*أميرة جادون – أستاذ مساعد بمركز مكافحة الإرهاب -الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت
*أندرو ماينز –باحث في «برنامج التطرف»- جامعة جورج واشنطن
*عرض وترجمة: أحمد بركات
منذ نشأته في أفغانستان وباكستان في بداية عام 2015، برز «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» كأحد أكثر التنظيمات الداعشية دموية. وبينما نجحت عمليات مكافحة الإرهاب المستمرة في القضاء على عناصر القيادة داخل التنظيم، إلا أنه تمكن من التشبث بقدرته على تنظيم هجمات مؤثرة ،وسد النقص بصورة مطردة في مواقع قياداته.
اقرأ أيضا:
تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان.. كيف يتمدد داعش على حساب طالبان؟
وتُبرز الدراسة المتعمقة لخسائر القيادة التي تكبدها التنظيم في الفترة بين عامي 2015 و2018 الحضور القوي لهذه القيادة تحديدا في نانجرهار الموجودة فى (أفغانستان) وبلوشستان فى(باكستان). ويكمن أحد العوامل المهمة التي تسهم في قدرة التنظيم على تعويض خسائره على مستوى القيادة، في قدرته على تجنيد متشددين باكستانيين من ذوي الخبرات. لكن الطبيعة السرية للتنظيمات الإرهابية غالبا ما تجعل من الصعب تقييم مواردها، أو شكل وحجم بِناها القيادية. وبينما قدمت دراسات سابقة تقييما دقيقا للقدرات التنظيمية «لتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» عن طريق بحث شبكة تحالفاته العملياتية مع الجماعات المحلية، وتكتيكاته واستهدافاته، إلا أنه لا توجد دراسة منهجية واحدة قدمت تحليلا لجهود مكافحة الإرهاب واسعة النطاق التي بُذلت ضد هذا التنظيم لتوليد أفكار عن أحد أهم عناصره على الإطلاق، وهو عنصر القيادة.
في هذا السياق، تحاول هذه الدراسة الاستفادة من التقارير المعلنة والخاصة بخسائر «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» على مستوى القيادة في الفترة من 2015 إلى 2018، لتكوين أفكار جديدة تتعلق بقدرته الفائقة على تجديد قياداته. كما تسلط الضوء على الصعوبات التي تواجه القوات الأمنية في كل من أفغانستان وباكستان في اختراق مركزي النشاط العملياتي الرئيسيين للتنظيم في نانجرهار وبلوشستان، والدور المحوري للمتشددين الباكستانيين ذوي الخبرات في تعزيز الصفوف القيادية للتنظيم بصورة مطردة.
التحدى القادم
منذ نشأته في أفغانستان وباكستان في يناير 2015، لفتت الهجمات الإرهابية التي نفذها «تنظيم الدولة – ولاية خراسان» ضد أهداف مدنية، وأخرى تابعة للدولة، أنظار صانعي السياسات العالمية والإقليمية بقوة.ومؤخرا، أسفر سقوط دولة الخلافة التي أقامها «تنظيم الدولة الإسلامية» بعد هزيمته العسكرية في آخر معاقله ببلدة الباغوز السورية في مارس 2019، وعودته إلى تكتيكات حرب العصابات في سوريا والعراق، عن تخمينات بشأن أي من الولايات المتعددة التابعة للتنظيم الرئيسي ستشكل التحدي القادم للجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
من المرجح أن يشكل «تنظيم ولاية خراسان» الخطر الأكبر، خاصة عبر جناحيه في أفغانستان وباكستان. ولا يرجع الفضل في ذلك إلى القدرات التنظيمية الهائلة والمثبتة حتى الآن فحسب، وإنما أيضا إلى قدرته على اجتذاب فائض موارد تنظيم الدولة الإسلامية «المركزي»، التي تقدر حاليا بـ 50 إلى 300 مليون دولار. رغم ذلك، تبقى قدرة تنظيم الدولة «المركزي» على تسييل وتحويل أموال إلى فروعه، -التي أنشىء أغلبها في حقبة دولة الخلافة -، مبهمة. في المقابل، لا يبدو «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» معتمدا بالكلية على التمويلات القادمة من التنظيم المركزي، حيث تفيد تقارير أنه يستفيد بدرجة كبيرة من الإتجار في المعادن والأخشاب والطلق (نوع من المعادن) في الأسواق السوداء المحلية، إضافة إلى عمليات الابتزاز والخطف بهدف الحصول على فدية.
بيئة حاضنة
وبصفة عامة، فإن المشهد الأمني الأفغاني والباكستاني في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة المركزية فى كلا البلدين، وما يتمخض عن ذلك من عدم تطبيق القانون وانتشار طرق التهريب، يوفر بيئة عملياتية خصبة للجماعات الإرهابية. إضافة إلى ذلك، فإن «تنظيم ولاية خراسان» لا يمثل فقط تهديدا إقليميا في المنطقة، وإنما – بحسب محللين أمنيين – يستطيع أيضا القيام بدور الميسر والمسهّل لتنفيذ هجمات ضد الدول الغربية.
