منوعات

«تنظيم الدولة الإسلامية– ولاية خراسان» (3-3) السيناريوهات المستقبلية

*أميرة جادون – أستاذ مساعد في «مركز مكافحة الإرهاب»، وفي قسم العلوم الاجتماعية في «الأكاديمية العسكرية الأمريكية» في ويست بوينت

*أندرو ماينز –باحث في «برنامج التطرف» بجامعة «جورج واشنطن»

*عرض وترجمة: أحمد بركات

يبحث الجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة جنسيات قادة «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان»، والجماعات التي كانوا ينتمون إليها قبل انضمامهم إليه، وتختم الدراسة بالسيناريوهات المستقبلية المتوقعة للتنظيم في ضوء جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة.

اقرأ أيضا:

جنسيات القادة

في هذا السياق، قام الباحثان بجمع بيانات عن جنسيات قادة التنظيم وقد دلت هذه البيانات على وجود 48 قائدا في أفغانستان ينتمون إلى جنسيات أجنبية، في مقابل 64 في باكستان. وكما هو مبين في الشكل 1، فإن أغلب القادة الأجانب في أفغانستان يحملون الجنسية الباكستانية، برغم تواجد عناصر أخرى بدرجة أقل، مثل الأوزبك والطاجيك والهنود. أمافي باكستان، فقد كانت الجنسية الوحيدة التي يحملها القادة غير الباكستانيين هي الأفغانية.

وتوضح الدراسة المتعمقة لطبيعة الأدوار والمواقع القيادية التي كان يشغلها هؤلاء الأجانب أن 11 من 42 باكستانيا في أفغانستان تقلدوا مواقع قيادية في المستويين الأول والثاني، وأن قادة المستوى الأول الذين تم استهدافهم في أفغانستان كانوا جميعا يحملون الجنسية الباكستانية. وعلى النقيض من ذلك، شغل جميع الأفغان في باكستان مواقع قيادية في المستوى الرابع فقط، باستثناء عناصر قليلة تقلدت مواقع في المستويين الثاني والثالث. يبين هذا أنه بينما سيستمر تموقع المستويين الأعلى (المستوى الأول والثاني) في قيادة «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» بدرجة كبيرة في أفغانستان أكثر منه في باكستان، إلا أن مواقع القيادة في هذين المستويين – بحسب الأوضاع السابقة – ستذهب بدرجة أكبر إلى باكستانيين منها إلى أفغان. يتماشى هذا الطرح مع نتائج سابقة مفادها أن «تنظيم– ولاية خراسان» يعمل في باكستان من خلال تحالفاته العملياتية، بينما تعمل العناصر الأساسية من قيادته العليا من داخل أفغانستان. من المهم أن نلفت هنا إلى أن هاتين الجنسيتين تعكسان فقط الكوادر القيادية في التنظيم، أما القاعدة العريضة فتضم طيفا أكثر تنوعا من الجنسيات، مثل الصينيين والشيشانيين والإيرانيين والفرنسيين والجزائريين والسودانيين والكازاخيين والبنغاليين، وغيرهم.  

الشكل 1: جنسيات قادة «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» الذين قتلوا أو أسروا في أفغانستان وباكستان

 الانتماءات السابقة

لاحظ الباحثان أن قادة «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» كانت لديهم انتماءات سابقة تتراوح بين أكثر من اثنتى عشرة جماعة راديكالية متشددة. تضمنت هذه الجماعات «الحزب الإسلامي قلب الدين» (الحزب الإسلامي الأفغاني الذي أسسه قلب الدين حكمتيار)، و«الحركة الإسلامية الأوزبكية»، و«حركة طالبان الأفغانية”»، و«حركة طالبان الباكستانية»، و«تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة الهندية»، و«فرسان الصحابة باكستان»، و«تنظيم الإسلام»، و«جماعة الدعوة»، و«جماعة لشكر طيبة»، و«جماعة جند الله»، و«البدر»، و«جماعة المسلمين»، و«جماعة لشكر جهنكوي»، و«شبكة حقاني». وبينما تتباين دوافع الانضمام إلى «تنظيم – ولاية خراسان» من قائد إلى آخر، يعرض الباحثان – بإيجاز – لحالتين لإبراز النشاط التجنيدي للتنظيم  من أجل توسيع قاعدته، وضم عناصر جديدة من جماعات أخرى، وأدلجتهم بما يناسب أفكاره، وذلك – بالأساس – عن طريق استغلال الشعور بالظلم الكامن مسبقا لدى هذه العناصر إبان انتمائهم إلى هذه الجماعات.

تتمثل الحالة الأولى في «الملا عبد الرؤوف خادم»، القائد السابق في «حركة طالبان الأفغانية». تم إلقاء القبض على «خادم» في عام 2001، وسجن لمدة ست سنوات في معتقل جوانتانامو لتورطه مع عدد من التنظيمات الإرهابية. وبعد إطلاق سراحه في عام 2007، عاد خادم إلى أفغانستان، وعُين حاكم ظل من قبل حركة طالبان على ولاية «أوروزجان» في عام 2011، لكن مجلس قيادة طالبان أصدر قرارا بخفض درجته إلى ’قائد‘ وأعيد تعيينه في ولاية «هلمند» بعد نشوب خلافات بينه وبين «الملا عمر». في أعقاب ذلك، انشق خادم عن حركة طالبان لينضم إلى «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان»، حيث تم تعيينه نائبا لقائدها على ولاية «هلمند» آنذاك الأمير حافظ سعيد خان. وفي فبراير 2015، لقي خادم حتفه على إثر ضربة أمريكية بطائرة مسيرة في مديرية «كاجاكي» بولاية «هلمند».  

أما في الحالة الثانية، فقد تحول تسعة أعضاء سابقين في «جماعة الدعوة» – الذراع الخيري لجماعة «لشكر طيبة» الباكستانية – إلى «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» على يد اثنين من مسئولي التجنيد في التنظيم، حيث قام الأخوان :(بابار المعروف أيضا باسم «أبو عكاشة») و (نديم بوت) بتجنيد ومتابعة ورعايةهذه المجموعة على مدى 15 شهرا لضمها إلى «تنظيم – ولاية خراسان». وبعد المبايعة في يونيو 2015، بدأت هذه المجموعة في العمل في قطاع التجنيد بالتنظيم لتعزيزه بعناصر جديدة من مدينة «سيالكوت» الباكستانية. وكجزء من العمل، قام بابار و بوت بتسهيل الاتصال بين هذه المجموعة و«أبو موافيا السلفي»، القائد الباكستاني المسئول عن مجموعة من المسلحين الباكستانيين الذين يقاتلون لحساب «تنظيم الدولة الإسلامية» في سوريا. ورغم أن هذه المجموعة، التي اتخذت من باكستان مقرا لها، لم تكن تنتوي الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية المركزي في سوريا والعراق، إلا أنها استغلت توافر قنوات اتصال مع التنظيم المركزي، وقامت بتكوين شبكة لبناء قاعدة في مدينة «سيالكوت» لتوسيع نطاق العمل التجنيدي في المدن المجاورة.

نجاحات ومعوقات

 إجمالا، تشير هذه الدراسة إلى أن جهود مكافحة الإرهاب ضد «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» قد أسفرت عن خسائر مؤثرة في صفوف قيادة التنظيم، مما أسهم بدرجة كبيرة – إلى جانب عوامل أخرى – في تراجع أعداد هجمات التنظيم في كل من أفغانستان وباكستان. رغم ذلك، لم تثبت هذه الخسائر أية فعالية في الحد من دموية التنظيم ووحشية عملياته حتى الآن. وتؤكد البيانات التي عرضت لها الدراسة أن جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان قد أسفرت عن قتل واعتقال 548 قائدا من التنظيم في الفترة بين عامي 2015 و2108 (يتضمن هذا العدد 4 أمراء في أفغانستان). وبرغم أن هذه الخسائر لم تفلح في القضاء بالكلية على قدرات التنظيم على تدشين هجمات بالغة الوحشية، إلا أنها أدت إلى الحد من سرعة مسارها التصاعدي.  

وتلفت الدراسة إلى أن أعلى معدلات تراجع فى عدد الهجمات التى شنها التنظيم في باكستان وأفغانستان يتركز بالأساس في العام التالي للعام الذي تكبد فيه التنظيم أعلى معدلات خسائر في قيادته، وقد تزامن هذا التراجع الكمي مع زيادة وحشية الهجمات في العام نفسه. على سبيل المثال، في أفغانستان، واجه التنظيم أعلى معدل خسائر في قياداته في عام 2017 (157 فردا، بينهم أميران)، وهو ما تبعه تراجع حاد في عدد الهجمات في عام 2018. رغم ذلك، كان عام 2018 أيضا هو العام الذي تجاوزت فيه معدلات القتلى والجرحى إضافة إلى الخسائر المادية جراء الهجمات الانتقامية التي شنها التنظيم جميع الأعوم السابقة.

يبقى تراجع دموية التنظيم في الشهور السبعة الأولى من عام 2019 جديرا بالملاحظة ومشجعا في آن. في الوقت نفسه، يبقى أيضا من غير الواضح مدى قدرة جهود مكافحة الإرهاب على مواصلة تحقيق مكاسب ضد التنظيم. في هذا السياق، تشير قدرة التنظيم على تدشين هجمات وحشية – بغض النظر عن الخسائر الفادحة التي مُني بها في صفوفه القيادية – إلى ضرورة بذل جهود أكبر وأكثر استمرارا للحد من قدرته على تنفيذ هذه الهجمات. وتبرز الدراسة المتعمقة لجهود القضاء على مقاومة التنظيم على مستوى الولايات في كل من أفغانستان وباكستان التنوع الجغرافي لفعالية استراتيجية القضاء على القادة، التي يمكن أن ترشد جهود مكافحة الإرهاب في المستقبل. لقد نجحت جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان في تقويض نشاطات «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» في بعض المناطق، مثل «ولاية جوزجان» الأفغانية و«المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية» (فاتا) الباكستانية، في المقابل بقيت «نانجارهار» في أفغانستان و«بلوشستان» في باكستان مركزين رئيسين للنشاط العملياتي للتنظيم. ويتمثل العامل الأهم الذي يكفل «لتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» المرونة والقدرة على الاستجابة السريعة بالأساس في «نشاطه التجنيدي» الذي يعول على اجتذاب عناصر جديدة من جماعات مسلحة قائمة بالفعل، وعلى رأسها «حركة طالبان باكستان» وجماعة «لشكر طيبة». ويتطلب انخراط العناصر المتشددة الأفغانية والباكستانية في الكوادر القيادية «لتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» تنسيق جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة حتى تتمكن من تقويض دينامية التنظيم وقدرته الفائقة على تجديد دمائه القيادية بصورة مستمرة.

اقرأ أيضا:

من ناحية أخرى، يشير إعلان مايو 2019 الذي يقضي بإعادة هيكلة «تنظيم  – ولاية خراسان» في جنوب آسيا إلى «ولاية باكستان»، و«ولاية الهند»، و«ولاية خراسان» (أفغانستان) إلى أن تباين البيئات العملياتية قد دفع -على الأرجح – باتجاه إنشاء ثلاث جماعات متمايزة. ومن المثير للاهتمام أن هذه التغيرات تأتي مباشرة في أعقاب تكبد التنظيم خسائر فادحة على مستوى القيادة في كل من أفغانستان وباكستان، وتراجع أعداد هجماته، والتغير في قياداته، وهو ما يؤكد وجود حالة من عدم الرضا عن الوضع السابق لدى قادة التنظيم المركزي. في الوقت نفسه، يمكن أن يمثل إنشاء «ولاية باكستان» و«ولاية الهند» ككيانين مستقلين محاولة جادة من قبل التنظيم لتحقيق مزيد من الاستقلالية لقادته في كل دولة، ومنحهم مزيدا من القدرة على الاستجابة السريعة للديناميات المحلية، وإضفاء الطابع المحلي على الجهود المبذولة في قطاع التجنيد داخل كل كيان.

بوجه عام، تلفت هذه التطورات – إلى جانب نتائج هذه الدراسة – إلى أن ’استراتيجية القضاء على القادة‘ التي اتبعتها قوات حلف الناتو والقوات الأمريكية، إلى جانب القوات الأفغانية والباكستانية، على مدى السنوات الماضية قد أثبتت بعض النجاحات، بالقدر الذي واجهت به بعض المعوقات. ففي حين تمثل أهداف تقييد عمليات التجنيد وتقويض القواعد العسكرية الخاصة بالتنظيم في مناطق العمليات الرئيسة أهمية قصوى، إلا أنه لا يزال من الضرورة بمكان بذل مزيد من الجهود المنسقة بين القوى المستهدِفة على جانبي «خط ديوراند»، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار قدرة التنظيم الفائقة على تدشين حملة إرهابية طويلة الأمد. إضافة إلى ذلك، تُظهر نتائج هذه الدراسة وجود حاجة ماسة إلى منهجية إقليمية أكثر شمولا للإبقاء على التنظيم تحت السيطرة، وهو ما يتجاوز استهداف كوادره القيادية إلى بذل مزيد من الجهود لتفكيك معاقله عبر عمليات حركية واستخباراتية، وتعطيل موارده المالية، وتقويض علاقاته مع الجماعات الإقليمية المتشددة ذات التأثير.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock