منوعات

18 عاما على أحداث سبتمبر(1): أمريكا والجهاديون.. إلى أين؟

دانيل بايمان – مدير مركز دراسات السلام والأمن وأستاذ مشارك في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط

عرض وترجمة: أحمد بركات

حققت الولايات المتحدة نجاحات فائقة ضد تنظيمي القاعدة الدولة الإسلامية (داعش) وغيرهما من الجماعات الجهادية، تمثلت في القضاء على قياداتها المركزية والحد من هجماتها في الداخل الأمريكي. لكن المدهش – في الوقت نفسه – أن القضية الجهادية -رغم الضربات والضغوط الأمريكية- نجحت أيضا في تحقيق مزيد من النفوذ والتوغل على المستويات المحلية والإقليمية عما كانت عليه قبل أحداث 11 سبتمبر، وباتت أكثر قدرة على إلهام المزيد من الأفراد في الغرب لتنفيذ عمليات بالوكالة، كما أبدت التنظيمات الجهادية مقاومة فائقة أمام الحرب الشرسة التي قادتها أمريكا ضدها. ومن المرجح أن تستمر الحركة الجهادية بوجه عام.

https://youtu.be/I9J-B-THv-Y

خسائر.. و مخاوف متبادلة

رغم ذلك، فإن جهود الولايات المتحدة وحلفائها في مكافحة الإرهاب، ستقلص نطاق عمليات هذه الجماعات، خاصة الأكثر قوة منها، وربما تنشغل بالمطالب الملحة التي تفرضها الحروب الأهلية في بلدانها وأقاليمها. وفي الوقت نفسه، ستظل أمريكا وأوربا وغيرهما من الدول المستقرة عرضة لهجمات مستمرة، ولكن بدرجة أقل من الناحية النوعية، من قبل الجهاديين الذين تلهمهم تلك الجماعات، أو الذين تربطهم بها علاقات تنسيقية في الخارج. لكن الخطر الأعظم والتأثير الأعمق سيقعان بقوة على المصالح الأمريكية في العالم الإسلامي.

في هذا السياق، تناقش هذه الدراسة خمسة محاور مركزية، يمثل أولها تقرير حالة موجزا عن العمليات التي قام بها الجهاديون في الولايات المتحدة وخارجها، كما يعرض لعوامل أخرى مثل مستوى الخوف العام لدى الشعب الأمريكي من العمليات الإرهابية، وهو عنصر مهم عند قياس الخطر الذي يشكله الإرهاب. ويبحث القسمان الثاني والثالث النجاحات والإخفاقات التي حققتها الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب. بينما يطرح الجزء الرابع أسئلة النجاحات والإخفاقات نفسها على الحركة الجهادية بوجه عام. وأخيرا يستشرف الجزء الخامس التوجهات المستقبلية المحتملة للحركة الجهادية، والتي يتوقع أنها ستصطبغ بمزيد من المحلية والإقليمية على حساب العالمية.

معيار خادع

يعتمد الحكم على مدى الخطر الذي يشكله الإرهاب الجهادي بدرجة كبيرة على العوامل المستخدمة في تقييمه. فعلى المستوى الأساسي، هناك تراجع واضح في أعداد القتلى الذين سقطوا على أرض أمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، إضافة إلى تراجع آخر كمي ونوعي في تجمعات الجهاديين في الداخل الأمريكي، حيث صارت تتألف من عناصر غير مدربة لا تربطها علاقات قوية مباشرة بمدبري العمليات الجهادية في الخارج.

 في نهاية عام 2018، كان عدد القتلى الأمريكيين الذين سقطوا جراء عمليات جهادية منذ أحداث 11 سبتمبر  104 أمريكيين، أي بمعدل 6 ضحايا في العام الواحد. ولم يشهد عام 2018، تحديدا سوى مقتل أمريكي واحد فقط داخل الأراضى الأمريكية جراء هجوم جهادي، عندما قتل مراهق رفيقه في ليلة مبيت خارج المنزل في حادث يصعب على كثيرين من المحللين ربطه بالأعمال الجهادية. وعلى مدى هذه السنوات (2001 – 2018)، وقع ما يقرب من نصف عدد القتلى (49 قتيلا) في هجوم واحد فقط، عندما أطلق عمر متين النار على ملهى ليلي في ولاية فلوريدا، ليعلن بعدها انتماءه إلى تنظيم الدولة الإسلامية. كان متين يعاني من بعض الاضطرابات، وقد أعلن في أوقات مختلفة قبل هذا الهجوم انتماءه إلى حزب الله اللبناني ثم جبهة النصرة السورية الموالية لتنظيم القاعدة، وكلاهما منافس قوي لتنظيم الدولة الإسلامية. وقد رفض كثير من الجهاديين اعتبار متين خليفة لمحمد عطا، قائد خلية 11 سبتمبر.

