«الطفل الذي حملته من مقاتل بوكو حرام في الغابة، أنجبته قبل ثلاثة أشهر، رأى الرجل الذي ساعدني في الولادة، أن أطلق على المولود إسم موسى، لأنه كان يدعى موسى، لذا سميته موسى، فالأمر لا يشكل لي فارقا، فما هو إلا إسم مثل أى إسم آخر، فليكن موسى.. أنا لا أحب الطفل، أعرف أن أباه من ارتكب الجرائم، وأن الطفل ليس له ذنب.. ولكن أى إنسان سيصبح هذا الطفل؟، حتى أطفالي يعرفون أن والد الطفل واحد من هؤلاء الذين قتلوا أباهم»… كان ذلك مقطع من شهادة لإحدى النساء اللاتي كن مختطفات لدى جماعة «بوكو حرام» الإرهابية في نيجيريا، واللاتي تمكنَّ من الهرب من قبضة الجماعة والعودة إلى قريتهن.
شهادة تلك السيدة، هي واحدة من شهادات عشرات الفتيات والنساء الناجيات من جحيم مقاتلي بوكو حرام، والتي ضمها كتاب صدر مؤخرا بعنوان «المختطفات.. شهادات من فتيات بوكو حرام»، من إعداد الكاتب الصحفي الألماني فولفجانج باور، وترجمته إلى العربية الدكتورة علا عادل، أستاذ الأدب الألماني بجامعة عين شمس،. هذا الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية مؤخرا عن دار العربي للنشر والتوزيع، كان موضوعا للمناقشة بمعهد جوتة بالقاهرة، حيث جرى نقاش مع المترجمة حول الكتاب ومؤلفه موضوعه أداره الصحفي إسلام أنور.
وقد تطرق النقاش إلى الصعوبات التي واجهت الصحفي فولفجانج خلال عمله على جمع تلك الشهادات التى حفل بها من نساء نيجيريات اختطفهن مقاتلو بوكو حرام، واستطعن الهروب من قبضتهم، والتهديدات العديدة التي تعرض لها من قِبل أتباع الجماعة ، وكيف نشأت جماعة بوكو حرام وتغلغلت داخل المجتمع النيجيري، وطبيعة الأزمات التي تعاني منها النساء المختطفات وأطفالهن الذين أنجبوهن من رجال بوكو حرام.
حاور الصحفي فولفانج باور أكثر من ستين سيدة ممن نجحن في الفرار من معسكر « رقيق بوكو حرام» خلال شهر يوليو عام 2015، وشهر يناير عام 2016 وذلك برفقة مصور فوتوغرافي ومترجم، غير أن هروبهن من هذا المعسكر لم تضع نهاية لمعاناة هولاء النساء المختطفات، خصوصا اللواتي حملن وولدن خلال فترات الاحتجاز.
اعتمد فولفجانج في كتابه على الدمج بين آلية السرد القصصي على لسان النساء المختطفات، وآلية السرد التاريخي لنشأة وتطور جماعة بوكو حرام، في نيجيريا.
الأزمة الحقيقية التي يرصدها الكتاب بعد سرد العديد من المآسي التي تتعرض لها النساء خلال عملية الإختطاف، هى الرفض الاجتماعي الذي تتعرض له السيدة بعد تمكنها من الهرب من أسر الجماعة الإرهابية، حتى أن الجيش النيجيري قام باحتجاز بعض مجموعات من النساء المختطفات اللاتي تمكنَّ من الهرب، في جنوب البلاد داخل ما يطلق عليه «معسكرات مكافحة التطرف» حيث تمنع عنهن الزيارة، ويتعرضن للاستجواب والتهديد بالضرب.
ومما يزيد من معاناة هولاء المختطفات العائدات، رفض أسرهن والمجتمع المحيط لهن، وإعتبارهن من المشكوك في ولائهن، إضافة إلى ما يعانيه الأطفال الذين أنجبتهن هؤلاء النسوة خلال فترة الإختطاف، حيث يتحول هؤلاء الأطفال إلى أطفال مشردين يجوبون الشوارع وليس لديهم فرصة للطعام أو الرعاية الصحية أو التعليم، والنتيجة النهائية أنهم قد يرثون جزءا من ميراث آبائهم من التطرف.
ويرى فولفانج خلال كتابه أن النساء النيجيريات المحررات أو العائدات من قبضة بوكو حرام، لم يتحررن بعد، إذ لم يتغير سوى سجانهم وليس أكثر. كما أن جماعة بوكو حرام تختطف كل أسبوع مزيدا من النساء والفتيات، بينما يقف العالم المحيط صامتا، صمتا سيدفع ثمنه غاليا في المستقبل القريب.
اليوسفيين
وفيما يتعلق بنشأة جماعة بوكو حرام، يشير فولفانج باور إلى أن تلك الجماعة مرت بمراحل تحول عديدة، حيث عرفوا في البداية باسم «اليوسفيين»، نسبة إلى مؤسس الجماعة «محمد يوسف»، ذلك الواعظ صاحب الكاريزما، ويقال إنه انشق عام 2000، عن حركة «إيزالا» وهى «جمعية نزع البدع وإعادة تطبيق السنة»، وتعد حركة «إيزالا»، أول حركة إصلاح إسلامية في نيجيريا، وكان دعاتها يتوجهون إلى القرى لحث أهلها على التخلي عن التقاليد المحلية، واستبدالها بممارسة تعاليم الشريعة الإسلامية.
كانت ساعة موت «محمد يوسف» بمثابة ساعة الميلاد لجماعة «بوكو حرام» حيث وقف «محمد يوسف» في صباح يوم الثلاثين من يوليو عام 2009، مكبلاً بالأصفاد في كبرى القواعد العسكرية بـ«مايدوجوري»، ويبدو أن الحكومة النيجيرية قد اعتقدت أن موته سيعني دمار حركته بالكامل، غير أن هذا الأمر لم يكن صحيحا بالمرة.
بوكو حرام
«الله أكبر، اسمنا هو جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، نحن من يطلقون هم علينا اسم بوكو حرام، الله أكبر، لقد أصدرنا بيانات وتصريحات، وقلنا كل شيء ينبغي قوله».. هذه الكلمات تصدرت أحد البيانات التي أصدرها «أبو بكر شيكاو» زعيم جماعة بوكو حرام في أبريل عام 2011.
وقد تحولت «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، والمعروفة بلغة الهوسا باسم «بوكو حرام» أو «التعاليم الغربية حرام»، بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» إلى ولاية غرب إفريقيا. ولذا لم يكن غريبا عليهم أن يبادروا بإختطاف الفتيات المتعلمات من المدارس على وجه التحديد أكثر من غيرهن.
يروي فولفجانج عن مقاتلى بوكو حرام، أنهم حين نالهم الضعف في أعقاب قمع ثورتهم عام 2009، انتقلوا إلى شبكة الطرق الخفية غير المطروقة، المخصصة لرعاية الأغنام لأهالي بدو الفولاني، حيث وجدت الجماعة الكثير من الداعمين لها من بين أبناء قبيلة الفولاني. وقد استخدم هؤلاء الإرهابيون الدراجات البخارية كوسيلة تَنَقُل فاعلة خلال عملياتهم التي استهدفت رجال الشرطة والمدنيين على حد سواء. وفي ديسمبر من عام 2010 هاجموا العاصمة النيجيرية «أبوجا» للمرة الأولى بالقنابل.
تطورت جماعة بوكو حرام وزاد عدد مقاتليها حتى وصل تعدادهم حوالي خمسين ألف مسلح، وبسببهم فر سبعة ملايين شخص من بيوتهم، استعبدوا الآلاف، غالبيتم من النساء. وتفيد بيانات الحكومة النيجيرية بأن حوالي عشرين ألف شخص قتلوا حتى الآن جراء أعمالهم الإرهابية، وهو إحصاء غير دقيق بطبيعة الحال.
الهوة بين الشمال والجنوب
يأتي هؤلاء الإرهابيون – وفقا لفولفجانج – من منطقة تندرج ضمن أكثر بقاع العالم فقرا، حيث يعيش غالبية السكان تحت خط الفقر وفقا لإحصاءات البنك الدولي. وتقع نيجيريا حيث يلتقي عالم المسلمين في شمال إفريقيا بمسيحيي الجنوب، وتضم هذه الدولة الإفريقية الكبيرة حوالي 514 مجموعة عرقية، و190 مليون نسمة.
وتعانى نيجيريا من اتساع الهوة بين الشمال والجنوب، وتعد المنطقة الساحلية بين مدن الموانىء «لاجوس» و«بورت هاركورت» المحرك الاقتصادي للبلاد، حيث صناعة النفط، وحيث استوطنت صناعة السينما النيجيرية الأسطورية المعروفة باسم «نوليوود»، التي تنتج أفلاما أكثر من «بوليوود الهندية».
يستطرد فولفجانج مضيفا أن آبار النفط في الجنوب جلبت ثروات طائلة على البلاد، كما جلبت مزيدا من الفساد، حيث اختلس رجال السياسة المليارات من خزائن الدولة. أما إقليم الشمال الشرقي موطن بوكو حرام، فتبدو فيه الدولة النيجيرية دولة لصوص من الخارج، في حين لا يستطيع سبعون بالمائة من السكان القراءة والكتابة.
يضيف فولفجانج أن نيجيريا يوجد بها بصورة رسمية 330 ألف رجل شرطة، ينشغل ثلث هذا العدد تقريبا بحماية السياسيين وذوي المناصب الرفيعة.. وكثيرا ما يتحول بعض رجال الشرطة إلى بلطجية، حتى أنهم يصبحون في بعض الأحيان قتلة مأجورين، إضافة إلى وجود عدد منهم يتعاونون مع رجال بوكو حرام، حيث يخطرون الجماعة بهوية من يبلغون عنهم.