر وبالشعور برمزية المفتاح الذي تتوارثه الأجيال.
وقد اعتمد مخرج الفيلم على الدمى الطينية المصنوعة بشكل بسيط وتقنية التحريك «stop motion» والعرض ثلاثي الأبعاد، بالإضافة لتقنية العرض ثنائي الأبعاد التي استخدمها في استعراض ذكريات الأشخاص وقصصهم للدلالة على الماضي.
ويعتبر فيلم «البرج» أول فيلم «أنيميشن» يحاكي القضية الفلسطينية بشكل مبسط وشيق، من خلال التركيز على قصة «وردة» التي تشبه كل العائلات الفلسطينية ،وقد استغرق انتاجه سبع سنوات. ورغم أنه يقدم لنا معلومات معروفة ومكررة، إلا أنه يعتبر وثيقة سردية مهمة عن القضية الفلسطينية.
مشاركات متميزة
وقد عُرض فيلم «البرج» في عدة مهرجانات سينمائية دولية من بينها مهرجان آنسي الدولي في فرنسا، ومهرجان لندن السينمائي, بالإضافة لمهرجان مراكش ومهرجان القاهرة السينمائي.. وقد صدر الفيلم بعدة نسخ بلغات أجنبية، ونسخة مدبلجة باللغة العربية. وشارك عدد من الممثلين الفلسطينيين في دبلجة الأصوات، منهم الفنان محمد بكري ،والطفلة ليلى نجار التي أدت شخصية «وردة».
أما مخرج الفيلم النرويجي «ماتس غروود» فقد قضى فترة طفولته في مخيم برج البراجنة في لبنان مع والدته، وعاد للسكن فيه سنة كاملة مما منحه أصدقاء وصورا عن المكان. وحين غادر للنرويج ثم عاد إلى لبنان فكر في الفيلم. ويقول «غرورد» في إحدى المقابلات إن هذا الفيلم يسعى لحمل القضية للعالم أجمع للتعاطف معها، خاصة أنه يحكي القضية من خلال شخصيات كرتونية بسيطة ،فهذا يعطي بالغ الأثر في وقعه على العالم.