«جمل الصيف بيتعارك مع جمل الشتاء» هكذا فسر والد الدكتور أحمد مرسي أستاذ التراث الشعبي بقسم اللغة العربية، بكلية الآداب، جامعة القاهرة «ظاهرة الرعد» لابنه الصغير حين شعر بالفزع الشديد من «صوت الرعد»، وهو تفسير خرافى لكنه لا يخلو من دلالات اجتماعية مهمة.
الخرافة والتفكير الخرافي من الظواهر الإجتماعية التي فرضت نفسها مؤخرا على باحثي العلوم الإجتماعية. وفي هذا السياق جاءت رسالة الماجستير التي أعدتها الباحثة نهاد محمد سليمان والتي أولت فيها اهتماما كبيرا بطرح ومناقشة تلك الظاهرة وأسبابها وتاريخها وتداعياتها.ففي دراستها للماجستير والتي جاءت تحت عنوان «المعتقدات الخرافية في المجتمع المصري، وتأثيرها على شبكة العلاقات الإجتماعية في محافظة القاهرة»، والتي تمت مناقشتها مؤخرا بقسم الاجتماع، بكلية الآداب جامعة عين شمس، تناولت الباحثة المعتقدات الخرافية مشيرة إلى أن تمسك بعض المجتمعات بتلك الخرافات إنما يرجع إلى كونها تؤدي وظيفة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو نفسية في حياة بعض الأفراد.
وتشكل الخرافات والمعتقدات الشعبية بوجه عام ما يسمى «بالنسق الأيديولوجي» ويقصد به – وفقا للباحثة -«نسق المعتقدات التي تفسر طبيعة العلاقة بين الإنسان والكون والممارسات والشعائر المتصلة بتلك المعتقدات»
تهدف الدراسة إلى محاولة التعرف على دور الموروث الثقافي والتنشئة الإجتماعية في تغذية المعتقدات الخرافية الشائعة بالمجتمع، بالإضافة إلى التعرف على أهم تلك المعتقدات الخرافية وآليات دعمها وأثرها على شبكة العلاقات الإجتماعية داخل الأسرة وعلاقات الجيرة والعمل.
وقد قسمت الباحثة في دراستها الخرافات الشعبية إلى عدة أقسام منها ما يتعلق بالخرافات المرتبطة بالتبرك بزيارة أضرحة الأولياء والقديسين،إضافة للإعتقاد بقدرة البعض على الإطلاع على الغيب، وغير ذلك من ممارسات وعادات اجتماعية لمقاومة الحسد وخصوصا في الريف.
بذور الخرافة
وقد اعتمدت نهاد سليمان في دراستها الميدانية على عينة من الإناث «بحي مصر الجديدة» كنموذج لحي راق، وعينة اخرى من «حي الخليفة» كنموذج لحي شعبي وانتهت إلى أن النساء -على وجه التحديد «الأم والجدة» – يلعبن دورا محوريا في غرس بذور التفكير الخرافي وما يرتبط به من سلوكيات وطقوس لدى أطفالهن.
وقد خلصت الباحثة إلى أن المعتقدات الخرافية تُعد جزءا لا يتجزأ من الموروث الثقافي للمجتمع المصري، ينتقل ذلك الإرث الثقافي من جيل إلى جيل عبر آلية التنشئة الإجتماعية، وأن مستوى التعليم لا يؤثر على عملية الإعتقاد بالخرافات ومن ثم تَبنّي التفكير الخرافي. فالموروث الثقافي المرتبط بالمعتقدات الخرافية، أقوى تأثيرا ورسوخا من العلم.
ووفقا للدراسة فقد لعبت وسائل الإعلام -على إختلافها – دورا محوريا في بث مزيد من المعتقدات الخرافية وذلك عبر بعض الأعمال الدرامية، إضافة لبعض البرامج التي تروج «لشيوخ الدجل والشعوذة». وإزداد الأمر سوءا مع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي وما تحمله من العديد من الصفحات التي تحوى مزيدا من المضمون الخرافي، ولعل عبارة «عُمّار البيت» التي صارت شائعة على «الفيسبوك» والتي يقصد بها أن هناك «عفاريت تسكن البيوت» في محاولة من مروجى هذا الكلام لتفسير بعض الأحداث التي باتت متداولة فيما بينهم والتي تحمل مضمونا غير قابل للتفسير، لهى أبرز دليل على إنتشار ذلك التفكير الخرافي.
ومن ناحية اخرى – توضح الدراسة – أن تلك المعتقدات الخرافية تؤثر تأثيرا سلبيا على شبكة العلاقات الإجتماعية، سواء كانت داخل الأسرة الواحدة أو على مستوى علاقات الجيرة والعمل، وهو ما ينجم عنه- وفقا لنتائج الدراسة – نوع ما من العلاقات التي لا تخلو من الغيرة والخوف والقلق.
وتربط الباحثة في دراستها بين شيوع المعتقدات الخرافية الغيبية والنسق الديني السائد بالمجتمع، مشيرة إلى إنتشار الكثير من «ممارسي الدجل» الذين يتخذون من الدين ستارا لممارسة أعمالهم تحت مسمى «العلاج بالقرآن أو بالإنجيل» ما يحيطهم «بهالة من الثقة والقداسة» تيسر لهم نشر تفكيرهم الخرافي بسهولة ويسر، وهو ما دعاها إلى أن توصي بأهمية نشر الوعي الديني «بصحيح الدين».
الخرافة بنت القهر
وفي مناقشته للباحثة في دراستها انتقد الدكتور أحمد مرسي ربط الباحثة إنتشار المعتقدات الخرافية والنسق الديني السائد، مشيرا إلى أن الخرافة والتفكير الخرافي جاءت سابقة على كل الأديان السماوية،وأن الأديان لم تتناول «الخرافات»، بل تناولت «الغيبيات»، والغيب في اللغة هو «كل ما غاب عن جهل» «فالملائكة والجنة والنار كلها من الغيبيات»، وبالتالي لا يتساوى الإيمان بالغيبيات مع الإعتقاد بالخرافة بطبيعة الحال.
يرى الدكتور أحمد مرسي أن الإيمان ببعض الخرافات هو أمر شائع لدى كل شعوب العالم، فالخرافة ظاهرة إنسانية، والإنسان حين يشعر بالعجز عن تفسير شيء ما يلجأ للتفسير الخرافي كوسيلة للتخفيف عن نفسه من هول ما لا يدركه، ذلك أنه غالبا ما يكون قاصرا عن تفسير بعض أمور حياته تفسيرا سليما، الأمر الذي يجعله يلجأ أحيانا للتفسير الخرافي.
اقرأ أيضا:
حيثما كان الفقر تكن الخرافة via @aswatonline https://t.co/ZFSOjPEnzE
— أصوات Aswat (@aswatonline) August 11, 2019
وفي هذا الإطار يميز الدكتور أحمد مرسي بين الإيمان بالمعتقد الخرافي، والسلوك المرتبط بذلك المعتقد، مؤكدا على أهمية البحث في أسباب شيوع الخرافة والتفكير الخرافي بالمجتمع، والدور الذي تلعبه المؤسسات التعليمية على إختلافها، نتيجة لنظام التعليم القائم على التلقين، وفي غياب التفكير العلمي في مقابل شيوع التفكير الخرافي.
ويربط الدكتور أحمد مرسي بين شيوع الخرافة والتفكير الخرافي،وظاهرة القهر السياسي والإجتماعي، فالإنسان المقهور يبحث عن حل لمشكلاته، والقهر يؤدي إلى الشعور بالعجز، وعندما يعجز الإنسان عن تفسير ما يحدث له فإنه يلجأ إلى الخرافة.
الوعي الثقافي طريق النجاة
تختتم نهاد دراستها بتقديم مجموعة من التوصيات التي يمكن لها العمل على الحد من شيوع الخرافة والتفكير الخرافي، عبر الإهتمام بنشر الوعي الثقافي عن طريق الإهتمام بالمكتبات المدرسية والعامة وتوفير الكتب بنسخ إلكترونية، ما من شأنه دعم القراءة، ومن ثم دعم التوجه نحو مزيد من التفكير العلمي.
وتوصى الدراسة بالعمل على دعم الأنشطة الإجتماعية والثقافية مع التأكيد على أهمية مشاركة النساء بتلك الأنشطة، مع ضرورة وجود آلية ما للرقابة على المحتوى الإعلامي المروج للخرافة، ومنع تلك الإعلانات التي باتت منتشرة للدجالين والمشعوذين على العديد من القنوات الفضائية.
كما توصي بضرورة إقرار «عقوبة قانونية رادعة» لكل من يمارس أعمال الدجل والشعوذة، مع الحرص على القيام بحملات توعية وندوات وبرامج تليفزيونية تهدف إلى إبراز تلك المخاطر المرتبط بإنتشار المعتقدات الخرافية.