*أدريان شتوني – باحث متخصص في قضايا الأمن في غرب البلقان وشرق البحر المتوسط
*عرض وترجمة: أحمد بركات
برزت منطقة غرب البلقان كمصدر مهم للمقاتلين الأجانب الأوربيين في الصراع في سوريا. وبرغم ظهورها المفاجئ، إلا أن هذه الموجة من التعبئة الجهادية لم تحدث في الفراغ، إذ كانت – ولا تزال – تمثل أبرز تجليات الظاهرة الدينية المسلحة في المنطقة.
في هذا السياق، تُعنى هذه الدراسة ببحث جانبي الظاهرة، وهما الحالة الراهنة لوحدة المقاتلين الأجانب من غرب البلقان والتحديات المعقدة التي تمثلها، وخطورة مجموعة الجهاديين المحليين في المنطقة. وتعتمد الدراسة على البيانات التي تم تحديثها مؤخرا في الفترة من بداية إلى منتصف عام 2019 ،من قبل أجهزة تطبيق القانون في غرب البلقان، إضافة إلى عدد كبير من التقارير الصادرة عن منظمات دولية ومعاهد أكاديمية.
موجة غير مسبوقة
منذ عام 2012، سافر 1070 من مواطني كوسوفو، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا الشمالية، وألبانيا، وصربيا، والجبل الأسود إلى سوريا والعراق للانضمام – في المقام الأول – إلى صفوف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبأعداد أقل إلى «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تحولت مؤخرا إلى «هيئة تحرير الشام». وقد بلغ هذا التدفق غير المسبوق من المقاتلين الأجانب من المنطقة ذروته في عامي 2013 و2014، وكاد أن يتوقف في عام 2016، برغم أن الجهاديين الطامحين واصلوا محاولاتهم غير الناجحة في معظم الأحوال لعبور الحدود إلى سوريا حتى عام 2017.
في وقت المغادرة كان 67% من أعضاء هذه الوحدة (أي ما يعادل الثلثين) من الذكور البالغين، و15% من النساء، و18% من الأطفال. وقد ساهمت كوسوفو بالعدد الأكبر من الرجال بين دول المنطقة (256)، بينما ساهمت البوسنة والهرسك بالعدد الأكبر من النساء (61) والأطفال (81). وبسبب المواليد الجدد في الفترة بين عامي 2012 و2019، ارتفع عدد أبناء المقاتلين الأجانب القادمين من غرب البلقان في سوريا والعراق بدرجة كبيرة. وبحسب بيانات رسمية، بلغ عدد الأطفال الذين ولدوا في سوريا والعراق لآباء وأمهات من كوسوفو والبوسنة والهرسك في بداية هذا العام 155 طفلا. وقد أدت هذه المواليد الجديدة إلى زيادة عدد أفراد وحدة غرب البلقان إلى 1225 على الأقل.
وعلى مدى الأعوام السبعة الماضية، لقي حوالي 260 من مقاتلي غرب البلقان الذين سافروا إلى سوريا والعراق حتفهم أثناء القتال، أو – في حالات قليلة – لأسباب طبيعية، وهو ما يعادل 25% من إجمالي عدد الأفراد في هذه الوحدة. كما عاد حوالي 460 فردا إلى مواطنهم الأصلية أو مواطن إقامتهم. وقد شهد عام 2015 أكبر نسبة عودة لهؤلاء الأفراد. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنقل أعداد قليلة منهم إلى مقدونيا الشمالية في عام 2018، بعد أن ألقت قوات سوريا الديمقراطية، التي تخضع لقيادة كردية، القبض عليهم، وهوما جعل مقدونيا الشمالية أول دولة أوربية تقبل باستقبال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين تم اعتقالهم في سوريا. وفي أبريل 2019 حذت كوسوفو حذو جارتها الجنوبية بقبول استقبال 110 من العائدين من سوريا، وشملت هذه المجموعة 74 طفلا، و32 امرأة، و4 مقاتلين أجانب ذكور، فيما يعد أكبر عملية استعادة من نوعها لمواطنين أوربيين كانوا يقاتلون في سوريا والعراق ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. كما استعادت جمهورية البوسنة والهرسك مقاتلا واحدا فقط.
ويقدر كاتب الدراسة حجم وحدة المقاتلين الأجانب من غرب البلقان وأسرهم الذين لا يزالون في سوريا والعراق بأكثر من 500 فرد، ثلثهم من المقاتلين الذكور، وثلثيهم من الأطفال والنساء. ويقبع هؤلاء في الغالب في السجون ومخيمات اللاجئين التي تخضع لإدارة الأكراد، بينما انضم عدد أقل إلى تنظيمات جهادية في سوريا والعراق. ويقضي مقاتلان على الأقل من هذه الوحدة عقوبة السجن مدى الحياة في تركيا. ويشكل مواطنو البوسنة والهرسك حاليا أكبر عدد في وحدة المقاتلين الأجانب من غرب البلقان في سوريا والعراق.
وحدات القتال الإثنية
اعتبارا من منتصف عام 2019، يبدو أن وحدات المقاتلين الأجانب من غرب البلقان التي تتكون من عرق واحد وتتبع تنظيم الدولة قد توقف نشاطها بدرجة كبيرة في سوريا والعراق. يرجع هذا بالأساس إلى استهداف قيادات هذه الوحدات بنجاح عن طريق الضربات الجوية المكثفة التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والخسائر الميدانية الجسيمة التي تسببت في تراجع الحضور العملياتي للمقاتلين الأجانب من غرب البلقان في سوريا والعراق إلى أدنى مستوياته منذ بداية التدفق الجهادي في عام 2012.
وينسب آخر حضور جهادي نشط من منطقة غرب البلقان في سوريا إلى وحدة ألبانية تعمل ضمن صفوف «هيئة تحرير الشام». يطلق على هذه الوحدة اسم Xhemati Alban «كتيبة زيماتي الألبانية»، وتتألف من مقاتلين من أصل ألباني، وتنشط في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في شمال غرب سوريا. ويواصل مقاتلون ينحدرون من إثنيات أخرى من دول غرب البلقان القتال ضمن صفوف «هيئة تحرير الشام»، لكن يبدو أن الألبان هم الوحيدون من منطقة غرب البلقان الذين ما زالوا يديرون وحدة أحادية العرق. ربما يشير هذا إلى أن هذه الوحدة تمتلك أعدادا كبيرة من المقاتلين، وقدرات عسكرية هائلة. وتؤكد دراسات قام بها كاتب هذه الدراسة وباحثون لغويون على لقطات دعائية مصورة أن هؤلاء المقاتلين ينحدرون بالأساس من مقدونيا الشمالية وكوسوفو. وتشير فيديوهات وصور دعائية قام ببثها منفذ إعلامي تابع للوحدة في عامي 2017 و2018 إلى أن هذه الوحدة ربما تضم أكثر من 20 مقاتلا نشطا في صفوفها. كما تشير لقطات دعائية أخرى خاصة بالشهداء إلى أن الوحدة فقدت 18 مقاتلا على الأقل. أما آخر مادة دعائية عن الشهداء فقد بثتها القناة الرسمية التابعة للوحدة في 13 مايو 2019.
قائد هذه الوحدة هو أبو قتادة الألباني، وهو مواطن من مقدونيا الشمالية ينحدر من أصول ألبانية، ويبلغ من العمر 42 عاما. يعد الألباني أحد الرموز المهمة في «هيئة تحرير الشام»، فضلا عن كونه مستشارا عسكريا مقربا لأبي محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام»، الذي عينه في صيف عام 2014 قائدا للعمليات العسكرية في سوريا. وقد أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية اسم الألباني ضمن قائمة الإرهابيين في 10 نوفمبر 2016. كما ظهر اسمه مؤخرا في البيانات الصادرة عن «هيئة تحرير الشام» كأحد أعضاء اللجنة العليا المكلفة بقيادة جهود المصالحة مع تنظيم «حراس الدين»، وهو فصيل جهادي مرتبط بتنظيم القاعدة.
وكجزء من جهود الدعاية التي تبذلها «كتيبة زيماتي الألبانية» عبر قنوات وسائل التواصل الاجتماعي ،التي تستهدف شعوب منطقة البلقان، أصدرت الجماعة في أغسطس 2018 فيديو مدته 33 دقيقة بعنوان Albanian Snipers in the Lands of Sham «القناصة الألبان في أرض الشام».
ويوثق هذا الفيديو الدعائي عالي الجودة، الناطق باللغة الألبانية المصحوبة بترجمة إلى اللغة الإنجليزية، مراحل مختلفة من الجهود التدريبية والتخطيطية والقتالية لفرقة قناصة تابعة للوحدة، التي يبدو أنها تتمتع باكتفاء ذاتي على مستوى صناعة السلاح والتدريب التكتيكي. ويستخدم أعضاء الفرقة بنادق معدلة عالية الدقة ذات نطاقات بعيدة المدى وكاتم صوت مصنع ببراعة.
وتشير مجموعات المهارات التي يعرض لها الفيديو إلى أن أفراد هذه الوحدة يتمتعون بخبرات عسكرية أو شبه عسكرية سابقة.
(يتبع)
*هذه المادة مترجمة (باختصار).. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?