رغم ذلك، تمثل هذه الأرقام معيارا خادعا لقياس حجم التهديدات التي يفرضها الجهاديون. فقد لقي أكثر من 140 أمريكيا حتفهم بين عامي 2002 و 2016 في مثل هذه الهجمات (باستثناء الهجمات التي وقعت في مناطق الحروب)، وهو رقم كبير نسبيا، لكنه أقل بكثير – على سبيل المثال – من عدد قتلى حادثة تفجير الطائرة بان أمريكان 103 في عام 1988 فوق بلدة لوكيربي الأسكتلندية، التي أودت بحياة 190 أمريكيا من إجمالي 270. لكن حصيلة القتلى الأمريكيين ترتفع إلى 7000 إذا تم حساب الجنود الأمريكيين الذين سقطوا في مناطق الحروب التي ينشط فيها جهاديون، مثل العراق وأفغانستان. وقد قتل كثير من هؤلاء الجنود في هجمات قام بها قوميون عراقيون أو جهات مقاومة أخرى، مثل الراديكاليين الشيعة المرتبطين بإيران. كما سقط 2000 من هؤلاء في أفغانستان على يد حركة طالبان التي لم تكن ترتبط  بشكل مباشر بالإرهاب خارج حدودها الإقليمية في حقبة ما بعد 11 سبتمبر، بغض النظر عن عدائها الشديد للولايات المتحدة داخل أفغانستان.

الإرهاب الأخطر.. فى أوربا

رغم ذلك، ينظر بعض الأمريكيين إلى حصيلة القتلى على نطاق أوسع. فالهجمات التي وقعت في أوربا تحديدا تعتبر في الغالب جزءا من التوازن الإجمالي للحرب على الإرهاب. وقد زادت مخاوف الولايات المتحدة من الإرهاب في أعقاب قيام تنظيم الدولة الإسلامية بقتل 130 من المدنيين الأبرياء في سلسلة هجمات في باريس في 13 نوفمبر 2015. وعبر هجمات دموية كبرى في فرنسا وأسبانيا والمملكة المتحدة، إضافة إلى العديد من الضربات النوعية الأقل حدة، قتل الجهاديون أعدادا من المدنيين في أوربا تفوق بكثير تلك التي أسقطوها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر. وبعد التراجع الذي حدث في نهاية العقد الماضي، ارتفعت مجددا أعداد الهجمات، وذلك عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية في أوج قوته في الفترة من 2014 إلى 2016، لكنها تراجعت مرة أخرى في السنوات الأخيرة. ثم شهد عاما 2018 و2019(حتى اليوم) مستويات أقل من العنف الجهادي. رغم ذلك، كانت الصورة في أوربا قبل أحداث 11 سبتمبر أشد  قتامة، عندما ضرب الإرهاب اليساري والإثني القومي معظم أرجاء القارة البيضاء. وبلغ عدد الهجمات ذروته في عام 1979 الذي اجتاحت فيه أوربا أكثر من 1000 هجمة. وبلغ معدل الهجمات 10 هجمات في كل أسبوع في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي. ووقعت أغلب حوادث العنف في كل من إقليم الباسك وأيرلندا الشمالية.  

قلقون للغاية

إضافة إلى ذلك، ينشط الجهاديون في الحروب الأهلية الدموية في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وتزيد أعداد القتلى بسبب الصراعات في أفغانستان والعراق وليبيا ومالي ونيجيريا والصومال واليمن ودول أخرى عن مليون ضحية. ويرتبط جزء فقط من هذا العدد – كما هو الحال مع الجنود الأمريكيين – بالجماعات الجهادية، إذ تتوافر قوى أخرى إلى جانب الجهاديين. وتعتبر  الحكومات (بعضها مدعوم من قبل الولايات المتحدة مباشرة، أو من قبل حلفائها) مسئولة عن مئات الآلاف من حالات القتل. برغم ذلك، يسهم الجهاديون في المعاناة الإنسانية على نطاق واسع. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى تمدد نطاق العمليات الجهادية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. وفي إشارة إلى انتشار تنظيم القاعدة في إفريقيا، يمضي منسق وزارة الخارجية الأمريكية لشئون مكافحة الإرهاب، السفير ناثان ساليس، إلى أبعد من ذلك إلى حد أنه يؤكد أن «ما نراه اليوم هو تنظيم قاعدة أقوى بكثير من أي وقت مضى».

ويسعى الإرهابيون – بطبيعة الحال – إلى القيام بأعمال تتجاوز حدود القتل، ويهدف أغلب عنفهم إلى تجذير حالة الخوف العام. في هذا السياق يقوم الإرهابيون بعمل يفوق بكثير ما يمكن أن تدل عليه إحصاءات القتلى. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن عدد الأمريكيين الذين يشعرون بأنهم «قلقون للغاية» من أنهم، أو أحد أفراد عائلاتهم، سيقتلون في عملية إرهابية قد ارتفع من 8% إلى 13% في الفترة من نوفمبر 2010 إلى يونيو 2017، بينما ارتفع عدد الذين كانوا «قلقين إلى حد ما» من 27% إلى 29%. لذا، فإنه «برغم تراجع أعداد القتلى نسبيا بعد أحداث 11 سبتمبر، إلا أن عامل الخوف يواصل الارتفاع بصورة مطردة، حسبما أشار محلل الإرهاب بريان مايكل جينكينز.

 (يتبع)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock