منوعات

قضية للمناقشة: كيف يجسر العرب فجوتهم مع العالم؟

«المواطنة النشطة.. والفجوة بين الإنسان العربي والعالم المتقدم»، قضيتان من قضايا عديدة فرضت نفسها على جدول أعمال تلك الندوة التي عقدت بالقاهرة مؤخرا، بالمشاركة بين مؤسسة الفكر العربي، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والإٍستراتيجية، وذلك إحتفاء بصدور الكتاب السنوي لعام 2019 «أفق» الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، والذي جاء تحت عنوان «نحو إنسان عربي جديد».

فجوة معرفية شاملة

في تناوله لقضية الفجوة بين الإنسان العربي ونظيره في العالم المتقدم حاليا، أشار الدكتور وحيدعبد المجيد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية، إلى أن الحديث عن هذا الموضوع كان يقتصر في الماضي على الفجوة بين العالم العربي والغربي، غير أن ما أستجد حاليا هو أن الفجوة أصبحت بين العالم العربي ودول العالم أجمع، بإستثناء محدود لبعض الدول الإفريقية.  

د. وحيد عبد المجيد

 الفجوة التي يقصدها عبد المجيد هنا لا تقتصر على الرقمية المعلوماتية فحسب، بل أضحت فجوة معرفية شاملة، وهو  يطرح السؤال حول الإستراتيجية المطروحة لمواجهة تلك الفجوة المتزايدة، خصوصا في ظل النزعة المحافظة السائدة حاليا في المجتمعات العربية؟

في هذا السياق يشير وحيد عبد المجيد إلى أن تلك النزعة المحافظة في المجتمعات العربية قد إزدادت حدتها عما كانت عليه قبل نصف قرن مضى، وذلك على الرغم مما قد تعرضت له تلك المجتمعات من تغير في مجال التشريعات والسياسات. فتلك التغييرات، وإن كانت تنطوي على شيء من التقدم، إلا أنها في النهاية مجرد قشرة على السطح وفقا لرؤية عبد المجيد.

اقرأ أيضا:

النزعة المحافظة تلك لا تقتصر على النزعة الدينية فحسب، وإنما يضاف إليها_ كما يقول عبد المجيد – النزعة الإجتماعية أيضا، وهى نزعة تعوق تقدم أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، وهنا يقترح عبد المجيد ما أطلق عليه مسمى «إٍستراتيجية المراحل» والتي تستند على رؤية مرحلية للإنتقال بالعالم العربي من وضعه الحالي إلى وضع أكثر تقدما.

لكي ينتقل الإنسان العربي من وضعه الحالي المأزوم إلى وضع آخر أكثر تفاعلاً وتواصلاً مع العالم المحيط، يؤكد عبد المجيد على أهمية إتباع منهج تعددي في بناء هذا الإنسان، يعتمد على «إطلاق القدرات العقلية للإنسان العربي» في مجال التفكير والإبتكار والإبداع، الأمر الذي يتطلب نظاما تعليميا حديثا يساعد على تنمية العقل وتفتحه، مع إتاحة مجال عام مفتوح يصبح فيه الأفراد مشاركين وفاعلين.

المواطنة النشطة

 الدكتور سمير مرقص المفكر والباحث في قضايا المواطنة والمجتمع المدني وقضايا الوحدة الوطنية، يطرح مفهوم «المواطنة النشطة» بوصفها السبيل لتحقيق هدف بناء إنسان عربي جديد، حيث يفرق بين المواطن الذى لا يشغله شىء من أمور مجتمعه، والمواطن النشط الفعال المشارك في كل الأبنية المجتمعية بمجتمعه. لكن تحقيق ذلك كما يرى مرقص – يتطلب تفعيل المواطنة القاعدية، والتي تتضمن المساواة التامة بين أفراد المجتمع، والتمكين الاجتماعي لكافة المواطنين داخل الأبنية المجتمعية المختلفة، سواء كانت أبنية إجتماعية وثقافية أو أبنية سياسية دون أي تمييز بين أفراد المجتمع.

د.سمير مرقص

 يتفق سمير مرقص مع ما ذهب إليه وحيد عبد المجيد من أهمية تأمين مجال عام مفتوح للجميع، وضرورة أن يتسم هذا المجال العام المفتوح بكونه «جامعا لغير المتماثلين وليس المتماثلين فقط»، مشيرا إلى أن «زمن الإقصاء القسري للمواطن قد ولى»، فالعالم أصبح أمام ما يُطلق عليه «مواطنة كوكبية متحررة».

 في تعقيبه على ما أشار اليه سمير مرقص عن المواطنة النشطة، أوضح الناشط السياسى المعروف جورج إسحاق أن المجال العام أصبح مغلقا تماما أمام أي نشاط تفاعلي تشاركي، بالتالي كيف للمواطن أن يصبح مواطنا نشطا في ظل هذا المجال العام المغلق؟

Image result for ‫جورج إسحاق‬‎

د. جورج إسحاق

دور المثقف العربي

قضية بناء الإنسان العربي ومعالجة الفجوة بين العالم العربي والعالم المتقدم لا يمكن أن تطرح دون التطرق لدور المثقف العربي في هذا الصدد، حول تلك القضية يشير الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الأنثربولوجيا بقسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، إلى أن دور المثقف في عملية بناء الإنسان العربي، يتمثل في عدة أدوار منها خلق حالة من الوعي المجتمعي وذلك عبر نقل كل ما يطرح من أفكار جديدة بلغة تتناسب مع عامة المواطنين بحيث لا تصبح تلك الأفكار التنموية الجديدة قاصرة على النخبة.

د. سعيد المصري

يضيف المصري أن الأمر الثاني يتعلق بدور المثقف العربي في المشاركة الفعالة في إدارة حوار مجتمعي يهدف إلى الوصول إلى نوع ما من الإجماع الوطني حول عدد محدد من الأولويات المجتمعية، عبر آلية البحث في القواسم المجتمعية المشتركة. أما النقطة الثالثة فتتمثل في طبيعة العلاقة بين المثقف العربي والحكومات العربية، ففي حين يرى البعض ضرورة أن تكون العلاقة مستقلة تماما ما بين المثقف والسلطة، يطرح المصري رؤية مغايرة يصبح فيها المثقف على علاقة وثيقة بالسلطة الحاكمة، حيث يشير إلى ضرورة أن يلعب المثقف العربي دورا في دعم منظومة إتخاذ القرار، بحيث يصبح دوره «تذويب الفجوة بين الدول والمجتمعات» على حد وصفه، وذلك بما يقترحه من سياسات قد تكون فاعلة في تحقيق منظومة الوصول لذلك الإنسان العربي الجديد.

اقرأ أيضا:

غير أن أكثر ما قد كان لافتا خلال هذا النقاش أن المشاركين فيه توافقوا على أن الحديث عن «بناء إنسان عربي جديد» هو بلا شك حديث عن أهمية النظر إلى المستقبل، مع التأكيد على أهمية التبصر فيما يعانيه العالم العربي من مآس في وضعه الحاضر، فلبناء إنسان عربي جديد هناك ضرورة ملحة لفتح المجال العام، وإجراء حوار مجتمعي تشارك فيه مختلف فئات المجتمع، إضافة إلى تطوير منظومة التعليم بمراحله المختلفة، مع التأكيد على أن حرية الرأي والتعبير هى السبيل إلى التقدم وبناء المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock