ثقافة

حكايات الفن والأدب والحرية فى الثورة السودانية

«من أين جاء هؤلاء الناس؟» هذا هو السؤال الذي أطلقه الأديب السوداني الراحل الطيب صالح، في معرض حديثه عن سيطرة تيار الإسلام السياسي على الحكم في السودان. وبعد مرور كل هذه السنوات فإن هذا السؤال بدا مناسبا للحظة الراهنة، وحاضراً بقوة على لسان الأدباء والنقاد السودانيين، من ضيوف ملتقي الرواية العربية السابع في دورته الأخيرة، التي حملت اسم «الطيب صالح» تكريما له.

 سؤال الأدب والفن ودوره في إشعال فتيل الثورة في الشارع السوداني كان حاضرا أيضا بذات القوة في نقاشات هؤلاء الأدباء سواء فيما بينهم أو مع غيرهم من النقاد والمبدعين والمثقفين العرب. لذا فقد حرص «أصوات أونلاين» أن يلتقي عددا من هؤلاء الضيوف السودانيين، للتعرف منهم على الدور الذي لعبه الأدب والفن في الثورة السودانية.

الأدب والفن وثورة الوعي

الكاتب والأديب الروائي السوداني طارق الطيب يقولإنه لا يمكن أن نعتبر أن الأدب والفن هما من أطلقا الثورة في السودان، ذلك أن الفاعل الرئيسي في تفجير هذه الثورة، كان قد تمثل في التسلط والعنت والسلطوية والفقر وحجب الرأى الآخر.. غير أن الأدب والفن مهدا طريق الوعي، الذي مهد بدوره  لاندلاع الثورة، فالأدب والفن إنما يفتحان الطريق أمام المتلقي للتفكير الحر.

طارق الطيب

يضيف الطيب، أن التراث السوداني تراث عميق يضرب فى جذور المجتمع السوداني، والفن بكل أشكاله من غناء وموسيقى ونحت، كلها فنون موجودة ومستمرة لكنها تختفى وتُحجب من وقت لآخر وفقا لطبيعة السلطة المهيمنة، فالأدب والفن  يخيفان السلطة الغاشمة، سواء كانت دينية أم عسكرية، لأن كليهما يتحدث في منطقة الكشف، فهو يكشف الظلم، يكشف  الانتهاكات الإنسانية، الفن يلعب عبر منطقة الوعي لدى البشر، وفي المناخ السلطوي الظالم، يهز الفن تلك السلطة، وبالتالي يصبح خطرا عليها.

الكاتب والأديب السوداني محمد خلف الله سليمان، أشار إلى أنه كانت هناك نبوءات دائما لدى بعض الكتاب والأدباء السودانيين بحدوث الثورة على نظام حكم البشير، فالكاتب السوداني الراحل محمود محمد طه، الذي أُتهم بالردة وتم الحكم عليه بالإعدام، كان قد تنبأ بأن تيار الإسلام السياسي سيسيطر على الحكم بالسودان، حتى قبل أن يصل ذلك التيار إلى الحكم بالفعل، ومن ثم سيكتشف الشعب السوداني زيف هذا النظام الحاكم، فيثورون عليه، كي يتخلصوا منه تماما.

 محمد خلف الله سليمان

حالة إبداع

الكاتب السوداني، رئيس تحرير مجلة الخرطوم، والأمين العام لجائزة الطيب صالح للإبداع، مجذوب عيداروس يشير إلى وجود العديد من حالات حظر الأعمال الإبداعية خلال حكم البشير، ذلك أن تلك الأعمال كانت قد اقتربت من التابوهات المحرمة المعروفة  (الدين والجنس والسياسة).

Image result for ‫مجذوب عيداروس‬‎

مجذوب عيداروس

يتذكر الكاتب والأديب السوداني الدكتور عمر فضل الله، حين كان طفلا صغيرا يستمع لأهازيج وأناشيد ثورة أكتوبر (1964)، ومختلف القصائد والشعارات التي أشعلت مخيلته ومخيلة غيره من المبدعين السودانيين «قسما قسما لن ننهار .. طريق الثورة، فدا الأحرار .. الشارع ثار، وغضب الأمة، تمدد نار».

Image result for ‫عمر فضل الله‬‎

عمر فضل الله

يضيف فضل الله، أن الشعب السوداني شعب مبدع جدا في ابتكار الشعارات التي تلهب الحماس، ودائما الشباب هم من يبدعون تلك الشعارات، فالاعتصام المستمر حاليا أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، هو حالة من الإبداع على كافة المستويات، حتى أن بائع الشاى وهو يمر على المعتصمين، لبيع الشاى يردد «الشاي .. الشاي .. الشاي» بطريقة منغمة وكأنه يردد أنشودة صغيرة، وشباب الطبول، يدقون على الطبول طوال الليل حتى يظل حراس البوابات مستيقظين، ويتوالى على الإعتصام بشكل منتظم المنشدون وعازفو الآلات الموسيقية على إختلافها.

الأديب الروائي ابن جنوب السودان «آرثر غبريال»، يشير إلى العديد من المظاهر الفنية والثقافية التي اقترنت بإعتصام المتظاهرين السودانيين أمام مقر القيادة العامة، ومنها معرض «مفروش»، وهو عبارة عن معرض كتب، تم جمعها من قبل المعتصمين أنفسهم، ويشتريها المعتصمون، مقابل مبالغ زهيدة، تخصص فيما بعد لدعم الإعتصام.

Image result for ‫آرثر غابرييل‬‎

آرثر غبريال

أما الأديبة الروائية «آن الصافي»، فتؤكد على الدور الذي لعبته وسائل التواصل الإجتماعي في دعم الثورة السودانية، ذلك أن تلك الوسائل قد أحدثت نوعا من التقارب بين الشعوب، حيث استطاعت – وهى المقيمة في الإمارات – متابعة أحداث الثورة والإعتصام أمام القيادة العامة، وما تم تنظيمه من أمسيات ثقافية وفنية عديدة، تضمنت إلقاء الشعر والغناء والعزف على الموسيقي والرقص، الإعتصام – وفقا لآن الصافي- هو عبارة عن مهرجان إنساني، تجلت فيه روح الشعب السوداني المتكاتف المتعاون المساند لبعضه البعض.

Related image

آن الصافي

هنا يمكن الإشارة إلى عازف الكمان السوداني، حسام عبد السلام، والذي وصفه البعض على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه «رسول السلام» حيث وقف في الاعتصام اثناء استعراض وقائع اعتقال السجناء السياسيين في عهد البشير، ليعزف على آلته بين فواصل رواية تلك الوقائع المؤلمة، فكان بالنسبة للحضور بمثابة «رسول للسلام».

Related image

حسام عبد السلام

الجرافيتي والثورة

فن الجرافيتي كان له دوره في الثورة السودانية، وهنا يرى طارق الطيب، أن هذا الفن فن ثوري بالأساس، حتى في حالات السلم واللاحرب، واللاثورة. ويضرب المثل بالمجتمع الأوروبي الذي ينتشر فيه هذا الفن، حيث يرسم الأشخاص على الجدران، كحالة من التمرد، ومن رد الفعل على شيء معين، ذلك أن الرسم على الجدران، يظهر ويزدهر بصفة خاصة، في أوقات الأزمات.

Image may contain: one or more people and outdoor

ويروي الكاتب الروائي عمر فضل الله قصص العديد من الشابات والشباب الذين عادوا إلى الوطن من مختلف دول العالم، من أوروبا وأمريكا ودول الخليج العربي، محملين بما اكتسبوه من فنون مختلفة في تلك الدول التي قدموا منها، وخاصة فن الجرافيتي، والذين ساهموا بشكل فعال خلال أحداث الثورة.

من قصص فناني الجرافيتي على وسائل التواصل الاجتماعي، ما روته فنانة الجرافيتي «أصيل دياب» عن تجربتها مع هذا الفن ودوره في الثورة، حيث كانت تخرج ورفاقها أثناء الليل بحذر شديد، لزيارة منازل أسر الشهداء، وتحمل معها ألوانها وفرشاتها وتطلب من أهل الشهيد صورة له ثم تقوم برسمها على جدران البيت، وكان من بين هؤلاء الشهداء الذين قامت برسمهم، صور لثلاث شهيدات.

Image result for ‫فنانة الجرافيتي أصيل دياب‬‎

«أصيل دياب»

 ويشير آرثر غبريال، إلى أن فناني الجرافيتي يخططون حاليا لرسم جدارية كبيرة الحجم، تمتد لمسافة ثلاثة آلاف متر، على الجدران، يوقع عليها كل من شارك في أحداث الثورة

مستقبل الفن في السودان الجديد

وقد اتفق الأدباء والنقاد السودانيون الذين شاركوا فى ملتقى الرواية العربية، على أن الثورة السودانية أحدثت نوعا من الخلخلة داخل المجتمع السوداني، وأن الشهور القليلة الماضية قد شهدت بروزا لحالة إبداعية سوف تنمو وتزدهر في المستقبل، في هذا السياق أشار الكاتب الروائي عمر فضل الله، إلى أن العديد من الأدباء السودانيين الذين ألهبت الثورة حماسهم الإبداعي، بدأ بعضهم ممن على تواصل مباشر معه، في وضع الخطوط الأولى لأعمالهم الإبداعية الروائية، وأن هناك من الشباب من قام بالفعل في كتابة قصص قصيرة من وحي ما شاهدوه من وقائع وأحداث خلال الثورة، خاصة تلك القصص المتعلقة بالشهداء والجرحى.

Image result for ‫فنانة الجرافيتي أصيل دياب‬‎

في هذا السياق يؤكد مجذوب عيداروس على أن السودان قد شهد خلال العقد الأخير ظهور العديد من إبداعات الأدباء الشبان الذين يتسمون بطريقتهم المختلفة في الكتابة، من حيث طريقة التناول وطبيعة الموضوعات المطروحة، وأنه من المتوقع أن تزداد تلك الحالة مع ما شهده السودان مؤخرا من حراك ثوري، جاء مصحوبا بعودة العديد من الأدباء والفنانين والمثقفين السودانيين إلى أحضان وطنهم الأم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock