وأنت تتحدث مع الباحث المصرى المتفرد فى التراث الشعبى أحمد توفيق، تشعر بالحنين إلى الماضي، إلى الـ«ونسة الشعبية»، إلى حكايات الجدات والخالات، يأخذك إلى دفء القرية الذي نفتقده بفداحة في العاصمة الباردة.. هو حكّاء ماهر وسارد بارع، يجبرك على الإصغاء بقلبك قبل عقلك، يعيدك إلى الجذور البعيدة، مستمتعاً بما تستقبله أذناك من حكايات شعبية تحضر فى قلبها دائما السيرة الهلالية.. جلسنا إلى صاحب موسوعة «حكايات الأطفال»، ليحدثنا عن حكايات السير الشعبية المختلفة، فضلا عن أعماله القديمة والحديثة، بالإضافة إلى بحثه الدؤوب في التراث الشعبي، وكان هذا الحوار مع «أصوات أونلاين».
https://youtu.be/8S1scVH3H4A
البدايات وحكايات الجدة
*المحرك الرئيس لإنجاز أي عمل هو البدايات.. حدثنا عنها؟
-بدأت العمل بالتراث الشعبي عبر حكايات الجدة، والأدوار والمواويل والموشحات، التى كان يترنم بها والدي، والتي جاءت غالبيتها معبرة عن قيمة «الشجاعة» ومن هنا جاءت علاقتي المبكرة جدا بالتراث الشعبي، ثمة شغف يتملكني للاستماع لما يروى، وكباقي الأطفال، لا يمكن إنكار المتعة التي كانت تحققها الحكايات لنا، فضلا عن المواويل، وفي الوقت الذي عشت فيه بـ«الأسكندرية»، حتى انتهائي من دراستي الإبتدائية وانتقالي إلى الصعيد «أسيوط»، كانت الحكايات التى تحتضنها ذاكرتي من السيرة الهلالية والمواويل كثيرة، رغم اجازاتي الصغيرة، حتى انتقلت إلى اسيوط. وجاءت العلاقة الوطيدة مع الحكايات الممتعة، عبر إقامة دائمة، واستماع غالبا غير منقطع للحكايات والمواويل، عرفت بشكل أكبر، عاداتنا وتقاليدنا فى الصعيد وكنت جزءاً أصيلاً منها، تصفحت كتاب الموروث الثقافي عبر حكايات الجدة والوالد، عرفت عن قرب رواة السيرة الهلالية.
أغانى «العديد»
*تتحدث كثيرًا عن قريتك بني زيد الأكراد التابعة لمحافظة أسيوط ؟
-نعم فهي القرية الملهمة، والتي لايمكن إغفال دورها، فهي المحرض الأول للإنسياق في طريق البحث في التراث، بدءاً من الاسم الذي يبدو غريبا على الجنوب «زيد الأكراد»، والذي ارتبط عند البعض بأحد جنود الاكراد، والذي جاء مع محمد على إلى مصر واستقر بها. جاءت أول علاقة عملية بكتابة التراث الشعبي عبر التحاقي بمعهد الفنون الشعبية، حيث كُلفت ببحث عن «العدودة» في الصعيد، فعدت مرة أخرى إلى بني زيد الأكراد، لتكون المفتتح والبداية في البحث الصعب، فطبيعة الصعيد تمنع الاختلاط بنساء من عائلات أخرى، حتى لو كان الغرض بحثا علميا، فكانت عائلتي وأهلي هم المفتتح في جمع أغاني «العديد».
*هل مازالت العدودة موروثا ثقافيا حيا ومتجدداً برأيك؟
-بالطبع، «العدودة» مازالت موروثا حيا ومتجدداً، وهى تختلف من آن لآخر حسب طبيعة المكان، أضف إلى ذلك أن المزاج العام للعدودة وهو الشجن، كما أنها تختلف من حالة لأخرى.. وقد تطورت دراستي للعدودة، لتصبح كتابا، صدر بعنوان «أغنيات الفراق»، ومن ثم أصبح الكتاب جزءاً رئيساً من كتابي في «فنون الوداع»، ويضم أغاني الحج، أغاني الرحلات، أغاني الحناء، وكل فنون الموال، التي تنحى منحى الوداع.
*هل أغاني الحناء من ضمن أغاني الوداع كيف وهي متعلقة بالفرح؟
-يقع معظم الباحثين في خطأ كبير، حيث يُدرجون أغاني الحناء، وينسبونها للعدودة، وهذا غير صحيح، هي من ضمن أغاني الفراق.
*ماذا عن الحكايات الشعبية.. وكيف تطورالاستماع الشفاهي إلى إنجاز كتاب «الحكايات الشعبية في أسيوط»؟
-البداية كما أشرت سابقًا، كانت مع حكايات جدتي «رهيفة» ووالدي، والحكايات التي سمعتها عبر «عبده النواح»، تطور هذا الأمر إلى إنجاز كتاب «الحكايات الشعبية في أسيوط»، وقدمت دراسة أخرى عام 2015 عن «حكايات الجنوب»، وتطور الأمر لإنجاز موسوعة الحواديت، والتى صدرت فى أربعة أجزاء عبر الهيئة العامة للكتاب، وحصدت جائزة أفضل كتاب عام 2013.
عن السيرة الهلالية
*ماذا عن السيرة الهلالية وهي إحدى أبرز السير الشفاهية في تراثنا العربي؟
-السيرة الهلالية عمل لم يتم تدوينه حتى الآن، رغم أن هناك فريق عمل من مجموعة باحثين، اشتغلوا عليه، فريق جمع السيرة في منطقة أسيوط ووسط الصعيد كان يضم معي دكتور محمد حسن عبد الحافظ، ونور الجيزاوي، مدحت صفوت، ضمن مشروع جمع وتوثيق روايات السيرة الهلالية مع جمعية المأثورات الشعبية، تمويل منظمة اليونسكو..وحتى هذه اللحظة لانعرف مستقبل هذا المشروع، رغم ما تم كشفه بوجود روايات مختلفة للسيرة الهلالية، عن كل ما تم جمعه من قبل، وفي مناطق مثل مركز الفتح،و قريتى المحمديات وبني إبراهيم، من تلك الروايات المختلفة التي جمعناها، رواية الراوي «رجب الشيخ»، وجاءت بمثابة سيرة شعرية خالصة.
* هل ثمة صعوبات يواجهها باحث التراث الشعبي؟
-الصعوبات كثيرة.. ومن المواقف التى لايمكن لي نسيانها، أننى حين سجلت مع رجب الشيخ، أحد رواة السيرة الهلالية البارعين، كان التسجيل داخل أحد أقسام الشرطة، ومن بعد خروجه استكملت تسجيلي، حيث كان أحد المسجلين الخطر،أما الراوي بكري السقا، فله من الأولاد 11، سمّاهم جميعا بأسماء أبطال السيرة الهلالية.
*السيرة الهلالية والاحتشاد أو الانحياز لبطل ضد آخر.. لماذا نجده في الجنوب بشكل مباشر؟
-فى الصعيد الحشود تنتصر لشخصيات بعينها من أبطال السيرة الهلالية، ستجد هذا واضحا في الاحتشاد للزناتي ضد أبوزيد الهلالي، والعكس صحيح، وهذا مرتبط بخط سير السيرة ذاتها، معظم قرى شرق النيل لديها انحياز كامل لأ بوزيد كبطل للسيرة الهلالية، عكس قرى غرب النيل، التى لديها انحياز للزناتي، وهذا بالطبع موجود لدى بلدان المغرب العربي، خاصة تونس، لدرجة أن هناك آبار مياه تسمى باسم بئر مسعود، نسبة إلى أبوزيد الهلالي.
*ماذا عن مشروع الألعاب الشعبية العربية؟
-بدأت المشروع، بجمع 150 لعبة، قدمتها فى كتالوج بمركز ثقافة الطفل، وأعمل الآن على جمع ألف لعبة شعبية للأطفال في مصر وعالمنا العربي، وهذا في طريقه للطبع في عدة أجزاء خلال الفترة المقبلة.
*ألف لعبة ولعبة شعبية فى مصر وعالمنا العربي، يبدو رقما كبيرا.. ماذا يعني لك هذا؟
-الحقيقة ان الألعاب بدأت مع بداية الإنسان، ووجوده على الأرض، والتعرف على طبيعة المكان والكائنات الموجودة حوله، الألعاب يتم تناقلها عبر أجيال، وتتطور، وهي تمثل درعا يحمل العناصر الثقافية لكل جماعة شعبية وتاريخ تطورها، بالتالي هي المخزون، والدرع الحامي لتاريخ وذاكرة الجماعات الشعبية. وهذا يؤكد أن الألعاب وانتشارها في مكان ما، يشيرعلى مدى تحضرها، ستجد نفس الألعاب الشعبية، تنتشر في ليبيا والصين والعراق، وهي بلاد ذات حضارة، غير أن هناك ألعابا انتقلت عبر الرحلات التجارية بين مصر والشام وشبه الجزيرة العربية.