وتشير التغيرات التنظيمية التي أجراها تنظيم الدولة الإسلامية، وتمخضت عن ظهور «تنظيم الدولة الإسلامية – باكستان» و«تنظيم الدولة الإسلامية – الهند» في مايو 2019، إلى عزم التنظيم على مواصلة جهوده في المنطقة. وبالرغم من أن الوقت لا يزال مبكرا على فهم بواعث ونتائج هذه التغييرات بصورة كاملة، إلا أن إنشاء «تنظيم الدولة – باكستان» و«تنظيم الدولة – الهند» يؤكد إقدام قيادات التنظيم على إجراء إعادة هيكلة من شأنها أن تخدم أهداف الحضور الفعال للتنظيم في المنطقة. وبينما قد تؤدي هذه التغييرات إلى تنميط الأفرع المتعددة في المنطقة بحيث تعكس جميعها في نهاية المطاف نسخا متعددة لهيكلة واحدة، إلا أنها ستساعد بلا شك على تعديل وإدارة الاختلافات المتعلقة بالاستراتيجيات والتكتيكات الخاصة بكل فرع في كل دولة. من المرجح أيضا أن يمنح إنشاء فروع متعددة للتنظيم في كل دولة في منطقة جنوب وسط آسيا مزيدا من الاستقلالية للقيادة في كل بلد، والقدرة على استغلال التطورات المحلية والالتفاف على النزاعات بين القادة.
وبرغم كل هذه التطورات، لا يزال «تنظيم ولاية خراسان» يحتفظ بمكانته الخاصة كتنظيم جهادي له دور سياسي بغض النظر عن صداماته المتكررة مع جهات حكومية وغير حكومية، وخسائره الفادحة في عناصره المقاتلة. ففي كل من أفغانستان وباكستان، واجه التنظيم عمليات عسكرية مكثفة من أجل تقويض قاعدته المسلحة،
خسائر فى القيادات
واجه التنظيم عمليات عسكرية مكثفة من أجل تقويض قاعدته المسلحة، وقد أسفرت هذه الجهود لمكافحة الإرهاب عن قتل عناصر قيادية في التنظيم على مستوى المناطق والقطاعات والقطاعات الفرعية (ربما تكون هذه الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب مقبولة في بعض الظروف، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن القضاء على العناصر القيادية يؤدي إلى زيادة معدلات القتلى بشكل عام في صفوف الجماعات الإرهابية. ففي بداية عام 2016، حصلت المؤسسة العسكرية الأمريكية على سلطات أكبر في تدشين ضربات جوية ضد الناشطين والموالين لتنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، ومن ثم قام الجيش الأمريكي بإلقاء أقوى قنابله غير النووية على معسكر تابع «لتنظيم ولاية خراسان» في نانجارهار في أبريل 2017. وأدت الضربات الجوية الأمريكية إلى قتل عدد كبير من قادة التنظيم البارزين الذين كانوا يتخذون من أفغانستان مقرا لهم. من ذلك، ما أعلنه الجيش الأمريكي في أغسطس 2018 عن مقتل أبو سعد أوراكزاي في نانجارهار، ليكون بذلك رابع أمير للتنظيم يتم قتله بفعل هذه الضربات.
وفي باكستان أيضا، أسفرت الجهود التي استهدفت «تنظيم ولاية خراسان» عن اعتقال العديد من قادته البارزين، على رأسهم عمر كاثيو، قائد شبكة التنظيم في إقليم السند، الذي ألقي القبض عليه في يناير 2016. وقبل انضمامه إلى تنظيم الدولة الإسلامية كان كاثيو – الذي كان يتخذ من كاراتشي مقرا له – مسئولا عن التواصل مع المجندين نيابة عن تنظيم القاعدة منذ عام 2011. ويعد كاثيو واحدا من قائمة مطولة انشقت عن تنظيم القاعدة وأصبحوا قادة بارزين في «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» في باكستان. شملت هذه القائمة – من بين عناصر أخرى كثيرة – أفراد الشبكة التي نفذت مذبحة حافلة كراتشي في مايو 2015، وهو هجوم على حافلة تحمل ركابا شيعة، أسفر عن مقتل 40 فردا.
لا تلقي الأمثلة السابقة الضوء سوى على عدد قليل من الخسائر التي مني بها «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» على مستوى القادة. وبرغم وفرة التقارير التي تتناول عمليات الاستهداف الناجحة ضد مسلحي التنظيم، إلا أنه ليس هناك تقييم شامل مفتوح المصدر لخسائر التنظيم في أفغانستان وباكستان منذ عام 2015. إلى حد ما، يمكن أن تعمِق إجابة الأسئلة التالية فهم تمدد القاعدة العملياتية للتنظيم والأنشطة المتصلة بها:
- ما النتائج التي أسفرت عنها العمليات ضد «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» فيما يتعلق بالخسائر على مستوى القيادة في أفغانستان وباكستان على مدى السنوات الأربعة الماضية (2015 – 2019)؟
- ما هي القدرات التي يتمتع بها هؤلاء الأفراد، وما الأدوار التي يضطلعون بها؟
- ما المناطق التي برزت كبقاع ساخنة أو مراكز نشاط لهذه الكوادر؟
- ماذا نعرف عن المواطن الأصلية لهؤلاء القادة وانتماءاتهم السابقة قبل انضمامهم إلى “التنظيم “؟
إن البحث المستفيض والمتعمق حول «مَن» و«أين» و«كيف» يمكن أن يلقي الضوء على هيكلة وطبيعة هذه القيادات، وقدرة التنظيم على تعويضها، وهو ما ستحاول الدراسة سبر أغواره في الجزء التالي.
(يتبع)
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا