منوعات

هيكل بين السادات والأَخَوَيْن مصطفى وعلي أمين.. صراع الحيتان

لا يغيب محمد حسنين هيكل ولكنه دائم الحضور، بل إن الكثير من المتاهات التي تحتاج إلى دليل يرشد، وتنادي على صاحب رؤية ثاقبة يشرح، وقلم مطلع على ما يجري في العالم ليضع النقاط فوق الحروف التائهة، كل هذا يستدعيه، ولسان حالنا يسأل عن رأيه فيما نحن فيه.

نفتقده ونفتقد رأيه «وسط الطوفان العارم الذي ساح فيه الحبر على الورق أكثر مما ساح من الدم في ميادين القتال»، صار بعيداً، ونذكره اليوم في ذكرى ميلاده السادس والتسعين، ونتذكر أنه «كان الأقرب إلى الحقيقة والأكثر قدرة على النفاذ إلى جوهرها وصميمها».

https://www.facebook.com/Aswatonline/videos/1240362972780262/?t=6

بداية ونهاية

ترسخت صورة ذهنية خاطئة عن علاقة محمد حسنين هيكل والرئيس أنور السادات من ناحية، كما راجت صورة ذهنية أخرى مشوشة عن علاقة هيكل بالأخوين مصطفى وعلي أمين من ناحية أخرى. والذي يراجع عشرات الكتب والمقالات والأعمدة الصحفية التي يحتويها ملف هاتين العلاقتين سيفاجأ  دون شك بحجم الخطيئة التي تجنت على الحقيقة في العلاقتين.

لا يكتمل تحليل علاقة هيكل بالرئيس السادات، إلا من خلال استطلاع أحد أكثر جوانب الصدام بينهما إثارة واشتباكاً، فالخلافات التي تفجرت عقب انتصار أكتوبر 1973، استخدم فيها السادات الكثير من الأسلحة، لكنه لم يجد وسيلة لضرب هيكل أفضل من الاستعانة بأصدقاء الأربعينيات، الأخوين أمين، وهما اللذان جمعتهما في البداية علاقة ود مع هيكل سرعان ما تحولت إلى عداء محكم، استخدمه السادات في توجيه أكثر ضرباته إيلاماً لهيكل عبر الانقضاض على ميراثه في مؤسسة «الأهرام».

السادات وهيكل

ما جمع بين السادات والأخوين مصطفى وعلي أمين، أنهم جميعاً بدأت علاقتهم مع محمد حسنين هيكل بالقرب الشديد والود الظاهر، وانتهت بعداوة مفرطة، وخصومة جارحة، ولكن البدايات كانت مختلفة.

قبل نهاية سنة 1953 كان مصطفى أمين وتوأمه علي أمين في طريقهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية على طائرة واحدة، وتراءى لهما أن يكتبا وصيتهما، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكون هيكل هو الصديق الذي أؤتمن على تلك الوصية، وفيها أنه ضمن عشرة أسماء يؤلَف منها مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» الذي ستؤول إليه ملكية المؤسسة يتصرف فيها المجلس حسب السياسة التي يقررها.

وعاد التوأم من أمريكا، وواصلا نشاطهما الصحفي الناجح، وانطلق من قواعد إطلاق النجوم في «أخبار اليوم» نجم جديد في سماء صاحبة الجلالة، لم يلبث أن صار  قطب النجوم، وهو بالطبع محمد حسنين هيكل، وجرت مياه كثيرة في نهر علاقته مع التوأم أمين. وعند منتصف الستينيات خرج علي أمين مندوباً متجولاً بالخارج من مؤسسة «الأهرام»، ودخل مصطفى أمين السجن مداناً في قضية تجسس لصالح المخابرات المركزية الأمريكية.

على مسار مواز بدأت علاقة السادات مع هيكل مبكراً جداً مع اقتراب الصحفي المنطلق إلى القمة من صناع القرار بعد ثورة يوليو 1952، ثم استقرت علاقتهما تحت جناح عبد الناصر، وكان السادات يحسده في بعض الأوقات على قربه الشديد من الرئيس.وقرب رحيل عبد الناصر كانا – السادات وهيكل – من أقرب معاونيه ، وبعد الرحيل وجدا نفسيهما مجبريْن على التحالف حد التطابق في مواجهة مع جماعة من المتنفذين عند قمة السلطة لم يكن  كلاهما على وفاق معهم، وانتصرا معاً على هذه الجماعة في مايو 1971، وانفرد السادات بالحكم، وظل محافظاً على قربه من هيكل حتى حرب أكتوبر 1973، وبعدها مباشرة طفت الخلافات بينهما على السطح، وكانت المراكز قد اختلفت، وتعدلت التوجهات، وصار مطلوباً من هيكل أن يعبر عن سياسات لم يعد مقتنعاً بصحتها، فافترقا عند اللحظة نفسها التي عاد فيها علي أمين من الخارج، وخرج مصطفى أمين من السجن، وهي اللحظة نفسها التي واكبت قرار السادات بإخراج هيكل من مؤسسة «الأهرام».

مصطفى وعلي أمين يتوسطهم هيكل

السادات يطيح بهيكل

أراد السادات أن يكون خروج هيكل من «الأهرام»، جارحاً وموجعاً، وخطط لذلك من وراء ظهر هيكل، وكان الخلاف قد استحكم بينهما منذ زيارة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الشهير للقاهرة يوم 7 نوفمبر 1973، ومحادثاته مع  السادات، وكان التوتر يزداد في العلاقة فيما بينهما مع كل يوم، أراد السادات من هيكل أن «يلتزم»، بالخط السياسي الذي يرسم ملامحه الجديدة مع كيسنجر، وأن يكون «داعية»، هذا الخط الجديد لدولة السادات بعدما اكتسب نظامه شرعية النصر في حرب أكتوبر 1973.

وكان هيكل يريد أن يظل على اطلاع واسع بكل ما يجري، وأن يحتفظ في الوقت نفسه بمسافة تنأى به عن المسؤولية عما يجري، وقد رأى وقتها أن أوراق التفاوض تخرج من اليد المصرية واحدة بعد أخرى بلا ثمن، وبدون مقابل، وكتب حول هذا المعنى أكثر من مقال، فكانت اللقاءات بينه وبين السادات عاصفة، وكانت الخلافات قد وصلت ذروتها، وتوصل هيكل إلى قراره بضرورة أن يبتعد عن الاشتراك فيما يجري، وأن يكتب ما يمليه عليه ضميره تاركاً النتائج لما تجيء به الأيام.

هنري كيسنجر                              محمد حسنين هيكل

ولكن السادات كان قد سئم طريقة هيكل، فقرر أن يبعده بطريقته، وكان السيناريو الأول، وربما الذي يفضله السادات، أن يعرض على هيكل العمل معه مستشاراً للأمن القومي «كيسنجر بتاعي»، كما كان يقول له- يقصد أنه يريد لهيكل أن يكون كيسنجر السياسة   المصرية-أو العمل نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وفهم هيكل أن السادات يفكر في إبعاده عن «الأهرام»، مركز ثقله، وإنجاز حياته الأهم، فرفض العروض المطروحة أمامه وكان قراره إما «الأهرام»، أولا شيء إطلاقاً.

المرة الأولى التي عرض السادات على هيكل أن يترك «الأهرام»، كانت قبيل حرب أكتوبر مباشرة، دعاه إلى استراحة «برج العرب»، في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر، وفي اللقاء أخبره السادات بالموعد التقريبي للمعركة، وطلب منه صراحة أن يتفرغ للمشاركة في الإعداد للعملية السياسية والإعلامية التي تمهد وتصاحب بدء العمليات العسكرية، وأن يترك عمله في «الأهرام»، وأبدى هيكل استعداده لعمل ما يطلب منه مع بقائه في عمله الصحفي، ولم يكن السادات وقتئذٍ في وضع يجعله قادراً على تنفيذ رغبته في نزع هيكل من مركز قوته.

في أواخر شهر ديسمبر كانت مسيرة العلاقة بين السادات وهيكل قد وصلت إلى طريق مسدود، وكانت مقالات هيكل في نظر السادات تحدث «بلبلة»، في الرأي العام، وهو في نظره يكتب كسياسي يريد أن يفرض وجهة نظره على من يحكم، وليس كصحفي مهمته ـ حسب رأي السادات ـ أن يروج لما يقرره الحاكم، وكان يعلم يقيناً أن «هيكل في البروباجندا لا يُعلى عليه» بنص عبارته.

وسط تصاعد الخلافات بين هيكل والسادات عاد علي أمين من الخارج بعد تسع سنوات تنقل خلالها بين  ولايات  أمريكا وعواصم أوروبا وبعض العواصم العربية، وخلال هذا المناخ قرر السادات أن يفرج بتوصية من كيسنجر عن مصطفى أمين بعد تسع سنوات قضاها في السجن مداناً بالتخابر مع المخابرات الأميركية، وفور عودته من الخارج زار علي أمين هيكل بمكتبه في «الأهرام»،  وبدا سعيداً وفخوراً بما شاهده في المبنى الجديد الذي لم يكن قد رآه من قبل، وظل عدة أيام يتردد على «الأهرام»، تأتي به سيارة هيكل كل صباح، ويبقى فيه حتى يغادره في نهاية اليوم، وتغدى علي أمين أكثر من مرة مع مفكري وكُتّاب «الأهرام»، في حضور هيكل، وبدعوة منه، وكأنه في «مهمة استطلاع» راح علي أمين يسأل عن كل ما يراه، ويحرص على أن يتعرف على كل من يراه.

في تلك الأثناء جرى لقاء بين السادات وهيكل يوم 21 يناير 1974، وبدأ السادات يمهد لإخبار هيكل بقراره الإفراج عن مصطفى أمين بالقول إنه قرر الإفراج عن بعض قادة الطيران الذين حوكموا بعد 1967، وبينهم الفريق «صدقي محمود» قائد الطيران السابق، بناء على طلب حسني مبارك قائد سلاح الطيران وقتها، وتحدث السادات عن متاعبه مع جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل، وذكر أن طلباتها لا تنتهي: «إنها تريد مني أن أفرج عن كل المسجونين عندي من جواسيس إسرائيل»، ثم استطرد السادات يقول لهيكل: «طبعاً هنري (كيسنجر) استغل الفرصة بالمرة، وطلب مني هو الآخر أن أفرج عن عدد من الأشخاص حُكم عليهم في قضايا تجسس لصالح المخابرات المركزية، على أي حال لن أوجع دماغي، وسوف أعطيهم لهم وأخلص منهم».

وفاجأ السادات هيكل على غير توقع منه بسؤاله: «إيه رأيك أفرج عن مصطفى أمين؟، هم يطلبونه، وأنا أريد أن أجامل الأمريكان فيه». وحسب رواية هيكل فقد اقترح على السادات أن يجعل فاصلاً أسبوعاً أو أكثر بين الإفراج عمن طلبتهم مائير وطلبهم كيسنجر، وبين الافراج عن مصطفى أمين حتى لا يساء تفسير الربط بينه وبينهم، ونظر السادات إلى هيكل بنصف ابتسامة ونصف عين، وهو يقول له بطريقته الشهيرة: «أنت عامل لي بتفهم في السياسة مع أنك لو كنت تفهم في السياسة لوافقتني على الإفراج عن مصطفى أمين ضمن هذه الصفقة حتى لا يستطيع أن يفتح فمه في يوم من الأيام، وإذا فتحه نقدر نضربه بالجزمة».

وأخبر هيكل السادات أنه كان ينوي أن ينقل إليه، رغبة علي أمين في أن يأخذ توأمه من باب السجن إلى باب الطائرة إلى أي مكان في العالم. وكان رد السادات: عال، يأخذه، ويغوروا.

هذه هي الصورة التي أراد السادات أن تصل إلى هيكل، ولكن ـ على أرض الواقع ـ كانت هناك أمور كثيرة تجري من خلف هيكل، ولا يعلم عنها إلا النذر اليسير، من بينها أنه عرف بالصدفة أن علي أمين يلتقي في سهرات ليلية مع محمود أبو وافية صهر الرئيس السادات وبعضا من أفراد أسرته النافذين وكانت تلك «المسالك الخلفية» ترتب تفاصيل «اللعبة الكبرى».

صدر قرار الرئيس السادات بالإفراج الصحي عن مصطفى أمين يوم 27 يناير سنة 1974، وبدأت وفود التهنئة تتدافع إلى بيته، وذهب هيكل يهنئه، واستقبله مصطفى أمين بأحضان أحسها هيكل «ميكانيكية»، ولم يقابل هناك علي أمين الذي بدا أنه منهمك بأمرٍ ما شغله عن التواجد إلى جانب توأمه في لحظة مهمة وسعيدة.

أربعة أيام فقط بعد الإفراج عن مصطفى أمين، وأصدر السادات قراره يوم 31 يناير سنة 1974 بإقالة هيكل من رئاسة «الأهرام»، وتعيينه مستشاراً له، وتعيين الدكتور عبد القادر حاتم رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العريقة، وغادر هيكل «الأهرام»، بعد ظهر يوم أول فبراير بعد أن جرت عملية تسليم وتسلم مع خلفه، وأصدر تصريحه الشهير: «استعملت حقي في إبداء رأيي على صفحات جريدة «الأهرام»، واستعمل الرئيس السادات سلطته في إبعادي عنه، وهكذا فإن كلاً منا قد مارس ما لديه».

د. عبد القادر حاتم

رفض هيكل بتصميم أن يستجيب لتدخلات كثيرين أرادوا أن تمر «العاصفة» بدون خسائر كبيرة على الطرفين، وحين اتصل به وزير شؤون رئاسة الجمهورية يبلغه أنه أعد له جناحاً من خمس غرف في «قصر عابدين» ليمارس منه دوره كمستشار للرئيس، قال له: لن أذهب إلى «عابدين»، واعتبرها السادات تحدياً له، وقرر أن يكون الرد في «الأهرام».

مساء نفس اليوم أصدر السادات قراراً بتعيين علي أمين مديراً لتحرير «الأهرام»، وقد قوبل القرار بصدمة واسعة في الأوساط الصحفية، فضلاً عن صدمة داخلية تحولت إلى ما يشبه الرفض لوجود علي أمين في موقعه الجديد، وأراد السادات أن يظهر تأييده لعلي أمين فأصدر في يوم 8 فبراير قراراً جديداً بتعيينه رئيساً للتحرير.

ولم يكن هناك في ذلك الوقت من يتصور أن عجلة الأحداث ستدور بسرعة، وأنه في أسبوع واحد سيخرج مصطفى أمين من السجن، ويخرج هيكل من الأهرام، ويدخل علي أمين رئيساً لتحريرها، وسرعان ما انفجر الصدام بينه وبين قيادات «الأهرام» وأغلبية العاملين فيها، فاضطر السادات في شهر مايو (قبل مرور أربعة أشهر) إلى نقل علي أمين من «الأهرام» وأعاده إلى دار «أخبار اليوم» رئيساً لمجلس إدارتها، ومعه مصطفى أمين رئيساً للتحرير.

هيكل فى مرمى النيران

وبدأ تاريخ جديد في مصر، تغيرت بعده السياسات وتعدلت المواقف وأصبحت مصر في الركاب الأمريكي وكانت لحظة رجوع التوأم أمين إلى الصحافة المصرية هي إشارة انطلاق أبشع وأشنع حملات التشهير بجمال عبد الناصر وعهده، كل إنجازاته تحولت إلى مصائب، وكل قراراته تحولت إلى نكبات، حتى طالت الحملة المسعورة السد العالي وطالب البعض في حمأة ذلك السعار أن يُهدم السد العالي.

فور إطلاق سراح مصطفى أمين، انطلقت حملات تشهير ضد نظام جمال عبد الناصر ركزت على قضايا كثيرة وبدأت باتهام عبد الناصر بالجنون وقتل الدكتور أنور المفتي الذي اكتشف جنونه، واعتبرت «القطاع العام» نكبة، و«التصنيع» أم النكبات، وحولت العلاقة مع الاتحاد السوفييتي إلى «استعمار»، ووصفت مساندة حركات التحرر الوطني بـ«السفه»، وصورت عهد عبد الناصر في صورة أبشع من عصر النازي.

وكان لهيكل من كل ذلك نصيب من مدافع مصطفى أمين الثقيلة، وركز هو وأنصاره الجدد والقدامى على تحويل قصة تجسس مصطفى أمين إلى قضية حريات، في محاولة لإظهار أمين بريئاً بلا خطيئة، مظلوماً، مترفعاً فوق السجن، هازئاً من السجان، ومتهمين هيكل بكل نقيصة، فقدموه في صورة شيطانٍ ليس كمثله شيطان.

تشكلت «فرق هجوم» متخصصة في الكتابة عن هيكل، قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وكان لكل منهم حساباته وأهدافه من وراء المشاركة في حملات الهجوم الشرسة ضد هيكل لمصلحة مصطفى أمين، منهم  موسى صبري الذي كان من أكثر الصحفيين المقربين من السادات وعمل على تلطيخ صورة هيكل بأي طريقة وتبرئة مصطفى أمين من كل تهمة بما فيها تهمة التجسس، الثابتة في حقه.

ونصب مصطفى أمين وأبواقه محكمة على أوراق الصحف لمحمد حسنين هيكل، وكانت التهم التي وجهت إلى هيكل تزيد على عشر تٌهم كان من أهمها وأكثرها ترويجاً: أنه تواطأ على مصطفى وعلي أمين، وأنه هو الذي لفق التهمة لمصطفى أمين، وقام بنفي علي أمين، ومثل هذا الاتهام  يعطي لهيكل وزناً فوق أوزان كل مؤسسات السلطة المصرية،  التنفيذية منها والقضائية، وتجعل منه مهيمناً على سلطة المخابرات العامة التي راقبت وتابعت وصورت وسجلت وقبضت على المتهم متلبساً بجريمته، وفي وجود الطرف الذي يتخابر معه، وهو دبلوماسي له حقوق وحصانات فضلاً عن كونه تابعاً لدولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وتجعل هيكل مسيطراً لا على الصحافة وحدها، بل وعلى سلطات التحقيق التي اتهمت مصطفى أمين بأربع تهم عقوبة واحدة منها تصل إلى الإعدام، وهي تهمة إفشاء أسرار عسكرية في وقت الحرب، وهي التهمة التي برأته المحكمة منها، واكتفت بعقوبة الأشغال المؤبدة على التهم الثلاث الأخرى.

وإذا كان دلال هيكل على السلطة وقتها يصل إلى تلفيق التهم لبريء فهل كان هذا الدلال من القوة التي تدفع السلطة وقتها إلى التصادم مع الحكومة الأمريكية بالقبض على أحد دبلوماسييها ثم تلزمها بالاعتذار عما فعله وتقوم الإدارة الأمريكية بسحبه من مصر عقب الإفراج عنه مباشرة، وتقديم اعتذار من السفير باسم حكومته لوزير الخارجية المصري.

إعتراف أمريكى يدين مصطفى أمين

بعد ذلك بسنوات طويلة صدر في الولايات المتحدة كتاب تحت عنوان «ميراث من الرماد. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأميركية»، لمؤلفه «تيم وينر» المراسل الخارجي لأهم الصحف الأميركية، وهي صحيفة «نيويورك تايمز»، يكشف الكتاب لأول مرة النقاب عن عمليات أجرتها وكالة المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط منها ما يتصل بمحاولات اغتيال متواصلة لجمال عبد الناصر، وكشف الكتاب علاقة مصطفى أمين بالمخابرات الأميركية، وجاء فيه:

«وحدث أن قام ضابط مستهتر يتبع المخابرات بكشف علاقة المخابرات مع محرر صحفي بارز لإحدى صحف القاهرة يدعى مصطفى أمين، كان أمين مقرباً من عبد الناصر وكانت الـ«سي آي أيه» تدفع له الأموال مقابل الحصول على معلومات وعلى نشر تقارير إخبارية مؤيدة للسياسات الأمريكية، وكان مدير محطة المخابرات في السفارة في القاهرة يكذب على السفير بخصوص علاقة الوكالة بـ«مصطفى أمين»، ولكن أكاذيب مدير المحطة انكشفت، واتضح أن مصطفى أمين كان على قائمة من تدفع لهم المخابرات الأمريكية مبالغ مالية، وأن مدير المحطة واسمه «بروس أوديل» كان يتقابل بصفة منتظمة مع مصطفى أمين، وتم التأكيد لي أنه لم يتم تبادل أي أموال معه في مصر، ولكن حدث أن هناك صورة التقطت لإحدى الصفقات وتم القبض على مصطفى أمين وتصدرت القضية عناوين الصحف حول العالم وبها صورة بارزة لـ«أوديل» الذي كان يعمل تحت غطاء دبلوماسي».

وقائع علاقة هيكل مع أنور السادات، وكذلك تفاصيل قصته مع «الأخوين أمين» تصلح  قصة لفيلم درامي، قد لا يصدق المشاهد كثيراً من أحداثه، تلك العلاقة التي بدأت هادئة وطبيعية وجيدة وأكثر من طيبة، وانتهت صاخبة وعاصفة وجارحة كأننا أمام شريط سينمائي يحكي قصة «صراع حيتان هائجة في البحر حولته بجراحها إلى بقعة حمراء من الدماء».. وهي قصة يجب أن تُروى وقائعها بالتفاصيل وبالوثائق والوقائع في يوم من الأيام.

الفيديو جرافيكس:

نص:  Belal Momen
تحريك ومونتاج: Abdalah Mohamed

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker