تميز بحضوره الآسر، وبخفة دمه المصرية الجميلة التى لا تخفى على أحد. كان قادرا فى كل مشاهده الكوميدية الرائعة التى تميز بها، سواء على خشبة المسرح أو في السينما والتليفزيون، على إشاعة البهجة والضحك، على وجوه عشاقه الذين أحبوه. وكثيرون ممن أحبوا هذا الفنان المبهج الضاحك ربما ظنوا أن الحزن لم يعرف إليه طريقا، غير أن الحقيقة كانت غير ذلك تماما فقد ظللت سحابات الحزن والفقد حياته الخاصة، وملأتها بالوجع والألم… إنه الفنان الكوميدى الراحل إبراهيم سعفان صاحب أجمل وأشهر الإيفيهات الكوميدية فى المسرح المصرى.
موهبة مبكرة
ولد إبراهيم سعفان فى حارة سعفان بالحى القبلى بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية فى 13 سبتمبر من عام 1924، وكان أبوه رجلا متدينا فأصر على إلحاقه بالأزهر الشريف، وبالفعل التحق ابراهيم بالمعهد الدينى بشبين الكوم، غير أن حب التمثيل كان يسرى فى دمائه منذ طفولته، وكان يمثل مسرحيات ويؤدى مشاهد تمثيلية أمام زملائه بالمعهد، الأمر الذى أغضب بعضهم عليه. إذ كيف يكون أزهريا وممثلا مشخصاتيا فى آن واحد؟
لم يعبأ إبراهيم بغضب زملائه ولا بتهديد بعضهم له بأن يخبروا والده الرجل المتدين المحافظ بأن ابنه قد انساق لغواية التمثيل ونداهة الفن. لكنه كان في الوقت نفسه يجل والده ويخشاه كثيرا، وقد امتثل لرغبته فى إكمال دراسته الأزهرية ليلتحق بكلية الشريعة بجامعة الأزهر ويتخرج منها عام 1957، حيث عين بعد تخرجه مدرسا للغة العربية كما حلم وتمنى والده يوما ما.
غير أن إبراهيم سعفان عاشق المسرح والمندوه لفن التمثيل ظل محافظا على حلمه الخاص، فالتحق أثناء دراسته بالأزهر بمعهد الفنون المسرحية عام 1951 ليزامل كلا من بدر الدين جمجوم ورشوان توفيق وحسن عبد الحميد و ورجاء سراج، وليلتحق بفرقة نجيب الريحانى التى استمر بها حتى رحيله. وقد أخفى إبراهيم سعفان خبر التحاقه بمعهد الفنون المسرحية عن والده الذى رحل دون أن يدرى بهذا الأمر.
https://youtu.be/8L_WveBq5v8
أنا مبسوط كدة!
وبعد تخرجه من معهد الفنون المسرحية بدأت مرحلة جديدة فى حياة إبراهيم سعفان، فقد تفرغ للفن عشقه وحبه الأول، إذ انطلق فى المسرح ليعمل فى أكثر من 40 مسرحية فى أدوار هامة ومؤثرة حفرت اسمه فى سجل أبرز ممثلي الكوميديا على خشبة المسرح المصرى، رغم أنه لم يحظ بدور البطولة فى أعماله المسرحية بل إنه لم يقدم أى دور بطولة فى باقى أعماله سواء السينمائية أو التليفزيونية. ومع ذلك ظل سعفان وما زال حاضرا طوال الوقت فى ذاكرة الفن المصري.
ولعل من أشهر أدوار سعفان المسرحية دوره فى مسرحية «الدبور» مع أبو بكر عزت وليلى طاهر عام 1964حيث قام بدور الرجل المسن المريض خفيف الدم الذى يُطلق إيفيها صار واحدا من أشهر الإيفيهات فى تاريخ المسرح المصرى وهو يقول للممرضة الجميلة التى قامت بأداء شخصيتها الفنانة ليلى طاهر «أنا مبسوط كدة.. أنا مرتاح كدة».
وتنوعت أدوار إبراهيم سعفان الكوميدية فى المسرح فهو عبد العزيز أو زيزو ابن الذوات المدلل فى مسرحية سنة مع الشغل اللذيذ، وهو مندور بك تاجر الكتان فى مسرحية الأستاذ مزيكا.. ومن خلال عمله بفرقة نجيب الريحانى وفرق التليفزيون المسرحية والمسرح الكوميدى قدم إبراهيم سعفان عددا كبيرا من المسرحيات مثل زيارة غرامية و حركة ترقيات والزوجة آخر من يعلم وعريس فى أجازة وسفاح رغم أنفه ومين ما يحبش زوبة وصباح الفل يا فل واتنين على الدبوس التى كانت آخر أعماله المسرحية. كان عاشقا للمسرح يؤمن بأنه أبو الفنون ويعتقد اعتقادا راسخا أن مقدرة الفنان وموهبته تتجلى أكثر ما تتجلى على خشبة المسرح.
محامى السينما
وفي السينما مثّل إبراهيم سعفان عددا كبيرا من الأفلام بدءا من أول أدواره فى حسن ونعيمة عام 59، وقد استعان به عبد الرحمن الخميسى مكتشف السندريلا الجميلة سعاد حسنى كى يقوم بتعليمها أصول وقواعد اللغة العربية ومخارج الألفاظ. ثم توالت أدوراه السينمائية بعد ذلك، والتي استطاع من خلالها أن يثبت موهبته التمثيلية المتفردة، فهو حكشة إبن البواب فى أضواء المدينة، وهو قائد الأوركسترا فى «أخطر رجل فى العالم»، وهو وزير إمارة ماتيتيا فى «عريس بنت الوزير»، وهو سجين الحجز لاعب الشطرنج فى «إنت اللى قتلت بابايا» وهو مدير الشركة فى فيلم «مين جوز مين» وهو اسماعيل خفاجى المحامى فى «سفاح النساء».
ومن المعروف أن إبراهيم سعفان تميز طوال مسيرته الفنية بأداء دور المحامى بشكل رائع ومعبر تماما حتى اعتبره النقاد من أفضل عشرة ممثلين أدوا دور المحامى على شاشة السينما المصرية. وقد تميز إبراهيم سعفان بأدواره فى عدد كبير من الأفلام نذكر منها المشاغب عام 65 و30 يوم فى السجن عام 66 وأخطر رجل فى العالم عام 67 وعفريت مراتى وجزيرة العشاق عام 68 بالإضافة إلى أدواره الرائعة المتميزة فى أونكل زيزو حبيبى مع محمد صبحى وكذلك دوره فى ميرامار مع شادية ويوسف شعبان ودوره فى مذكرات الآنسة منال، كما شارك فى فيلم «تجيبها كدة تجيلها كده هى كده» عام 82 وهو آخر أعماله السينمائية.
عمل سعفان مع كبار المخرجين من أمثال نيازي مصطفى والسيد بدير وحلمي رفلة وهنري بركات وعباس كامل وصلاح أبو سيف، وجميعهم كانوا يدركون موهبة سعفان الفطرية.
كما مثل إبراهيم سعفان للتليفزيون عددا من المسلسلات مثل «اللقاء الأخير» و«الحل اسمه نظيرة» و«المصيدة» و«وجهان للحب» و«أعقل زوجين فى العالم»، و«عاشق الربابة» الذى قال عنه أصغر أبنائه محمد عازف القانون بدار الأوبرا إنه العمل الوحيد من أعماله الذى كان سعفان يحرص على مشاهدته من وقت لآخر. وللإذاعة مثل إبراهيم سعفان عددا من المسلسلات منها مدرسة المشاغبين وشلة الأنس ومذكرات زوج ودنيا بنت دنيا الليل.
الكوميديان الحزين
هناك مقولة يرددها أهل الفن دائما وهى أن الفنان الكوميدى الذى يؤدى أدوارا تُضحك الجمهور وتبعث البسمة على الوجوه يكون غالبا حزينا فى حياته الخاصة. وأبرز مثال على ذلك إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسى وزينات صدقى. أما إبراهيم سعفان فتنطبق عليه هذه المقولة بأكثر مما نتخيل، فرغم أن الرجل كان بارعا فى الكوميديا ورغم أن المخرجين حصروه فى أدوار الكوميديا الخالصة، إلا أن جبلا من الحزن كان يجثم فوق صدره لا يبارحه أبدا. فقد تعرّض هذا الفنان لمحنة خطيرة فى أولاده حين فقد أربعة أبناء ثلاثة ذكور وأنثى ماتوا كلهم فى عام واحد، بعد أن أصيبوا جميعا بمرض الجفاف فرحلوا تباعا، لكن الله كان رحيما بإبراهيم سعفان فعوضه ورزقه بخمسة أبناء بعد رحيل أشقائهم الأربعة، رزقه بابنة أولا اسماها رضا، ثم رُزق بعد ذلك بأربعة ذكور، لكن حزنه على من رحلوا ظل كبيرا وثقيلا.. وفى الرابع من سبتمبر عام 1982 وأثناء تصويره أحد المشاهد بستوديوهات مدينة عجمان الإماراتية داهمت إبراهيم سعفان أزمة قلبية حادة رحل على أثرها عن عمر ناهز الثامنة والخمسين، تاركا ثروة فنية كبيرة وتاريخا فنيا ناصعا.. رحمه الله.
https://youtu.be/vhRm-4Jwspc