التحرش ظاهرة اجتماعية مسيئة وخادشه للكرامة الانسانية، يتعرض لها الذكور والاناث أطفالا وبالغين، وتتلون مظاهره بين التحرش الشفهي من إطلاق التلميحات الجنسية وتعليقات ذات إيحاءات، والالحاح في طلب اللقاء وطرح أسئلة جنسية ونظرات موحية به وبين التحرش الجسدي من ملامسة وغيرها من أمور ونظرات شبقية تطوق النساء وتحوم حول أجسادهن في البيئات المختلفة وهو ما يعد من ألوان إهانة المرأة واذلالها.
ويشهد العالم العربي بين الحين والآخر حالات يندى لها جبين الإنسانية وتثير الاشمئزاز وبالرغم من أن معظم القوانين التي صدرت في دول عربية وإسلامية مختلفة تردع ظاهرة التحرش إلا أن الكثير منها تحول إلى ممارسات اجتماعية حلت محل القوانين ولا يرتبط التحرش في مطلق الأحوال باضطرابات في شخصية المتحرش بل أن ثقافة المجتمع هي التي التي تغذيه وتسانده ولا تقف ضده كما أن الثقافة بكل عناصرها ومضامينها تحدد السمات الأساسية للمجتمع والتقاليد والمبادئ الأخلاقية فيه ويكتسب الأفراد والمجموعات هذه الثقافة من مختلف بيئات التنشئة الاجتماعية.
غياب ثقافة المساواة واحترام المرأة
وتعرف الاختصاصية الاجتماعية والباحثة في علم اجتماع المرأة أسماء مراد «التحرش الجنسي تجاه المرأة والمفروض بكل لفظ أو فعل بمضمون أو إيحاء جنسي يمارسه الرجل بوعي ويتسم بالتكرار والإلحاح يتخذ شكل الاعجاب ويصل إلى حد الإهانة والاستهزاء والتعدي».
وتوضح مراد أن «تطور المجتمعات العربية والإسلامية لم يُصاحب بانتظام قانوني وقيمي وبثقافة المساواة واحترام المرأة فكانت نتيجته اعتبار الرجل جسد المرأة في الفضاء العام ملكية مشتركة وبذلك يستباح جسدها»، وتضيف «أن الرجل العربي يمارس سلوكياته من خلال التحرش الجنسي نوعا من الاستقواء المستمد من المشروعية المجتمعية وبعض المفاهيم التشريعية الدينية المتشددة التي تحوم في أغلبها حول أجساد النساء ودورها في إغواء الرجال ودفعهم نحو الفتنة وهو انعكاس للمخزون الثقافي الديني المتشدد الذي يصور المرأة على أنها سلعة يحق للرجل تملكها في غياب تام لموافقتها»
ويترك التحرش لدى المرأة علاقة متوترة بذاتها، كما يُخلف ندوبا نفسية لما فيه من انتهاك الخصوصية والمس بالكرامة والأمن النفسي والاجتماعي حسب الاختصاصية الاجتماعية أسماء مراد كما قد يسبب حالة الهشاشة النفسية والاضطرابات السلوكية كالرهاب المجتمعي إذ أن معظم الضحايا وقع عليهن التحرش من الأقارب والمحارم، لكن التشريعات في أغلب المجتمعات العربية تحقر من قيمة الأنثى وتجعلها في مرتبة دونيه وتلقي باللوم عليها وترتكز معظم التحليلات على لباس المرأة لحظة وقوع التحرش.
وتؤكد على «أهمية التوعية بأهمية فضاء عمومي آمن عبر حملات التوعية في مواقع التواصل الاجتماعي والفضاءات العامة تظهر مخاطر سلوك التحرش وتعرف النساء بحقوقهن في إطار القوانين التي تجرم التحرش وتعاقب عليه» مع تحرك جمعيات أهلية للحد من العنف والتحرش سواء في المجتمعات العربية أو غيرها إزاء إيجاد طريقة للحد من تفشي التحرش الجنسي بأشكاله المختلفة في بيئات المجتمع وتشارك العديد من النساء في حملات توعوية لحماية المرأة من العنف والتحرش بالتوازي مع قوانين عدة فرضت لصد ظاهرة التحرش وقانون اجتماعي ينظر بقسوة إلى الضحية وبينهما امرأة تحاول جاهدة أن تكسر الصمت.
سلوكيات شاذة وغير طبيعية
وفي كثير من الحالات تسكت النساء حال تعرضهن للتحرش ظاهرة تقول جمعيات أهلية إنها آٌخذت بالتفشي وتخفي أحيانا ما هو أخطر في أماكن العمل والميادين العامة وبدافع توعية النساء وحثهن على مجابهة هذه الظاهرة استحدثت حملات توعوية وبينما تقوم جمعيات نسوية في بلدان عربية بالمطالبة بسن قوانين تجرم ظاهرة التحرش، تلجأ بعض النساء إلى تنمية قدرات جسدية لمجابهة مواقف عادة ما تكون فيها المرأة الحلقة الأضعف.
وتشهد المجتمعات العربية انقساما اجتماعيا حول المظهر الخارجي للمرأة في الساحات العامة، ما يجعلها ضحية وجانية في ذات الوقت لتكون عرضة لتواطؤ أعراف مجتمعية وقانونية تحصن الجناة من العقوبات، و مازال نمط اللباس الذي ترتديه النساء في المجتمعات العربية محط جدل كبير في عدة أوساط مجتمعية، إذ يراه البعض أنه يعكس انطباعات وإيحاءات لسلوك المرأة وأخلاقها، بل ربما يعلق عليه البعض بأنه مدعاة لحوادث التحرش التي تتعرض لها النساء في الساحات العامة، حتى اختزلت غالبية المجتمعات العربية المرأة في جسدها بعيدًا عن كيانها الإنساني.
وتواجه العديد من النساء الكثير من الانتقادات اللفظية والاعتداءات الجنسية حال ارتدائهن لباسا يتجاوز حدود القالب المرسوم للمرأة الصالحة الذي شرعه المجتمع الديني للنساء، لكن في واقع الأمر لا لباس محتشم ولا حجاب ونقاب يحمي المرأة العربية وينقذها من قبضة التحرش الجنسي.
ويرى الأخصائي الاجتماعي السعودي محمد الحمزة «أن أكثر المجتمعات التي تتباهى بالتدين لدرجة الغلو الزائد والمبالغ فيه هي في الحقيقة تسحق الطبيعية الإنسانية لأفراد المجتمع، مما يدفعهم للميل السلبي نحو سلوكيات شاذة وغير طبيعية مثل التحرش بجميع أنماطه وأشكاله، فمثلاً الفصل التعسفي بين الذكور والإناث بحجة تحريم الاختلاط فإن في ظاهره حماية المرأة وصونها، ولكن النتيجة كانت عكس ذلك، مما جعلها مطمع للكثير من الرجال الذين يعيشون في حالة انعزالية عن معايشة النساء بصورة طبيعية وتلقائية، مما أدى لزيادة نسبة التحرش والاغتصاب والإيذاء والابتزاز»، وأضاف «مشكلة التحرش في المجتمعات التي تلوح بالإسلام دينا لها قد استفحلت بسبب أولئك المنظرين وأصحاب الفتاوي فأصبح الرجل لا ينظر للمرأة الا من خلال الجانب الجنسي معتبرها دائما مصدرا لتلبية شهوته ونزواته متغافلا عن دورها التنموي والحضاري» وبالنظر إلى التشريعات الموجودة في أغلب المجتمعات العربية لا تنصف المرأة وبالتالي لا تجرم التحرش الجنسي ولا تدينه حال لم يصل لمرحلة الاغتصاب، إذ المجتمعات العربية محكومة بموروثات ثقافية ودينية.
وشرعت السعودية قوانين مشددة للتحرش الجنسي مع بداية تمكين النساء من حقوقهن ومساواتهن بالرجال وتهدف التشريعات إلى مكافحة جريمة التحرش والحيلولة دون وقوعها وتطبيق العقوبة على مرتكبيها وحماية المجني عليه، ودعمت التشريعات حضور النساء في المشهد العام ككيان مستقل وأصبح لها دورها الريادي في مجتمع متحضر وسطي التدين.
نقلا عن: اندبندنت عربية