منوعات

18 عاما على أحداث سبتمبر(3-3).. مستقبل الحركات الجهادية فى العالم

دانيل بايمان – مدير مركز دراسات السلام والأمن وأستاذ مشارك في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط

عرض وترجمة: أحمد بركات

لا يزال أيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة) يحرص على خطاب مفاده أنه «وراء كل الصراعات التي يخوضها المسلمون، إما يد مباشرة للغرب الصليبي العلماني بقيادة الولايات المتحدة أو – على أقل تقدير – مباركته أو تستره أو تواطئه أو مخططاته». ورغم ذلك، فعلى المستوى العملي، لا تبدو أغلب الجماعات الجهادية متفقة على هذا الرأي، خاصة أن أحد أبرز ملامح الحركة الجهادية بوجه عام في العقد الأخير هو توجهها اللافت نحو المحلية واللامركزية.  

اقرأ أيضا:

طموحات

كانت الحركة الجهادية، ولا تزال – بما فيها تنظيم القاعدة – تمتلك طموحات محلية وعالمية. فتنظيم الدولة الإسلامية – حتى بعد سقوط دولته في العراق وسوريا – يجدد يوما بعد يوم الإلحاح على ضرورة تنفيذ هجمات في العمق الغربي، بما في ذلك الولايات المتحدة. رغم ذلك، لم تقم القاعدة بهجوم كبير واحد في الغرب منذ أكثر من عقد من الزمان (باستثناء إعلان التنظيم  في شبه الجزيرة العربية مسئوليته عن الهجوم الدامي على صحيفة شارلي إبدو في فرنسا في عام 2015.

وتفيد تقارير بأن التنظيم أصدر تعليماته في عام 2015 إلى فرعه في سوريا بالتركيز على الداخل السوري، وعدم الالتفات إلى أي أجندة عملياتية دولية. كما انصرف جل نشاط تنظيم الدولة الإسلامية على استعادة قوته في العراق وسوريا. وتركز أغلب الجماعات النشطة الأخرى، مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وبوكو حرام، والشباب، وطالبان، وغيرها، على الأوضاع التي فرضتها الحروب الأهلية التي تضرب بلادها وأقاليمها، وهو ما يستنفذ أغلب مواردها واهتمام قياداتها العليا. من ناحية أخرى، توفر الحروب الأهلية وما ينتج عنها من مشكلات محلية معينا لا ينضب لهذه الجماعات لإضافة عناصر جديدة إلى صفوفها. وفي كثير من هذه الدول، تهيمن هذه الجماعات على أجزاء من الدولة بسبب ضعف الحكومة المركزية، وهو ما يمكنها من نشر أيديولوجيتها عن طريق الدعوة، أو تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض الحالات.

ويمثل هذا التوجه نحو المحلية ببساطة – ولو بصورة جزئية – فرصة ارتبطت بصعوبات بالغة في مهاجمة الغرب بسبب نجاح جهود الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. فكثير من الحكومات في بلدان الشرق الأوسط أضعف بكثير مما كانت عليه قبل 18 عاما (عند وقوع أحداث 11 سبمتبر). وتتوافر هذه الفرص أيضا في منطقة الساحل الإفريقي، وشرق وغرب إفريقيا، وأجزاء أخرى من العالم. وبالنسبة لبعض الجماعات، مثل طالبان، تتواجد القوات الأمريكية فعليا على أرضها، وهو ما يمكنها من ضرب الولايات المتحدة والأعداء المحليين في وقت واحد.

يمثل مصير وطموحات نحو 30 ألف مقاتل أجنبي قاتلوا ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية ونجوا من فتك الآلة العسكرية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أيضا عاملا حاسما سيحدد بدرجة كبيرة شكل الحركة الجهادية في السنوات المقبلة. في هذا السياق، يؤكد بيتر نيسر في كتابه Islamist Terrorism in Europe (الإرهاب الإسلامي في أوربا) (2018) أن هؤلاء المقاتلين الأجانب لعبوا دورا محوريا في كثير من المؤامرات الإرهابية في أوربا، كما قام المقاتلون المحنكون الذين شاركوا في صراعات سابقة بدور الميسرين والمجنِدين في موجات الجهاد اللاحقة. وتبدي الحكومات اليوم اهتماما متزايدا بهذا الخطر يفوق بكثير ما كانت عليه قبل 11 سبتمبر، ومن ثم، جاءت سياسة مكافحة الإرهاب أكثر فعالية في التعامل معه.

مصدر قلق

ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تشهد هجوما واحدا من مقاتلين أجانب منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر، وتفوق المتطرفين المحليين على المقاتلين الأجانب في أوربا أيضا في السنوات الأخيرة، إلا أن تزايد أعداد المقاتلين الأجانب الأوربيين والعشوائية في أداء الأجهزة الأمنية يشكلان مصدر قلق بالغ. إضافة إلى ذلك، يؤكد دانيل بايمان في كتابه Road Warriors: Foreign Fighters in the Armies of Jihad (محاربو الطرقات: المقاتلون الأجانب في جيوش الجهاد) (2019) أن فترات السجن القصيرة نسبيا التي يقضيها المقاتلون الأجانب في العديد من الدول الأوربية تسمح لهم بتجنيد عناصر جديدة بمجرد إطلاق سراحهم. ومن المرجح أيضا أن تشكل عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم في العالم الإسلامي التي لا تتوافر لديها أجهزة أمنية قوية مشكلة كبرى، وتهدد بزيادة انتشار الجماعات الإرهابية في هذه البقعة من العالم في المستقبل وتفاقم الحروب الأهلية.

وتعوق عمليات سحب، أو خفض أعداد، أو تقليص التواجد العسكري الأمريكي في دول مثل أفغانستان وسوريا جهود استهداف الملاذات الآمنة الجهادية المحتملة. في هذا السياق كشف تقرير حكومي أمريكي عن أن خفض أعداد القوات العسكرية الأمريكية في سوريا قد ساعد تنظيم الدولة الإسلامية هناك على تحقيق عودة محدودة. رغم ذلك، لا تزال واشنطن تتمسك بوجود شبكة قاعدية إقليمية والعمل مع شركاء محليين، وهو ما يمنحها وسائل مباشرة وغير مباشرة للضغط على الملاذات الآمنة الجهادية في جميع أنحاء العالم. وعلى النقيض مما كانت عليه الأوضاع في حقبة ما قبل 11 سبتمبر، فإنه من المرجح أن تضاعف الولايات المتحدة الأمريكية جهودها على المستوى الحركي للتصدي لأي هجوم محتمل. ومن ثم، فإن أي انسحاب للولايات المتحدة من سوريا أو أفغانستان لا يعني بالضرورة عجزها عن استهداف الجهاديين في هذه الدول، برغم أن الأمر سيزداد صعوبة.

اقرأ أيضا:

هل تبتعد واشنطن؟

أخيرا، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تلقي نظرة فاحصة على مصالحها عند وضع استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب في الفترة المقبلة. فحالة عدم الاستقرار المتزايدة التي تعصف باليمن وغرب إفريقيا، والهجمات الإرهابية التي تضرب أجزاء من العالم مثل سريلانكا تشكل جميعها خطرا محدقا على هذه الدول، لكن تأثيرها على الأمن الأمريكي يبقى محل تساؤل، وربما تؤكد ضرورة أن تنأى واشنطن بنفسها عن هذه البقاع الساخنة. لقد ساعد التعاون الاستخباراتي الأمريكي والضغوط التي تمارسها واشنطن في مناطق الملاذات الجهادية الآمنة وتعزيز الحالة الأمنية الداخلية على بقاء الولايات المتحدة بمنأى عن الخطر الجهادي إلى حد كبير، كما ساعد أيضا على تقويض هذا الخطر في أوربا وفي غيرها من المناطق المهمة. بطبيعة الحال لن يؤدي ذلك إلى القضاء نهائيا على الإرهاب الجهادي، لكن تأثيره سيكون واضحا بدرجة كبيرة حتى في المناطق التي تكون فيها المصالح الأمريكية محدودة.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock