منوعات

بهية.. محسنة توفيق الفنانة التي انحازت للناس ودفعت ثمن مواقفها السياسية

وصفها المخرج الراحل يوسف شاهين بأنها واحدة من «مجاذيب» السينما المصرية.. كانت تحب لقب «بهية» الذي أطلقه عليها الكثيرون من الفنانين والنقاد في الوسط الفني والسينمائي، وهو أسم الشخصية التي أدتها في أحد أهم أفلامها، وهو فيلم «العصفور» الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1974 وحصدت معه الشهرة والمكانة الفنية الكبيرة.. أحبت جمال عبد الناصر وعارضته بشدة، واعتقلت في عهده لمدة عام ونصف العام بتهمة سياسية. وفي عهد السادات تعرضت لحرب معلنة، فُفُرض عليها نوع من الحصار والتضييق فنيًا وسياسيًا  بسبب مواقفها الرافضة لسياسات السادات، ولا سيما بعد توقيعه اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني.

إنها الفنانة القديرة محسنة توفيق التي رحلت عن عالمنا صباح الثلاثاء (7 مايو 2019) عن عمر ناهز 79 عاما، بعد رحلة حافلة بالعطاء الفني قدمت خلالها عشرات الأعمال السينمائية والتليفزيونية والمسرحية والإذاعية لتحجز لها مكانة رفيعة في تاريخ الدراما والسينما المصرية.  

وُلدت الفنانة الراحلة في القاهرة في 29 ديسمبر عام 1939 لأسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وتخرجت في كلية الزراعة بجامعة القاهرة عام 1968. وهي شقيقة الإعلامية الكبيرة فضيلة توفيق، أو «أبلة فضيلة»، التي تعد أشهر مذيعة ومقدمة برامج أطفال في مصر. بدأت نشاطها الفني مبكرا جدا من خلال المسرح المدرسي، عندما كان عمرها تسع سنوات. وعن هذه البداية قالت الفنانة الراحلة في أحد اللقاءات التليفزيونية، إن الصدفة هي التي قادتها للتمثيل وهي في هذا العمر المبكر، حيث أنها لم تكن تفكر في ذلك وإنما كانت تهوى الغناء. لكن مدرس اللغة العربية في مدرستها كان له رأي آخر، فقد  اقترح عليها التمثيل بعد أن شاهدها تؤدي الشعر بطريقة جيدة. وفي إحدى المرات ذهبت لمشاهدة فريق التمثيل الخاص بالمدرسة، فأعجبت بدور البطلة، فقرر المدرس جعلها بديلة لبطلة العرض في حال وقوع أي طارئ.ومع قيامها بالدور أمام المدرس أعجب بتمثيلها واختارها للقيام به، لتبدأ رحلتها  المدهشة مع التمثيل.

حين كانت في السنة الثانية بكلية الزراعة، دعاها الكاتب والمخرج الكبير عبدالرحمن الشرقاوي للوقوف على المسرح لأداء مسرحية «مأساة جميلة». وبعد أربع سنوات من قيامها بالتمثيل في هذه المسرحية، أسند إلى الفنانة الراحلة دور حبيبة زيوس في مسرحية «أجاممنون» على مسرح الجيب.

«العصفور» بدايتها الحقيقية

بداية رحلتها مع السينما كانت عام 1971 في دور صغير في فيلم «حادثة شرف»، لكن نقطة التحول الكبرى في مشوار الفنانة محسنة توفيق، السينمائي ،كانت عندما قرر المخرج الراحل يوسف شاهين اسناد دور البطولة لها في فيلم «العصفور» عام 1972، والذي يعتبره الكثير من النقاد البداية السينمائية الحقيقية للفنانة الراحلة، وبداية تعرف الجمهور عليها كفنانة كبيرة الموهبة. ففي هذا الفيلم، الذي صنف ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، قدمت محسنة توفيق دور «بهية» وهي الشخصية التي اشتهرت تاريخيا باعتبارها ترمز إلى مصر، ولاسيما بعد أن كتب الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم قصيدته الشهيرة «مصر يا أمة يا بهية». فقد كانت صيحة محسنة توفيق «لا هنحارب.. لا هنحارب» في مشهد النهاية لفيلم «العصفور»، تجسيدا رائعا لرفض المصريين لهزيمة يونيو 67، وتصميمهم وعزمهم على الثأر وخوض معركة الكرامة واسترداد الأرض، وهي المعركة التي انتصر فيها الجيش المصري خلال العبور العظيم في أكتوبر1973. وبعد فيلم «العصفور» استمر التعاون الفني بين محسنة توفيق ويوسف شاهين فقدمت معه فيلم «إسكندرية ليه» والوداع يا بونابرت، إلى أن حدث الطلاق الفني بينهما بعد الخلاف بينهما، بعد أن أسند شاهين دور البطولة في فيلم «اليوم السادس» إلى المغنية المصرية الفرنسية الشهيرة داليدا، بدلا منها. لتواصل الراحلة مسيرتها السينمائية بعيدا عن يوسف شاهين، حيث شاركت في عدد من الأفلام السينمائية من أبرزها فيلم «البؤساء» مع المخرج الراحل عاطف سالم، و«قلب الليل» و«الزمار» مع المخرج الراحل عاطف الطيب، وفيلم «بيت القاصرات» (1986)مع المخرج أحمد فؤاد، والذي حصلت عن دورها فيه على شهادة تقدير خاصة، و«ديل السمكة» (2003) مع المخرج سمير سيف.

أدوار تليفزيونية خالدة

وفي الدراما التلفزيونية كان للفنانة الراحلة العديد من الأدوار المتميزة عبر مشوارها الفني الذي شاركت خلاله في العديد من أهم المسلسلات في تاريخ الدراما المصرية. فمن ينسي شخصية «أنيسة» في مسلسل «ليالي الحلمية» للراحل اسامة أنور عكاشة، و الذي أدت فيه محسنة توفيق دور «أنيسة البدرى» خالة على البدرى «ممدوح عبد العليم» ومربيته،. وقد قدمت هذه الشخصية في أربعة أجزاء من أصل ستة أجزاء للمسلسل، وأبدعت فيها بشكل نال إعجاب المشاهدين. أما مسلسل «الوسية» الذى عرض عام 1990 فكان التعاون الثاني للفنانة محسنة توفيق مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ، بعد ليالي الحلمية، وخلال هذا المسلسل الذى يعد احد أبرز الأعمال الدرامية خلال العقود الثلاثة الماضية، قدمت الفنانة الراحلة شخصية «عائشة» تلك الأم الصبور الحنون وكأنها مصر مجددا.

وداعاً الفنانه محسنه توفيق..انا لله وانا اليه راجعون?

Posted by Sherif Edrees on Monday, May 6, 2019

 ومن جديد تتألق الفنانة القديرة في دور «أم السعد» زوجة الفنان القدير يحيى الفخراني في مسلسل «المرسى والبحار» عام 2005، والذي يروي في شكل تاريخي الصراع الكبير بين الحضارتين الغربية والعربية. وفي مسلسل «أم كلثوم» الذي تناول السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم ورحلتها الفنية، جسدت  الفنانة محسنة توفيق شخصية «أم المصريين» صفية زغلول زوجة الزعيم الراحل سعد زغلول، وقد أدتها باقتدار وبراعة. وبنفس الاتقان أدت الفنانة الراحلة دور «زينب» في مسلسل حبنا الكبير أمام الفنان القدير عمر الحريري. وكان آخر أعمالها الفنية مسلسل «أهل الإسكندرية» من تأليف بلال فضل، وإخراج خيري بشارة، عام 2014، وهو المسلسل  الذى لم يتم عرضه.

في مجال المسرح شاركت الفنانة محسنة توفيق في أكثر من 30 مسرحية قدمت من خلالها  العديد من الأدوار البديعة،  من  بينها «مأساة جميلة» التي قالت إنها من أقرب أعمالها الفنية إلى قلبها، و«منين أجيب ناس» و«حاملات القرابين» و«الدخان» و«إيرما» و«عفاريت مصر الجديدة»، و أجاممنون والأسلاف يتميزون غضبا، والقصة المزدوجة، و«ثورة الزنج».

 وقد نالت الفنانة الراحلة العديد من الجوائز، من بينها وسام العلوم والفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1967،  وشهادات تقدير عن فيلمي «العصفور» و «بيت القاصرات»، كما حصلت على الجائزة الأولى في التمثيل في مهرجان بغداد للمسرح العربي 1985. وتوجت مسيرتها الفنية بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2013 عن مجمل أعمالها ومسيرتها الفنية. وكان آخر تكريم لها من مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في شهر فبراير الماضي.

الانحياز لقضايا المجتمع وهموم الناس

طوال مشوارها الفني والإنساني لم تتخل محسنة توفيق عن مواقفها ولم تساوم على قناعاتها الاجتماعية والسياسية، وكانت على الدوام تؤمن بأن الفنان الحقيقي هو من يشعر بمعاناة الناس ويشاركهم لحظات فرحهم وحزنهم. وفي ضوء هذه القناعة لم تكن محسنة توفيق يوما بعيدة عن قضايا مجتمعها ووطنها وقد دفعت ثمن شجاعتها في التعبير عن رأيها في هذه القضايا، فجرى اعتقالها بسجن القناطر الخيرية في عهد «عبد الناصر»، وفي عهد السادات تم التضييق عليها ومنع مشاركتها  في العديد من الأعمال، الدرامية بسبب مواقفها السياسية التي تقف ضد الظلم أو الاضطهاد. وفي ثورة 25 يناير 2011 لم يمنعها سنها المتقدم وظروفها الصحية من النزول إلى ميدان التحرير ومشاركة المصريين هذه اللحظات التاريخية وظلت حتى آخر أيامها تدافع عن ثورة يناير؛ ضد محاولات تشويهها مؤكدة أن الثورة «لم تحرق ولم تكسر ولم تٌبلطج على أحد». وكان آخر كلماتها خلال تكريمها في مهرجان أسوان الدولي  إنها مدينة للشعب المصري، مضيفة: «قدمت في حياتي ما أشعر به، وما استفزني وأعجبني من خلال انتمائي للطلبة والعمال منذ صغري».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock