شيخ الممثلين وملك الأدوار المركبة كما يلقبه النقاد، فهو يستحق أكثر من ذلك، فلقد عشقناه في دور المدمن فمشاهده في فيلم الأخ الكبير لا تنسى، وعشنا معه في شخصية الأبله التي اداها في فيلم «حسن ونعيمة» وهو الدور الذي حصل عنه على جائزة ألمانية، اما عن دور المغلوب على أمره الذي لعبه في فيلم «شيء من الخوف» فحدث ولا حرج، إنه محمد توفيق ذلك السهل الممتنع.
لم يكن «توفيق» يعبأ بمساحة الأدوار التي يقدمها بقدر اهتمامه بطبيعة الدور ومدى إضافته للجمهور في المقام الأول ثم لمسيرته الفنية في المقام الثاني، لذلك لم يكن غريباً ألا يحصل على البطولة المطلقة، ومع ذلك تراه وهو في قمة نضجه الفني يقف أمام الأبطال الشباب في مشهد أو مشهدين، يعطيهم من خبرته وتاريخه الطويل الذي امتد لستين عاما، قدم خلالها ما يقرب من 150 عملاً فنياً ما بين السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة.
ولد محمد حسن توفيق المنصوري العجيزي، بمدينة بطنطا في 24 أكتوبر سنة 1908م، وترك دراسته بمدرسة التجارة العليا «كلية التجارة فيما بعد» والتحق بمعهد التمثيل، وفور تخرجه عمل بفرقة أستاذه جورج أبيض، كما عمل بفرقة عزيز عيد وفرقة خليل مطران المسرحية.
تلميذ لورانس أوليفيه
سافر «توفيق» مع بداية الحرب العالمية الثانية لدراسة التمثيل في إنجلترا، وھناك تتلمذ على ید الممثل العالمي «لورانس أوليفييه» -الممثل والمنتج والمخرج وكاتب السيناريو والمسرحي والسياسي البريطاني- و«مايكل ريد غريف» -الممثل والمخرج والمسرحي البريطاني- والمخرج المسرحي الإنجليزي «تيرون جاثري»، كما عمل لعدة سنوات مخرجا بالقسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، وحين عاد للقاهرة عمل مخرجا بالإذاعة المصرية وظل يترقى بها حتى أصبح كبيرا للمخرجين بالإذاعة، ومن أهم وأشهر المسلسلات الإذاعية التي أخرجها للإذاعة مسلسل «العسل المر» ومسلسل «حسن ونعيمة» والتي قامت ببطولتهما الفنانة كريمة مختار، كما أنه أخرج النص العربي لمشروع الصوت والضوء في منطقة الأهرامات وأبي الهول سنة 1964م، وأخرج عددا من المسرحيات منها: فاوست ومرتفعات ويزرينج و 6 شخصيات تبحث عن مؤلف، كما أخرج ومثل مسرحية الزلزال.
المغلوب على أمره
يعد دور «توفيق» في فيلم «شيء من الخوف» الذي دخل ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري، وجسد فيه شخصية والد «فؤاده»، واحد من أفضل أدواره المركبة والمعقدة، فهو الأب الذي وقع بين مطرقة الخوف وسندان قلة الحيلة، فمن ناحية رغبة عتريس في الزواج من ابنته الوحيدة، ومن ناحية تعنت ابنته ورفضها القاطع للزواج من عتريس، الدور حين نشاهده يأخذنا إلى عوالمه فنعيش تجربته بتفاصيلها وننسى أننا أمام عمل فني، ونعيش داخل كفر الدهاشنة حيث يرسم توفيق في هذا الدور لوحة فنية متكاملة.
https://youtu.be/ZrVgWll1O0U
باب الحديد
وعن باب الحديد يقول محمد توفيق ان يوسف شاهين «اغتصب» مني الدور فبعد ان تم الاتفاق معي على الدور وحضرت نفسي للشخصية واخذت العربون وانتظرت كثير حتى يتم طلبي لأدائه لم يحدث وعلمت أنهم شرعوا في تصوير الفيلم وتخيلت ان ادواري تم تاجيلها لمرحلة لاحقة وبعد فترة علمت انهم انتهوا من تصويره وعند سؤالي عن الدور قالوا لي أن «يوسف شاهين عجبه الدور وخده» وهو الأمر الذي نفاه يوسف شاهين في احد حواراته التليفزيونية.
يوسف شاهين من فيلم «باب الحديد»
«محمد توفيق هو الممثل الوحيد الذي تستطيع أن تستخرج منه قواعد جديدة ومتجددة للأداء الدرامي» تلك كانت كلمات المخرج الراحل نور الدمرداش عندما سأله المحاور مفيد فوزي عن رأيه في محمد توفيق، وقد صدق الدرمداش فهو الممثل الذي كما أضاف الدمرداش «كلما تعاملت مع توفيق الممثل استفدت منه كمخرج، وهو الوحيد الذي عندما ينتهي من كلماته لا أستطيع أن أطفئ الكاميرا لأنني أعيش مع كلماته ومع سكتاته»
امتدت مسيرة «توفيق» الفنية لنحو 62 عامًا، وصل خلالها عدد الأعمال الفنية التي شارك بها لأكثر من 150 عملا بين سينما ومسرح وتليفزيون، شارك توفيق في العديد من الأفلام السينمائية وكان أداؤه بمثابة مدرسة لتعليم فن الأداء التلقائي منها: «مصنع الزوجات، لك يوم يا ظالم، سمارة، لوكاندة المفاجآت، أرض الأحلام»، وترك بصمته في عالم الدراما من خلال مشاركته في العديد من المسلسلات منها: «عادات وتقاليد، القاهرة والناس، محمد وإخواته البنات، رحلة السيد أبو العلا البشري، لسه باحلم بيوم، ما زال النيل يجري، هند والدكتور نعمان، ويوميات ونيس».
تكريم ثم رحيل
حصل على العديد من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير، فقد منحه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1967، وكذلك حصل على نفس الوسام في أكتوبر من عام 1979، بجانب شهادات تقدير من وزراء الإعلام، كما نال شهادة تقدير من إسبانيا عن فيلمه «الرجل والحصان»، بجانب تكريمه من ألمانيا على دوره «ابن صبيحة»، إلا أنه عاش حزينا من فقده التكريم الذي يستحقه في مصر عن هذا الدور، فقال في حوار صحفي سابق: «لو قدمت دورا مثل دوري في فيلم لك يوم يا ظالم في أمريكا لحصلت من خلاله على الأوسكار»
ليرحل شيخ الممثلين في 27 مارس 2003 عن عمر ناهز 95 عامًا، بعد أن دخل في صراع مع المرض دام أكثر من عامين، تاركا وراءه تاريخا حافلا برصيد فني يصعب تكراره، فسلام على روحه الطيبة.