منوعات

فلسطين والكيان الغاصب (1): عن الأكذوبة التى أطلقها الصهاينة.. ولم يفندها العرب

لقد باع الفلسطينيون أرضهم.. تعتبر تلك العبارة هي الأشهر التي باتت تتردد على الألسنة في السنوات الأخيرة، كلما عادت القضية الفلسطينية لتحتل ولو مساحة صغيرة من الاهتمام. وربما سنسمعها عما قريب بعد انتهاء مؤتمر المنامة وما قد يصدر عنه من قرارات و«خطط» تمهيدا لما يسمى «صفقة القرن» أو بديلها. وقد تُطرح تلك الخطط باعتبارها السبيل الاقتصادي والسياسي الأمثل لحل مشاكل «الشرق الأوسط».. لكن السؤال «اقتصاديا» من السبب في تخلف الاقتصاد الفلسطيني؟.. وهل كانت هناك طرق لإنقاذه وتطويره؟، وهل لا تزال هناك فرصة لذلك التطوير دون أن توصد الأبواب فيُتهم الفلسطينيون ببيع أنفسهم؟

Image result for ‫الاقتصاد الصهيوني والاقتصاد الفلسطيني‬‎

الاقتصاد المهيمن.. والاقتصاد الأسير

قبل أشهر من انعقاد مؤتمر المنامة ومع تزايد الأقاويل حول صفقة القرن، صدر كتاب مهم بعنوان «الاقتصاد الصهيوني الغاصب والمهيمن.. والاقتصاد الفلسطيني الأسير» للكاتب والخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، الذي يروى لنا عبر صفحات هذا الكتاب، الصادر عن «المطابع الأميرية» في 392 صفحة، قصة الاقتصاد في تلك الرقعة من الأرض، وكيف ُسجن الاقتصاد الفلسطيني تحت الوصاية البريطانية ومن بعدها السيطرة الصهيونية ـوكيف مهدت الأولى ومعها الغرب للكيان المحتل أن يصبح دولة متطورة اقتصاديا.

الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار

الصورة القديمة

«لم تصبح القرية مدينة.. ولم تصبح المدينة عصرية»… يقول الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي في كتابه «رأيت رام الله» بعد أن زار بلاده عقب ثلاثين عاما من النفي: «كنت دائما من المقتنعين بأن من مصلحة الاحتلال.. أي احتلال، أن يتحول الوطن في ذاكرة سكانه الأصليين إلى باقة من الرموز.. إلى مجرد رموز، أنهم لن يتركونا نرتفع بالقرية إلى ملامح المدينة، أو نرتفع بمدينتنا إلى رحابة العصر.. لنكن صادقين ألم نكن نتمنى حياة المدينة ونحن في القرية؟.. ألم نكن نتمنى الخروج من دير غسانة المحدودة، الصغيرة، الأبسط من اللازم، إلى رام الله، والقدس، ونابلس.. ألم نكن نتمنى لتلك المدن أن تصبح مثل القاهرة و دمشق وبغداد وبيروت.. إنه العطش إلى العصر الجديد دائما… الاحتلال تركنا على صورتنا القديمة وهذه هي جريمته، أنه لم يسلبنا طوابين (جمع طابونة) الأمس الواضحة، بل حرمنا من الغموض الجميل الذي سنحققه في الغد».

لم أجد أفضل مما كتبه البرغوثي كمدخل للجزء الأول من قراءة ذلك الكتاب المهم الذي يعيبه عدم انتشاره في العديد من المكتبات، وهو ما قد يقلل بالضرورة عدد المستفيدين من المعلومات القيمة التي يسردها النجار بشكل سلس وشيق.

يبدأ النجار في مقدمة الكتاب، التي تعتبر تلخيصا لفصوله الأربعة، بإشارة سريعة لتعريف الاقتصاد باعتباره «الرافعة الأساسية للقوة الشاملة لأي دولة» وأن تلك «القاعدة العامة تنطبق على الاقتصادين الفلسطيني والصهيوني على حد سواء». ثم يضيف ملمحا خاصا للاقتصاد الفلسطيني سيتطرق إليه بشكل أكبر في فصول الكتاب «وقد ظل الاقتصاد الفلسطيني أسيرا ومحاصرا تحت الوصاية الاستعمارية البريطانية والعربدة الصهيونية وتجاهل الدول العربية، التي أدارت أجزاء من فلسطين لفترة من الزمن، لقضية تطوير الاقتصاد الفلسطيني، مما أضعف قدرته على تأسيس قوة شاملة للشعب الفلسطيني».

وعلى النقيض -يقول النجار- «تلقى الاقتصاد الصهيوني، مساعدات مالية وعينية وتكنولوجية عسكرية ومدنية هائلة، لدرجة أنه يمكن القول إن الكيان الصهيوني قبل حرب الاغتصاب «48» وبعدها كان أقرب لكيان «تسليم مفتاح».
ويسرد النجار في المقدمة أبرز النقاط التي ستقوم عليها فصول الكتاب، مختتما تلك المقدمة بأن الخيارين المتاحين لحل القضية الفلسطينية هما: «حل الدولتين» وهو ما يرفضه الكيان الصهيوني بالأساس، أو بإقامة دولة ديمقراطية تستوعب اللاجئين الفلسطينيين وتستوعب العرب بجانب اليهود في إطار المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.

قاعدة الإغتصاب فى الاقتصاد الصهيوني

يشرح النجار في الفصل الأول تحت عنوان «اقتصاد الكيان الصهيوني وبناء قاعدة الاستيعاب والاغتصاب»، عملية بناء الاقتصاد الصهيوني على أرض فلسطين قبل نحو نصف قرن من حرب 48،.. «لم يكن  المشروع الصهيوني لينجح إلا لو تضمنت الخطة التفصيلية لبنائه إنشاء قاعدة اقتصادية صهيونية في فلسطين، وكانت تلك القاعدة ضرورية لاستيعاب المهاجرين، ولتمويل تسليحهم لضمان تفوقهم على الشعب الفلسطيني، وهيمنتهم علي مسار الأحداث تحت الانتداب البريطاني»… «ولم يكن نجاح المشروع الصهيوني  والمؤامرة الغربية لمساعده الصهاينة قدرا محتوما، بل هو نتيجة تراخي وتقاعس الدول العربية عن إدراك خطورة المشروع الصهيوني ومجابهته بشكل حاسم، ونتيجة أيضا لتأخر إدراك الشعب الفلسطيني نفسه لحجم وطبيعة وأهداف المشروع الصهيوني».

 ويشير النجار إلى أن «عمليه بناء الاقتصاد الصهيوني.. بدأت مع بدء الهجرة اليهودية إلى فلسطين في 1904 بشكل واسع النطاق تجاوز هجرة جماعات البيلو من المتدينين، التي بدأت في ثمانينيات القرن التاسع عشر تحت وطأة الاضطهاد المسيحي الأوروبي لليهود منذ أحداث الاضطهاد الروسي عام 1861».

Image result for ‫الهجرة اليهودية إلى فلسطين في 1904‬‎

ومن أبرز فقرات ذلك الفصل تلك التي يفند فيها النجار مقولة «بيع الفلسطينيين لأراضيهم»، حيث يشير إلى أن الأتراك والأوربيين كان لهم حق تملك الأراضي في البلدان الواقعة تحت الاحتلال العثماني منذ عام 1876. ومع انتشار المرابين الأوربيين، وعلى رأسهم اليهود في البلدان العربية، ومع الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة كان رهن الأراضي الزراعية ثم الفشل في سداد الديون وبالتالي بيعها للأجانب قد شهد توسعا في ذلك الوقت. ولم تكن الأراضي في فلسطين بمعزل عن ذلك. بل ويضيف النجار سببا آخر خاصاً بالأراضي الفلسطينية، وهو التعثر المالي للمزارعين، بسبب تلف المحاصيل نتيجة العمليات الإرهابية الصهيونية تحت الحماية البريطانية.

وفى هذا الإطار وعلى المستوى العربى فإن ملكيات الأجانب في مصر على سبيل المثال بلغت 713.1 ألف فدان (توازي 13% من إجمالي الأراضي الزراعية عام 1917)، بما يوازي 3 ملايين دونم «وحدة لقياس مساحة الأرض» في فلسطين. أما في فلسطين نفسها ففي تلك الفترة بلغت نسبة الأراضي المملوكة للأجانب، 11% من إجمالي الأراضي الزراعية، وكل ذلك ليس سوى مقدمة لما حدث هناك حينها.

Related image

الإستيلاء على الأراضى بالقوة

يقول النجار إنه في الفترة بين 1904 و1914 هاجر إلي فلسطين 40 ألف يهودي، استقر ربعهم في مستعمرات أقيمت على مساحة 420 ألف دونم بما يوازي 100 ألف فدان، موّل شراءها البارون أدموند روتشيلد، وتم شراء تلك الأراضي من ملاك عرب غير فلسطينيين، حيث يشير النجار إلى أن الملاك اللبنانيين باعوا أراض زراعية تبلغ مساحتها 388.8 ألف دونم، أما الفلسطينيون غير المقيمين فقد باعوا ما يقرب من 359 ألف دونم. وبلغت النسبة المباعة من كبار الملاك الفلسطينيين المقيمين 167.8 ألف دونم، أما صغار الملاك فقد باعوا بصورة جبرية في الغالب، نحو 64.2 ألف دونم، بالإضافة إلي الأراضي التي استولى عليها الصهاينة ووهبها لهم الانتداب البريطاني. ومع ذلك فلم تبلغ ملكيات اليهود من الأراضي عند إعلان إنشاء دولة الكيان الصهيونى في 1948 سوى 1.6 مليون دونم (380 فدان)، بما يوازي 11.4% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في فلسطين. ولابد من الإشارة هنا إلى ما جاء في كتابات عديدة حول قيام سلطات الانتداب البريطاني قبل 48، وعبر عملية ممنهجة بفرض الضرائب والرسوم الباهظة على الأراضي، ضرورة تسجيل ملكيتها، وهو ما دفع العديد من الفلسطينيين إلى التخلي عن أجزاء من أراضيهم لتسجيل الباقي، أو الإخفاق في دفع الضرائب ،وهو ما كان يعطي الفرصة لسلطة الانتداب لوضع يدها على بعض الأراضي بحجة خلوها في الحالة الأولى، ووقوع المزارع الفلسطيني أسيرا للديون في الحالة الثانية.

Image result for ‫البارون أدموند روتشيلد‬‎

البارون أدموند روتشيلد

أما النقلة الكبرى للاقتصاد الزراعي الصهيوني_ كما يوضح النجار، فقد جاءت بعد نشوب حرب 48، فقد استولى الكيان الجديد البديل لسلطة الانتداب البريطاني، على 6.6 مليون دونم من الأراضي، ليرتفع نصيب الكيان الصهيونى من الأراضي إلى 58% من أراضي فلسطين، وبذلك يؤكد النجار أن الكيان الصهيوني لم يحقق تلك الملكية عبر شراء تلك الأراضي، ولكن بالاستيلاء عليها، بالإضافة للاستيلاء على مصادر المياه والتحكم في توزيعها.

وفي الجزء الثاني من قراءتنا لهذا الكتاب المهم، سنتناول كيف شرح النجار بداية الصناعة في الكيان الصهيوني، وكيف أسهمت المساعدات الخارجية في تأسيسه ودعمه؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock