«أهل القمة .. الأثرياء الجدد .. سكان الكمبوند» هذه مسميات عدة أطلقت مؤخرا على فئة هؤلاء الأثرياء الذين ينفقون ملايين الجنيهات على شراء فيلات أو قصور بالساحل الشمالي أو داخل المناطق المعزولة المغلقة والتي عرفت «بالكمبوندات» في محاولة منهم لعزل وتمييز أنفسهم عن باقي فئات المجتمع.
الدكتورة أماني قنديل الباحثة المتخصصة في العلوم السياسية ودراسات المجتمع المدني أولت اهتماما كبيرا بتلك الظاهرة المتعلقة «بالأثرياء الجدد» ما جعلها تجري دراسة لمحاولة فهم تلك الظاهرة في سياق محاولة أكبر وأشمل لفهم طبيعة الحراك الاجتماعي في مصر مع التركيز على الفترة من (2011- 2018)، وذلك في كتابها الذي صدر هذا العام بعنوان «الحراك الاجتماعي في مصر.. محاولة للفهم».
تتساءل الدكتورة أماني في دراستها عن: من هم «أهل القمة» ما هى روافدهم؟ وما هى مصادر أموالهم؟ ما هى تلك الفئة التي باتت تحمل مسمى «رجال أعمال» مع عدم إرتباط أغلبهم بأي صناعة أو إنتاج أو تشغيل لأي عمالة؟، حيث يقتصر أمر معظمهم على العمل في مجال التجارة والسمسرة وقطاع الخدمات، وهى مجالات تصفها بكونها مجالات «طفيلية» لا تساهم في تغذية الإقتصاد المصري.
اقرأ أيضا:
الأكبر عددا والأكثر إحباطا: دراسة عن الشباب والحراك الاجتماعي والسياسي في مصر وتونس via @aswatonline https://t.co/KhAdbWf6bE
— أصوات Aswat (@aswatonline) July 22, 2019
تقف الدكتورة أماني مطولا أمام ظاهرة «أهل القمة» لتؤكد على أن الإستيلاء على أراضي الدولة أصبح أحد أهم مصادر الفساد وتراكم الثروات، والذي مثل ما قد أسمته «النفق التحتي للفساد» وهو ما نجم عنه ما أطلقت عليه «حراكا إجتماعيا زائفا».
الحراك الاجتماعي.. إلى أعلى أو أسفل
ترصد الدكتورة أماني في دراستها العديد من العوامل التي دفعت بالحراك الاجتماعي سواء إلى أعلى أو لأسفل خلال الفترة من 2011 حتى عام 2018 منها: إخفاق السياسات الاجتماعية والإقتصادية في تحقيق العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص على مستوى الأفراد والمحافظات، حيث تفاقمت ظاهرة الفقر، وذلك مع بروز شبكات تحالف النفوذ مع السلطة، «زواج المال بالسلطة»، إضافة إلى ارتفاع معدل العشوائيات والعنف إلى جانب ارتفاع معدل الإستيلاء على أراضي الدولة وتزايد الهجرة غير الشرعية.
إذ ترى الدكتورة أماني أن الحراك الاجتماعي يتأثر بتوجهات السياسة الإقتصادية والسياسات العامة للدولة، ومدى توفيرها لفرص متكافئة ونوعية أداء السياسات الخاصة بالتعليم والصحة على وجه التحديد، هذا إلى جانب فرص العمل المتاحة، والهجرة للخارج، والهجرة الداخلية من الريف للحضر، إلى جانب دور مؤسسات التنشئة الإجتماعية ومدى فاعلية المنظمات الوسيطة مثل الأحزاب والمجتمع المدني ودور جماعات المصالح والنقابات المهنية والعمالية، وقدرة الدولة على الحد من الفساد إلى جانب الحركات الاجتماعية.
تشير د.أماني إلى تنوع أنماط الحراك في مصر، ويتجسد ذلك التنوع في الإنتقال من مهنة أو موقع إلى آخر، أو الحراك المكاني/ المناطقي، أو حراك يغير من مركز الأبناء ومواقعهم عن الآباء نتيجة التعليم على سبيل المثال.
أهل القاع
جاء نوفمبر من عام 2016 ومعه قرار تعويم الجنيه المصري، ما نجم عنه دفع فئات جديدة من الفقراء إلى الغوص بدرجة أعمق داخل دائرة الفقر، وهم من أطلقت عليهم الدكتورة أماني مسمى «أهل القاع»، ذلك أن الحراك إلى أسفل صار ملحوظا، سواء في الطبقات الوسطى أو الدنيا، نتيجة لسياسات تحرير سعر الصرف إلى جانب توقيع إتفاق صندوق النقد الدولي الذي نجم عنه ارتفاعات متتالية لأسعار السلع والخدمات من مصروفات تعليم وصحة، وخدمات مياه وكهرباء ووقود.
وقد ربطت د. أماني بين الحراك إلى أسفل والعديد من الظواهر الإجتماعية الأخرى ذلك أنها ترى أن الحراك إلى أسفل يرتبط بشكل أساسي بتضخم ظاهرة البطالة وزيادة معدلات العنف وتعاطي المخدرات بين فئة الشباب على وجه التحديد، وانتشار العديد من الظواهر مثل الزواج العرفي وظاهرة أطفال الشوارع.
تكافل وكرامة
تعد قضية دور الدولة في الحراك الاجتماعي واحدة من القضايا الهامة التي فرضت نفسها على دارسي ظاهرة الحراك الاجتماعي، لذا لم يكن من المستغرب أن تطرح الدكتورة أماني تساؤلا مؤداه: هل الدولة تدرك مخاطر انسداد قنوات الحراك الاجتماعي ومخاطر محدودية العدل الاجتماعي وغياب الفرص المتكافئة؟
تجيب الدكتورة أماني على تساؤلها هذا بأن الدولة المصرية قد عمدت إلى تبني مجموعة من السياسات الاجتماعية التي هدفت لتقديم الدعم لعدد من الأسر الفقيرة، وضربت مثالا على ذلك ببرنامج «تكافل وكرامة» والذي استفادت منه نحو «2.2 مليون أسرة» من إجمالي ربع السكان الذين يعلن مسئولو البرنامج أنهم مستحقون لهذا الدعم، بالإضافة إلى برامج التغذية المدرسية والدعم العيني.
بالإشارة إلى أن برنامج «تكافل وكرامة» وغيره من برامج الدعم، بوصفها برامج لسد الإحتياجات الأساسية لتلك الأسر الفقيرة، تصبح النتيجة المثيرة للجدل تتمثل في أن ربع سكان مصر يعانون من «انغلاق فرص الحراك الاجتماعي أمامهم»، «الحراك إلى أعلى» وبالتالي يصبح «الحراك إلى أسفل» هو المنفذ المتاح لتلك الأسر الفقيرة وهو ما من شأنه إتساع بقعة ما أطلقت عليهم دكتورة أماني «أهل القاع».
المناخ السياسي الاجتماعي
شهدت الفترة من 2011 إلى 2018 حالة من الإنحصار الشديد فيما يتعلق بفاعلية دور مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، سواء كانت نقابات مهنية أو عمالية، أحزاب سياسية أو جمعيات أهلية أو حقوقية، وهو ما انعكس بدوره على فاعلية ما يمكن أن نطلق عليه «فرص الحراك» ذلك أن المناخ الاجتماعي السياسي أصبح «محاصرا» لتلك الفرص.
من جانب آخر تؤكد دكتورة أماني على أن اتساع الفساد المرتبط ببروز ظاهرة الثراء الفاحش لدى البعض، قد عمق من تلك الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ومع إتساع تلك الفجوة برزت تلك الظاهرة التي أطلقت عليها دكتورة أماني «ترحال الأغنياء» إلى ما وراء الأسوار العالية «الكمبوند».
تضيف دكتور أماني إلى أنه في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات إلى تزايد ظاهرة سكنى العشوائيات، تشير الإحصاءات أيضا إلى أن هناك نحو (9 ملايين) وحدة سكنية خالية بالتجمعات السكنية الجديدة، وأن أغلب مالكي تلك الوحدات يمتلكون وحدات سكنية أخرى.
كما تشير نتائج الدراسة إلى اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، تؤكد أيضا على إتساع الفجوة التنموية بين محافظات الوجه البحري ومحافظات الوجه القبلي لصالح الوجه البحري. ذلك أن الدراسة قد كشفت عن حالة من عدم المساواة في تخصيص الموارد لكلا الوجهين في مجالات (التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية)، ويمتد الأمر لتوفير فرص العمل.
هذا إلى جانب وجود حالة من الحراك الاجتماعي عبر شرائح الطبقة نفسها، حتى تبدو الطبقة الواحدة وكأنها تتكون من عدة طبقات، وتضرب الدكتورة أماني مثلا بتعدد الشرائح داخل الطبقة الوسطى حتى أن بعض الباحثين أصبح يستخدم مفهوم «الطبقات الوسطى» في إشارة إلى تعدد تلك الشرائح.
توصي الدكتورة أماني في ختام دراستها بضرورة الإهتمام بدراسة ظاهرة الحراك الاجتماعي، مع محاولة الوصول لخريطة تنموية، لا تتناول الأقاليم الأكثر فقرا أو الأكثر نموا فحسب، وإنما ترسم للمهتمين بدقة ما وصفته «بالنقاط الساخنة والنقاط الباردة» في عملية الحراك الاجتماعي، بمختلف محافظات مصر، مع أهمية تقديم تفسير لماذا الحراك الهابط والحراك الصاعد؟