منوعات

السامريون الأشرار(1): كيف خرجت كوريا من هوة الفقر إلى قمة الثراء بعيداً عن أغنياء الغرب؟

تروي القصة الإنجيلية الأصلية عن «السامري الصالح»، أنه كان هناك رجل تعرض للسطو على يد قطاع الطرق، ما جعل السامري الصالح يقدم له يد العون، وذلك على الرغم من الصورة النمطية للسامريين التي تصفهم بأنهم قساة استغلاليون ينتفعون من أزمات الآخرين.

الباحث الأكاديمي الإقتصادي الكوري ها-جوون تشانج في كتابه المعنون «السامريون الأشرار.. الدول الغنية والسياسات الفقيرة وتهديد العالم النامي»، يتخذ من السامريين الأشرار  مدخلا ليشرح ..كيف تلعب الدول الأكثر ثراء دورا في إفقار الدولة النامية والفقيرة؟

في هذا الكتاب المهم ،والذي ترجمه إلى العربية المترجم أحمد شافعي، وصدر عن دار نشر «الكتب خان»، يشير تشانج إلى أن السامريين الأشرار يوصون الدول الفقيرة بالسوق والتجارة الحرة بوصفهما الطريقين اللذين سلكتهما دولهم في الماضي ومن ثم حققت الثراء. لكن الحقيقة- كما يراها تشانج – أنهم بوصفتهم تلك يزيدون من صعوبة الحياة لشعوب تلك الدول الفقيرة.

Image result for ‫المترجم أحمد شافعي‬‎

المترجم أحمد شافعي

 ونظرا لأهمية ما جاء في هذا الكتاب الذي يقول مؤلفه إنه موجه لجمهور أوسع من الجمهور المتخصص المعتاد، فإن موقع «أصوات أونلاين» يقدم عبر عدة حلقات عرضا وافيا لما تضمنه الكتاب، للتعرف على عدد من التجارب  والدروس الاقتصادية لعدد من الدول، والتي يمكن من خلالها الإجابة على كثير من التساؤلات حول كيف أصبحت الدول الثرية ثرية، وهل التجارة الحرة هى الحل دائما؟، وهل ينبغي وضع قواعد للاستثمار الأجنبي؟، وهل المشروع الخاص خير، والمشروع العام شر؟، وهل هناك شعوب تنتمي لثقافات عاجزة عن التنمية الاقتصادية؟ وأخيرا هل يمكن أن تتحسن الأوضاع؟

كوريا والهروب من الفقر

«هوة لا قرار لها» كان هذا هو الوصف الذي استخدمته هيئة المعونة الأمريكية في تقرير لها في خمسينيات القرن الماضي لتوصيف الوضع الإقتصادي في كوريا (الجنوبية)، فكيف تحولت هذه الدولة من كونها واحدة من أفقر دول العالم، إلى أن تصبح دولة من الدول الثرية؟

Related image

كوريا الجنوبية

 يشير تشانج، في معرض إجابته على هذا السؤال، إلى أن الدخل السنوي للفرد في كوريا الجنوبية كان قد تجمّد عند اثنين وثمانين دولارا عام 1961، وكانت كوريا قد بدأت من قبل في رفع نسبة إجادة القراءة والكتابة التي وصلت إلى 71% عام 1961، بعد أن كانت عند مستوى 22%، حين كانت تخضع للحكم الاستعماري الياباني، الذي كان يسيطر على كوريا منذ عام 1910.

يضيف تشانج أن الجنرال بارك الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1961، أطلق برنامجاً للتصنيع الثقيل والكيميائي عام 1973، ومن ثم بدأ الإنتاج في أول مصنع للصلب وأول مصنع حديث للسفن، كما بدأت خطوط الإنتاج لأولى السيارات المصممة محليا، وإن كان أغلب أجزائها مستوردة. كما تأسست شركات جديدة متخصصة في الإلكترونيات والميكنة والصناعات الكيميائية وغيرها من الصناعات المتقدمة، ما نجم عنه إرتفاع في الدخل السنوي للفرد الكوري حتى بلغ ألف دولار أمريكي عام 1981، وذلك مع زيادة سرعة نمو الصادرات.

Image result for ‫الجنرال بارك‬‎

الجنرال «بارك تشونج هي»

سامسونج.. نموذجا

«سامسونج» بالكورية تعني «النجوم الثلاث»، وهنا يقدم تشانج شركة «سامسونج» كنموذج لشركة كورية بدأت بداية متواضعة، لكنها بالجدية تمكنت من تحقيق الثراء، حيث أصبحت الآن واحدة  من أكبر شركات العالم في مجال الهواتف المحمولة وتكنولوجيا الإتصالات والحواسب الآلية. كانت عمل هذه الشركة في مجال تصدير السمك والخضروات والفاكهة عام 1938، وفي خمسينيات القرن الماضي دخلت مجال تكرير السكر والنسيج، وحينما انتقلت إلى صناعة أشباه الموصلات بشرائها 50% من أسهم «كوريا لأشباه الموصلات» عام 1974، لم يتعامل معها أحد بجدية. وحين أعلنت عام 1983 عن إعتزامها اللحاق بركب الكبار في صناعة أشباه الموصلات عبر تصميم رقائقها الخاصة، لم تكن مقنعة إلا للقليلين.

Related image

شركة سامسونج

لكن هل تأسيس الشركات الكبرى فقط هو الذي حفّز الإقتصاد الكوري على النهوض والنمو؟ هنا  يوضح تشانج أنه إلى جانب تلك الشركات الكبرى، كان هناك العديد من السياسات العامة التي ساندت تلك الشركات، منها أن إنفاق العملة الصعبة على أي شيء غير ضروري للتنمية الصناعية كان ممنوعا، أو كان يواجه مصاعب كثيرة، من خلال محاذير الاستيراد والتعريفات الباهظة والضرائب التي كان يطلق عليها «ضرائب الرفاهية»، وكانت سلع الرفاهية تلك تتضمن على سبيل المثال «السيارات والويسكي والبسكويت»، كما أن السفر للخارج لم يكن مسموحا به إلا بإذن حكومي واضح للعمل أو الدراسة فقط.

سلبيات واكبت «معجزة» كوريا الاقتصادية

لم تخل «معجزة» كوريا الاقتصادية – على حد وصف تشانج- من الجوانب السلبية، فكثير من بنات العائلات الريفية الفقيرة كن يُرغمن على البحث عن عمل بمجرد إكمالهن مرحلة التعليم الابتدائي، أي وهن في الثانية عشرة من عمرهن لدعم أسرهن، فكان بعضهن يعملن كخدم بالمنازل وبعضهن يعملن بمصانع النسيج والملابس، لاثنتى عشرة ساعة يوميا، في ظل أوضاع غير صحية بالغة الخطورة، ولقاء أجور زهيدة بالغة التدني. كان العمال الكوريون إجمالا وفي كافة القطاعات، وعلى حد وصف تشانج هم تقريبا أكثر العمال اشتغالا في العالم في ذلك الوقت، حيث بلغ متوسط عدد ساعات عملهم أسبوعيا 53 – 54 ساعة.

كما ظهرت في ذلك السياق التجمعات العشوائية بالمدن، ولأنها كانت تنشأ على الجبال المنخفضة التي تشكل قسما كبيرا من الأفق الكوري، فقد كان يُطلق عليها اسم «أحياء القمر».. كانت الأسر بتلك الأحياء تتكدس خمسة أو ستة أفراد بغرفة واحدة، تتشارك مع مئات غيرها مرحاضاً وصنبور مياه واحداً، وكانت الشرطة كثيرا ما تتعرض لتلك التجمعات السكنية بالإزالة مُرغِمة سكانها على النزوح إلى أحياء بعيدة.

غير أن تشانج يعود فيشير إلى أنه – ومهما تكن المشكلات التي واجهتها كوريا- فإنه يبقى أنها أضحت من أكثر البلدان ثراء، وهو ما استتبعه تحول اجتماعي كبير، تجلى بشكل أساسي في زيادة معدلات الحياة للأفراد، حيث بات من المتوقع أن يعيش الطفل الذي يولد في كوريا اليوم، لأربعة وعشرين عاما إضافية عن ذلك الشخص الذي كان قد ولد في ستينيات القرن الماضي وذلك بفضل التطور الكبير الذي حققته بمجالي الصحة والتغذية.

لماذا نجحت كوريا؟

الانطباع الشائع بأن كوريا بلد ذو اقتصاد قائم على التجارة الحرة، نشأ- من وجه نظر تشانج – نتيجة نجاح كوريا في التصدير، غير أن هذا النجاح في التصدير، لم يكن يستوجب تجارة حرة، ذلك أن الصادرات الكورية المبكرة لم تزد عن بعض الملابس والإلكترونيات البسيطة بهدف الحصول على العملة الصعبة لسداد كلفة التقنيات المتقدمة والآلات الباهظة الأثمان اللازمة للصناعات الجديدة التي تدعمها الحكومة وتحميها بالتعريفات الجمركية.

كانت المعجزة الاقتصادية الكورية إذن نتيجة مزيج يصفه تشانج بأنه «برجماتي» يدمج المحفزات السوقية والتوجيه من قبل الدولة، فالحكومة الكورية على حد وصفه لم تقهر السوق كما دأبت الدول الشيوعية، لكنها في ذات الوقت لم تكن تؤمن إيمانا أعمى بالسوق الحرة. ففي حين كانت الاستراتيجية الكورية تأخذ الأسواق مأخذ الجد، كانت تدرك أيضا أن الأسواق بحاجة إلى التصحيح من خلال التدخل السياسي.

يضيف تشانج: أن معظم الدول الثرية على إختلافها قد استخدمت الحماية والدعم والتمييز ضد المستثمرين الأجانب، وإذا كان الحال كذلك، فلماذا لا توصي الدول الثرية اليوم الدول النامية باتباع الاستراتيجيات التي خدمتها فأحسنت خدمتها؟.. وكيف نثني السامريين الأشرار عن إيذاء الدول الفقيرة؟.. للحديث بقية…

Image result for ‫كوريا الجنوبية 1950‬‎

(يتبع)

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker