على أهميته التاريخية والاجتماعية فإن 107 دول فقط من دول العالم هى التى تحتفل بعيد العمال الذي يوافق الأول من شهر مايو كل عام، بينما تغض عشرات الدول الأخرى الطرف عن الاحتفال بهذا العيد التاريخى الذى يرمز لكفاح وتضحيات العمال من أجل نيل الاعتراف الرسمي بإسهامهم الأكبر في مسيرة الحياة على الأرض.
وتعود الجذور التاريخية لعيد العمال إلى بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، فى دولة كندا، – وهى للمفارقة الكبرى – أصبحت الآن دولة رأسمالية يتمتع شعبها برفاهية الحياة والعيش، ما يجعل قضايا العمل والعمال غير ذات أولوية في النقاش العام، فحقوق الإنسان الكندي السياسية والاقتصادية والاجتماعية من عمل ومسكن وعلاج وتعليم، صارت مسألة بديهية ومفروغ منها منذ عقود.
إقرأ أيصا:
في عيد العمال.. حكاية سيدة خلعت أنوثتها لتعمل «سائقة ميكروباص»
لمحة تاريخية
فى عام 1870 ظهرت حركة التسع ساعات فى كندا للمطالبة بتخفيض عدد ساعات العمل إلى تسع ساعات فقط، وبعد كثير من الكفاح لمدة سنوات نجحت الإحتجاجات العمالية فى تحقيق مطالبها ليتم اختيار يوم 5 سبتمبر عيدا للعمال الكنديين، بعدها انتقلت الفكرة إلى الولايات المتحدة على يد «بيتر ماكجواير» زعيم العمال الذى قاد في شيكاغو احتجاجات الثماني ساعات التي كانت تهدف إلى تقليل عدد ساعات العمل إلى 8 ساعات.
وفي يوم 1 مايو من عام 1886 نظم العمال في شيكاغو إضرابا عن العمل وتجمعوا في ساحة «هايماركت» احتجاجا على قيام الشرطة بقتل أربعة عمال من المضربين فى شركة ماكورميك للحصاد الزراعي، وشارك في هذا الاحتجاج والإضراب عمال من أغلب الولايات الأمريكية وصل عددهم إلى ما بين 350 إلى 400 ألف عامل، طالبوا فيه بتحديد ساعات العمل، وتخفيضها إلى 8 ساعات الأمر الذى أغضب السلطات وأصحاب العمل، خصوصا وأن الدعوة للإضراب حققت نجاحا لافتا وأدت إلى شلل الحركة الاقتصادية في المدينة. حدثت اشتباكات عنيفة بين الشرطة والعمال المتظاهرين نجم عنها قيام أحد عناصر الشرطة بإلقاء قنبلة سقط على أثرها قتلى من الجانبين، وعلى إثر ذلك تم القبض على العديد من قادة العمال وحكم على أربعة منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة.
ومنذ ذلك الحين أصبح الاحتفال بعيد العمال في أغلب الدول التي تحتفل به موافقا ليوم الأول من مايو تخليدا لذكرى سقوط عدد من العمال ضحايا فى الاحتجاجات العمالية، والقبض على عدد آخر منهم تم الحكم عليهم بالإعدام فيما عرف بذكرى هايماركت.
وفاء لذكرى هايماركت
غير أنه وفى عام 1894 أعلن الرئيس الأمريكي «جريفلاند» المصالحة مع حزب العمل وتم تشريع الاحتفال بعيد العمال وجعله مناسبة وطنية بقانون من الكونجرس تم إقراره بالإجماع، على أن يكون عيد العمال موافقا لأول يوم اثنين من شهر سبتمبر، وفاء لذكرى سقوط عدد من العمال على أيدى الجيش الأمريكى فيما عرف بواقعة إضراب بولمان التى كانت قد حدثت عام 1982، أي قبل أحداث هايماركت بحوالى أربع سنوات، ولكن مع مرور السنوات تمسك الاشتراكيون والشيوعيون الأميركيون بإحياء يوم الأول من مايو وتنظيم مظاهرات ومسيرات في شيكاغو ونيويورك وسياتل وغيرها. وفي عام 1958 اعتبر الكونجرس الأميركي هذا اليوم، يوم وفاء (لذكرى هايماركت)، خاصة بعدما حظى بالتقدير من دول عديدة وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي. وأعلن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الأول من مايو يوم إجازة رسمية. ودائما ما كان هذا اليوم مناسبة للتعبير في تظاهرات ومسيرات عن مواقف تتعلق بقضايا سياسية واجتماعية، من قبيل مسيرة دعم حقوق العمال الذين لا يحملون وثائق في الولايات المتحدة، ورفض استمرار الحرب في العراق، والاحتجاج على حالة الاقتصاد الأميركي وعدم المساواة الاقتصادية كما حصل في الأول من مايو 2012 عندما تم احتلال ساحة وول ستريت.
تضامن
وقد تضامنت دول كثيرة مع ذكرى «هايماركت» فقررت الاحتفال بالعيد بعد تجاوز تأثير قضية هايماركت حدود الولايات المتحدة ليصل إلى كل دول العالم آنذاك. فعلى سبيل المثال احتفل المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية بباريس عام 1889 بذكرى هايماركت، وكذلك تمت الدعوة لمظاهرات دولية لإحياء ذكرى هايماركت عام 1890، وفي عام 1891 اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثا سنويا. ومع بدايات القرن العشرين وبالتحديد عام 1904، دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية وخاصة الاشتراكية منها في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأول من مايو من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول. وفي عام 1955 باركت الكنيسة الكاثوليكية الأول من مايو عيدا للعمال، واعتبرت القديس يوسف بارا أو يوسف النجار شفيعا للعمال والحرفيين. وقد أصبح هذا اليوم بمرور الزمن رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل حقوقها.
عيد العمال فى مصر
وفى مصر كان هناك تراث عمالى مستقل للاحتفال بعيد العمال، بدأ فى 1924، حين نظم عمال الإسكندرية احتفالاً كبيرًا فى مقر الاتحاد العام لنقابات العمال ثم ساروا فى مظاهرة ضخم. ومع وصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للسلطة والتأميم التدريجى للحركة العمالية، أخذت المناسبة شكلاً رسميًا وتم استيعابها. وفى عام 1964 أصبح الأول من مايو عطلة رسمية، يلقى فيها رئيس الجمهورية خطابًا سياسيًا أمام النقابيين وقيادات العمال.