ثقافة

«أحوال مظلوم».. رواية تناقش الخصوصية المسيحية وامتداداتها التاريخية في مصر

في «صالون أم هاشم» الذي يقيمه الصحفي والشاعر سيد محمود في ضيافة بيت السناري بالسيدة زينب نوقشت رواية «أحوال مظلوم» الصادرة حديثا للقاص والروائي سعيد نوح، وقد شارك فى المناقشة كل من سيد محمود والناقد مدحت صفوت

دخول إلى الخصوصية المسيحية

بدأ سيد محمود حديثه عن مشروع سعيد نوح الروائي الذي يمتد عبر ربع قرن، حيث ظهرت رواية نوح الأولى «كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد» التي صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1995، ثم صدرت في طبعة ثانية في مكتبة الأسرة عام 2003، وتوالت طبعات هذه الرواية المميزة التي أحدثت صدى واسعا في وقت صدورها لأول مرة. ثم تحدث  محمود عن اهتمام سعيد نوح بعالم الأشقاء المسيحيين في مصر وخصوصيته، حيث لم تكن «أحوال مظلوم» هي الرواية الوحيدة لنوح التي ناقشت هذا العالم، وحاولت تسليط الضوء على خصوصيته الثقافية، فقد أصدر رواية «أحزان الشمّاس» عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2010، والتي ناقشت أحوال المسيحيين المصريين، وكشفت عن آمالهم وأحزانهم، مشاكلهم وتاريخها القديم والحديث.

سيد محمود

ثم تحدث سعيد نوح عن سيرة الكتابة لديه، و عن الأنساق السياسية والاجتماعية التي يعالجها في أعماله، وظروف كتابة كل رواية، وكيف يختار الشخصيات والأماكن، وأجواء كل رواية. ثم شرح حكاية «أحوال مظلوم»، وكيف أنها تعالج قلقا وجوديا إنسانيا من ناحية، حيث يتعرض مظلوم لظلم حقيقي من قِبَل عائلته التي تقيم في أسيوط، والتي عمل الجد فيها وزيرا لمالية محمد علي الكبير، وأكد سعيد نوح أن بطله «مظلوم» لا يعرف  كيف بدأت العداوة بينه وبين أخيه الأصغر مرقص، لكن من خلال السرد يظهر أن هناك أشياء تتحرك في القلوب على مدار الأيام. فحين تأتي إرسالية التبشير الأولى عام 1851 وتسكن في بيت من بيوت المعلم بولس، وتمر الأيام، فيتحول قلب أوديت، الراهبة التي أحبت مرقص من النظرة الأولى، إلى حب «مظلوم» الذي تقرب منها خلال اللقاءات التي تمت بينهما في الإسطبل الكبير الخاص بالعائلة والكائن بجوار البيت، الذي يتحول إلي «اسبتالية» أو مستشفى تعالج الفقراء والعامة.

سعيد نوح

تمر الأيام، وتقع «أوديت» في غرام مظلوم، لكنها لا تتمكن من الزواج منه بعد أن عرف القس رئيس الإرسالية بتلك العلاقة، فيحذرها من الاستمرار في علاقتها بمظلوم لأنها راهبة وقدمت إلى مصر من أجل التبشير وليس من أجل الحب والزواج، فتفر أوديت إلى دير نائي في أسوان، وحين تصل هناك لا تتحمل آلام الفراق، فتموت.

أما مرقص فيتعرف على فكر مدرسة التبشير ويقرر ترك مذهبه ويدخل إلي مذهب الانجيليين ويكتشف الأب بولس ذلك ويقرر أن يعيده إلى ملته، لكنه لا يستطيع رغم كل ما قام به، ويحكم عليه أن يترك داره وماله وأولاده ويأخذ زوجته فقط ويترك أسيوط كلها، فيفعل مرقص، ويتجه شمالا إلى الإسكندرية، ويعود مظلوم مرة أخرى كبيراً للعائلة.

تكشف الرواية علاقة الكنيسة الشرقية بفكر مدارس التبشير والإرساليات الغربية، ومدى غضب آباء الكنيسة الشرقية في مصر من ذلك التحول المذهبي الذي يقوم به كل من يؤمن بفكر تلك المدارس التبشيرية.

 قلق وجودى

أما الناقد مدحت صفوت فقد ناقش الرواية من ناحيتين.. ناحية جمالية فنية، حيث البناء السردي وطرائق السرد فيه، والزمان والمكان، حيث أن بنية رواية «أحوال مظلوم» تقدم شكلا من أشكال المعرفة التاريخية٬ حيث يمتد زمن السرد فيها من تاريخ حكم محمد علي حتى بداية القرن العشرين٬ وصولا لزمن السرد 2018.

 مدحت صفوت

 فالكاتب في هذه الرواية، كما يقول مدحت صفوت، يخاطب ويناقش المتلقي مباشرة في صورة حكي لحكاية سوداوية غامضة وليست بيانا سياسيا أو دينيا. حكاية «مظلوم» هي حكاية الابن الأكبر لوريث بيت وزير المالية في عهد محمد علي، المعلم بولس جرجس بولس العريان، ذلك الرجل الذي قتله ابراهيم باشا وتركه يومين قبل أن يدفن. مظلوم الذي ولد بإذنين كبيرتين، ما إن تفتحت عيناه حتى عرف موقعه داخل العائلة الكبيرة ذات المجد والثراء. فقد كان ولي العهد الأول للعائلة الثرية التي ارتبطت بالسلطة والحكم في عهد محمد علي. أنجبه الأب على شوق كبير، فقد ظل خمس سنوات في البحث عن الإنجاب، وحين جاءه مظلوم أنفق كل ما في جهده من أجل إسعاده وتدليله. أمضى الصبي طفولة رائعة. يُحمل من كتف لكتف. يأمر فيُطاع. لكنه أبدا لم يرض عن ذلك، ربما لأذنيه الكبيرتين اللتين كانتا مصدر سخرية من الأغراب الذين يرونه لأول مرة. فى داخله قلق لا يعرف مصدره، كالمزروع خارج أرضه الحقيقية.

ظل الصبي المدلل يبحث عن ذاته المغتربة داخل أسرته. ولم لا وقد كتبه الله عنده مظلوما حسب اسمه. راح يبحث عن ذلك المختفي بجدية تامة. كان كمن يبحث عن مأزق لا يستطيع الفكاك منه. كان يمضي في حياته الجميلة التي يبحث عن تغييرها دون أن يعرف مصدر قلقه النفسي والوجودي، حتى أنجب أباه ابنا آخر، وهنا تبدلت أحوال مظلوم، فلم يعد ولي العهد  المدلل لتلك الأسرة العريقة، بل انتقل الاهتمام إلى أخيه الجديد مرقص. ولم يكن فقده لاهتمام الأسرة هو أكبر همه، بل  ذلك الظلم الذي كان يتخيله ويبحث فيه والمأخوذ من اسمه رغم أنه كان من أسرة ثرية ولها وضعها في أسيوط. يتعرف مظلوم على أوديت الراهبة التي جاءت مع البعثة التبشيرية والتى كانت تحب أخاه مرقص الذي كان بدوره يحب ابنة عمته.

من ناحية ثانية ناقش صفوت الخطاب الثقافي فيها، حيث تناولت الرواية المقدس المسيحي، وكيفية النظر إليه، وعلاقته بالإنسان، وكذلك السردية التاريخية المسيحية وعلاقتها بالآخر المسلم.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker