«زمن النساء» الرواية التي ترجمها من الروسية الى العربية الدكتور محمد ناصر الجبالي أستاذ الأدب الروسي بكلية الألسن بجامعة عين شمس، تعد من أهم روايات ما بعد الحداثة حسب قول مترجمها. في هذه الرواية، التي فازت صاحبتها «يلينا تتشيخوفا» بجائزة البوكر العالمية للرواية لعام 2009، تقدم المؤلفة رصدا دقيقا ووافيا للواقع الروسى على مدار نصف قرن، وبالتحديد تلك الفترة الزمنية الممتدة من اوائل أربعينيات القرن الماضى مع حصار ليننجراد، إلى مطلع التسعينات وسقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي. وقد صدرت الترجمة عن سلسلة الجوائز التابعة للهيئة العامة المصرية للكتاب.
«محمد ناصر الجبالي»
في روايتها البديعة استطاعت يلينا تشيجوفا، المولودة في مدينة بطرسبرج عام 1957، أن ترصد واقع الحياة فى روسيا فى النصف الثانى من القرن العشرين وما قبله بسنوات قليلة، وهى تلك الفترة المليئة بأحداث كبرى كان لها تأثيرها العميق الذى أدى فى النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن تشيجوفا لا ترصد في روايتها الأحداث العامة الكبرى التي وقعت خلال تلك الفترة، فهذا هو الهامش، بينما متن الرواية يرصد حكاية عجائز ثلاث وشابة وابنتها، يعشن جميعهن في أحد المنازل الجماعية المعتادة في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي روسيا إلى الآن، كإسكان حكومي، في ظل «جنة الاشتراكية» المزعومة.
«يلينا تتشيخوفا»
فالأحداث العامة في الرواية تبدو هامشية، حيث تأتي في صورة ذكرى أو تعليق أو جملة في أحد الحوارات، لكي تنسج المؤلفة ببراعة ورهافة مدهشتين ملامح كاملة لثلاثة أجيال، وثلاثة أزمان، زمن العجائز (يفدوكيا، وجيليكيريا، وأريادنا)، وزمن الأم الشابة (أنطونينا)، وزمن الحفيدة البكماء (سوزان-صوفيا)، وكيف تعددت عوالمهن المثالية من العصر القيصري المجيد بالنسبة للعجائز، إلى اليوتوبيا اللينينية في زمن الأم الشابة، إلى الرأسمالية التامة في زمن الحفيدة الفنانة مترجمة اللغة الفرنسية. لكي نصل إلى السؤال الأخير في الرواية المدهشة: ما السبب في أن شمسنا حمراء؟ وما السبب في أن رياحنا ثائرة؟ ما سبب الخبل الذي ألم بالعقول؟ ولماذا أصبحت أفكارنا وخواطرنا هكذا مرة حزينة؟ لِمَ أضحت عظامنا جامدة؟ ولماذا أصبحت دماؤنا تنزف؟ ولماذا تستمر في النزف حتى آخر قطرة؟
ما بعد الحداثة
يمكن القول إن رواية «زمن النساء» تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة، في اهتمامها بالمعيش اليومي والتفاتها عن المقولات الكبرى. وهي رواية نسوية بامتياز، كون السرد كاملا يدور فيها بكاملها من خلال النساء الخمس البطلات، وهي رواية أجيال، في رصدها لثلاثة عصور عاشتها روسيا. وقد استطاعت المؤلفة من خلالها تقديم صورة بانورامية مرهفة للغاية لملامح وتفاصيل وأحلام العهد الشمولي السوفييتي وآلامه.
جاء السرد في الرواية عبر صوتين، صوت الأم وصوت الحفيدة، فيما كان حضور العجائز الثلاث «الجدات» واضحا بقوة من خلال الحوار، الذي نسجته الكاتبة بعناية كبيرة جعلته مرآة دالة على الفروق الطفيفة بين العجائز الثلاث. وقد نجح مترجم الرواية في أن ينقلنا إلى تلك الحياة شديدة القسوة والصعوبة التى عاشها الروس فى سبيل تحقيق أحلام انتهت إلى السراب الكامل.
تقول أحدى بطلات الرواية: «دائمًا ما أتذكر جداتي حين أرى الثلج يتساقط. أقف عند النافذة وأفكر. لم تمرض جداتي قط. فقط رحلن عني في عام واحد. في البداية رحلت جليكيريا وتبعتها أريادنا. أما جدتي يفدوكيا فقد عاشت معي حتى الخريف، وكنت أدرس حينها في معهد موخينسكي بالصف الأول. كنا نعيش أيامها بمفردنا أنا وهي».
تضيف: «مُنحت عائلة زوج أمي الجديدة شقة من غرفتين ولم يتم تسكين أي أحد معنا في شقتنا. قمنا بتحويل غرفة إلى حمام كبير وحظيت جداتي قبل وفاتهن بمتعة الاستحمام بشكل آدمي لأول مرة. في السابق كان يتوجب عليهن فعل ذلك في غرفهن حيث لم تكن زيناديا ايفانوفنا تسمح لهن بالاستحمام في المطبخ».