منوعات

فورين بوليسي: التخلي عن الدولار أصبح حلما أوروبيا في مواجهة البلطجة الأمريكية

تكثف أوروبا مساعيها لإيجاد بديل للهيمنة المالية للولايات المتحدة والهيمنة العالمية للدولار، وذلك منذ أن عبر القادة الفرنسيون والألمان لأول مرة في الصيف الماضي، عن الحاجة إلى استعادة سيادتهم الاقتصادية. لكن الحكومات الأوروبية تجد أن الخروج بخطة قابلة للتطبيق أصعب بكثير من مجرد الحديث، وهو ما يجعلها عرضة لتكتيكات وضغوط واشنطن القوية.

إلا أن ذلك، لا يعني أن الأوروبيين سيتخلون عن محاولة الفكاك من أمريكا – الأمر الذي سيشكل خطراً طويل الأجل على الولايات المتحدة. فقد شعرت بلدان مثل فرنسا وألمانيا بالصدمة الأولى لقرار إدارة الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب أحادي الجانب من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، وإعادة فرض العقوبات المشددة على إيران، ووضع الشركات الأوروبية في مرمى العقوبات الأمريكية.

https://www.facebook.com/TheBaghdadPostplus/videos/403982843302038/?t=9

 

ولا يزال الموقف السياسي الأمريكي تجاه إيران آخذا في التدهور، فيما تستمر جهود أوروبا لإنشاء ما يسمى آلية خاصة لتمكين شركاتها من الحفاظ على بعض العلاقات التجارية مع إيران، بالتزامن مع عقد اجتماعات هذا الأسبوع  في أعقاب اشتعال ناقلات النفط خارج الخليج الفارسي. ومنذ عودة العقوبات المفروضة على إيران العام الماضي، كثفت إدارة ترامب بشكل كبير من استخدامها للعقوبات وغيرها من الأسلحة الاقتصادية لإجبار الأصدقاء والأعداء -على حد سواء- على تبني رغبات السياسة الخارجية الأمريكية.

 وبالإضافة إلى تشديد العقوبات على إيران، فرضت أمريكا عقوبات متزايدة على فنزويلا، بما في ذلك الحظر الشامل على أي دولة تقدم المساعدة لصناعة النفط في فنزويلا. وعلاوة على مزيد من العقوبات على البنوك والأفراد الروس، هناك التهديدات المتكررة بعقوبات أمريكية على الشركات الأوروبية العاملة على خط أنابيب الغاز الروسي في ألمانيا؛ ثم تهديدات بفرض عقوبات على تركيا، العضو في حلف الناتو، بسبب قرارها عقد صفقة صواريخ دفاعية روسية، بالإضافة إلى تطبيق غير مسبوق للتشريع الكوبي الذي يعود إلى حقبة التسعينيات والذي يمثل تهديدًا مباشرًا للشركات في أوروبا وأماكن أخرى.

التخلي عن أوروبا

تأتي هذه العقوبات متزامنة مع مجموعة من الإجراءات التجارية الحمائية  الأمريكية أحادية الجانب، وفرض مزيد من الرسوم الجمركية الضخمة على الصين، بهدف إجبار بكين على تغيير نظامها الاقتصادي بأكمله، علاوة على التهديد بتعريفات جمركية ضخمة على المكسيك، في إطار الضغط عليها لتغيير سياسات الهجرة. وفي هذا السياق أيضا لابد من الإشارة إلى حملة إدارة ترامب لإقناع الدول في جميع أنحاء العالم بإدراج شركة هواوي الصينية، أكبر منتج لأجهزة الاتصالات في العالم، على قائمة الإجراءات الأمريكية.

كل هذه البلطجة الاقتصادية من جانب واشنطن أصبحت ممكنة بسبب أن الدولار الأمريكي لا يزال عملة الاحتياط في العالم والعملة الأكثر استخدامًا في المعاملات التجارية عبر الحدود. لكن على الرغم من ذلك، فإن إدارة ترامب تخاطر باللجوء إلى هذا السلاح المالي مع التخلي عن أوروبا كشريك اقتصادي، كما قال جون سميث، الذي استقال من منصبه العام الماضي كرئيس لإدارة العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية.

يقول سميث. «من دواعي القلق العميق أنه كلما دفعت الولايات المتحدة أوروبا بعيداً عن سياسة مشتركة، كلما دفعت أوروبا إلى وضع اللمسات الأخيرة على بدائل حقيقية للنظام المالي الأمريكي»، مما سيضعف في نهاية المطاف القوة الاقتصادية للولايات المتحدة وقدرتها على الحفاظ على اقتصادها بفعالية.

john smith 3

جون سميث

 ويرى سميث، وهو الآن الرئيس المشارك لمجموعة الأمن القومي في موريسون آند فورستر، إن ردود الفعل السلبية على الإجراءات المالية الأمريكية، حتى الآن، تعزز من قوة اليورو.

وقد خلص البنك المركزي الأوروبي (ECB) يوم الخميس الماضي إلى أن «المخاوف المتزايدة بشأن تأثير التوترات التجارية الدولية والتحديات التي تواجه التعددية، بما في ذلك فرض عقوبات من جانب واحد، يبدو أنها قدمت الدعم للمكانة العالمية لليور على مدار العام الماضي».

Related image

صعود اليورو وتراجع الدولار

وبينما بقيت حصة اليورو في المعاملات التجارية عبر الحدود على حالها تقريبًا – أقل بقليل من ثلث جميع المعاملات – فقد نمت حصة اليورو في احتياطات النقد الأجنبي العالمية خلال العام الماضي. في المقابل انخفض الدولار إلى أدنى مستوى له منذ 20 عامًا تقريبًا. وأوضح تقرير البنك المركزي الأوروبي أن بعض البنوك المركزية تقلل من تعرضها للدولار بسبب خطر الإجراءات الأحادية الأمريكية.

 وهذا الأسبوع، رفض وزير المالية الفرنسي برونو لو ماير الضغط الأمريكي لحظر شركة Huawei في فرنسا، مؤكدا ضرورة حماية السيادة الفرنسية.

Image result for ‫برونو لو ماير‬‎
برونو لو ماير

وخلال الشهر الجاري كذلك، دعا محافظ بنك فرنسا والمتنافس على أن يصبح الرئيس القادم للبنك المركزي الأوروبي، إلى العمل للتوصل لدور أكبر لليورو لاستعادة السيادة المالية لأوروبا. في الوقت نفسه، يتحرك كبار المشرعين الفرنسيين ضد العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية للولايات المتحدة، ويخشون على مستقبل التحالف عبر المحيط الأطلسي.

 أسبانيا كذلك تقاوم بشراسة محاولات إحياء الولايات المتحدة لعقوبات ضد كوبا ـوالتي تهدد مصالح رجال ورواد الأعمال الأسبان.

 ويضيف سميث أنه بينما استخدمت الولايات المتحدة بقوة موقعها المركزي في النظام المالي العالمي لفرض عقوبات على الدول التي تعتبرها مارقة منذ التسعينيات، فإن ما يفعله الرئيس ترامب هو نظام جديد تمامًا من حيث الحجم. ويرى أن إدارة ترامب «أكثر استعدادًا لمواجهة حتى الحلفاء والسعي لفرض تغييرات على موقفهم في السياسة الخارجية باستخدام تهديدات بفرض عقوبات، وكذلك استخدام التهديدات التجارية». مضيفا «نحن نسمع الآن من فرنسا وألمانيا ما اعتدنا أن نسمع من الصين وروسيا».

 لكن سميث يرى أن المشكلة التي يواجهها حلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا وأماكن أخرى، والذين يبحثون عن وسيلة للتغلب على القوة المالية للولايات المتحدة، هي أنه من الصعب للغاية الاسترخاء لأكثر من سبعة عقود من هيمنة الدولار ثم النهوض فجأة.

Image result for ‫هيمنة الدولار‬‎

فعلى الرغم من عقود من الجهود المتقطعة التي بذلتها بلدان مثل اليابان والصين ودول أخرى لجعل عملاتها وأنظمتها المصرفية بديلاً، يظل النظام المالي الأمريكي هو الجهاز العصبي المركزي لمعظم المعاملات المالية العالمية، وهذا ما يمنح صانعي السياسة في الولايات المتحدة القدرة على الضغط على الدول الأخرى.

 ويتضح ذلك بشكل خاص مع الجهود الأوروبية للحفاظ على التجارة مع إيران على الرغم من العقوبات الأمريكية. فبعد عام من المحاولات، لا تزال أوروبا وإيران غير قادرتين على تفعيل الآلية التي تم وضعها لهذا الغرض. والأهم من ذلك، أن الكثير من الحكومات الأوروبية (وبروكسل) ترغب في الوفاء بالتزاماتها تجاه إيران بما يتفق مع اتفاقية عام 2015، حيث إن الشركات الأوروبية لديها حسابات المكسب والخسارة الخاصة بها – وهي مالا تشمله وزارة الخزانة الأمريكية في حساباتها.

ويقول باري إيتشينجرين، أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إنه حتى في روسيا والصين، لا يخضعان تلقائيًا تلك المصلحة الذاتية لرغبات الحكومة. «في الوقت الحالي، يظل استخدام الدولار مناسبًا واقتصاديًا من وجهة نظر تلك الشركات»، ويعد هذا أحد الأسباب التي دفعت الاتحاد الأوروبي منذ العام الماضي إلى مضاعفة الجهود للقيام بدور دولي أكبر لليورو، وهي ثاني أهم عملة في العالم.

في الخريف الماضي، دعا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى إصلاحات اقتصادية ونقدية أعمق لتعزيز دور اليورو في الاقتصاد العالمي، مما سيساعد على حماية أوروبا من «الأحادية الأنانية» من قبل الآخرين. وقال يونكر: «يجب أن يصبح اليورو وجه وأداة لأوروبا جديدة أكثر سيادة».

Image result for ‫جان كلود يونكر‬‎
جان كلود يونكر

نقطة الانهيار

وفي العام الماضي، وضعت المفوضية الأوروبية خارطة طريق لتعزيز القيمة المالية الدولية لليورو مقابل الدولار، وشمل ذلك  استكمال الاتحاد النقدي الحقيقي بعد 20 عامًا من إطلاق العملة الأوروبية من خلال إنشاء أسواق مصرفية ورؤوس أموال أوروبية حقيقية، لا تزال مجزأة على طول الخطوط الوطنية.

وهناك مجال رئيسي آخر لهذه المواجهة بين الدولار واليورو، يتمثل في استخدام اليورو بشكل اكبر، والدولار بشكل أقل، في قطاع الطاقة؛ حيث أنه على الرغم من كون القارة الأوربية أكبر مستورد للطاقة في العالم، فإن معظم  دول أوروبا تدفع بالدولار مقابل النفط والفحم والغاز الطبيعي.

 وقد ذكرت المفوضية هذا الأسبوع أن المشاورات مع مجموعة واسعة من اتحادات الصناعات أظهرت «دعمًا واسعًا لتقليل الاعتماد على عملة عالمية واحدة مهيمنة» و «الاعتراف بأن الاتحاد الأوروبي، من خلال اليورو، يمكن أن يعزز سيادته الاقتصادية». ويعد اليورو، حسب تصريح المفوضية، العملة الوحيدة التي يمكن أن تتنافس بشكل واقعي مع الدولار،لكن أوروبا لا تزال تكافح من أجل جعل أموالها الخاصة هي العملة المفضلة للأشياء التي تبدو منطقية، مثل الـ 300 مليار يورو التي تنفقها القارة كل عام لاستيراد الطاقة -حيث الحصة الساحقة منها يتم دفعها فعليًا بالدولار، والتي تمر عبر البنوك الأمريكية تحت عين السلطات الأمريكية. ويؤكد مسؤولو المفوضية الأوروبية أنه يجب إحراز المزيد من التقدم في إنشاء الاتحاد النقدي والمصرفي الأوروبي، وخاصة سوق رأس المال الحقيقي الأوروبي، لتكون قادرة على المنافسة بشكل أفضل مع الدولار والقوة المالية الأمريكية.

Image result for ‫صراع اليورو والدولار‬‎

ما الذي يعيق اليورو؟

 لا تزال الأسواق المالية الوطنية في أوروبا تفتقر إلى اتساع وسيولة الأسواق المالية الأمريكية، لأنها مقسمة وفق خطوط وطنية». ومع ذلك، يقول سميث: «روما لم تُبنى في يوم واحد.. هذه المشاريع الرائدة تبشر بما سيأتي.. سوف يستغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلى هذا الهدف…».

 كان لدى الولايات المتحدة وأوروبا الكثير من المشاحنات الاقتصادية العميقة من قبل، ومنها على سبيل المثال النزاعات على التجارة والسياسة النقدية في سبعينيات القرن الماضي، إلى معارك استمرت عشرات السنين حول الزراعة والإعانات الصناعية والتعريفات الجمركية. لكن سميث يرى أن إصرار أمريكا مؤخراً على استخدام قوتها المالية لتقويض أقوى حلفائها في تقديم عطاءاتها هو لعبة جديدة تمامًا – مع عواقب دائمة محتملة.. «لقد دفعت الولايات المتحدة أوروبا بشأن هذه المسألة إلى نقطة الانهيار، حيث تبحث مختلف العواصم الأوربية عن بدائل، وفي وقت ما ستثمر بعض تلك البدائل عن ثمارها».

*هذه المادة مترجمة للاطلاع على المادة الأصلية من هنا

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock