*عساف داي – محلل جيوسياسي متخصص في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
*عرض وترجمة: أحمد بركات
بعد توالي الشائعات والتقارير الزائفة على مدى العامين الماضيين حول موت أبو بكر البغدادي، قائد تنظيم الدولة الإسلامية، تمكنت الولايات المتحدة أخيرا من قتل أشهر إرهابي في العالم في شمال غرب سوريا.
على عكس القادة الجهاديين التاريخيين الذين قتلوا في عمليات عسكرية أمريكية، مثل أسامة بن لادن، بدا قائد تنظيم الدولة على أهبة الاستعداد لهذه اللحظة، بل قام بنفسه – بحسب تقارير – بتفجير سترته الانتحارية.
لا شك أن هذا سيكون موضع دعاية مكثفة من قبل تنظيم الدولة، التي ستعمد إلى إبراز ’استشهاده‘ على أنه ميتة مكافئة لسيرته الجهادية.
لم يكن وقع خبر موت البغدادي تحت قصف نيران عملية أمريكية في محافظة إدلب مفاجأة كبرى. صحيح أن معاقل تنظيم الدولة التقليدية تقع في المناطق الشرقية من سوريا، لكن أجزاء من إدلب كانت معروفة بتأييدها القوي للتنظيم، الذي كان يدير خلايا متعددة بالمحافظة، وهو ما تجلى في هجمات متكررة ضد تنظيمات جهادية آخرى بالمنطقة، بما فيها تنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة.
أبو بكر البغدادي
الخليفة القادم
لكن الأهم من ذلك هو أن موت البغدادي يثير سؤالا مهما حول شخص الخليفة القادم على عرش أقوى تنظيم جهادي دولي في العالم. ربما يكون «عبد الله قرداش» هو المرشح الأقرب لتولي المهمة. ففي أغسطس الماضي، نشرت«وكالة أعماق» – الذراع الإعلامي لتنظيم الدولة – أن البغدادي كلف قرداش بإدارة «شئون المسلمين» في دولة الخلافة. ربما كان الخليفة – المُنصًب ذاتيا – يعد نفسه حينها «لليوم القادم» ولموعد كهذا الموعد.
كما توقعتُ وقبل عام
البغدادي، يولي عبد الله قرداش ، مسؤولاً عن إدارة احوال تنظيم داعش pic.twitter.com/njFb2krPME— فاضل ابو رغيف (@fadhil_abu_ragh) August 7, 2019
إضافة إلى ذلك، يمتلك قرداش أوراق اعتماد لا يمكن إغفالها كعالم ديني يتمتع باحترام وشعبية كبيرة في أوساط أعضاء تنظيم الدولة. كما أنه – مثل البغدادي – ينحدر من نسل قرشي، ومن سلسال آل البيت على وجه التحديد. وقد كان البغدادي نفسه يشار إليه باسم «أبو بكر البغدادي القرشي الحسني». علاوة على ذلك، فإن قرداش كان أحد أقرب المقربين من البغدادي منذ أن سُجنا معا في «سجن بوكا» في العراق في عام 2004.
تضمنت قائمة الرموز الجهادية التي طرحت في الشهور الأخيرة أسماء أخرى، مثل «سامي جاسم محمد الجبوري» المعروف أيضا باسم ’حجي حميد‘»، المسئول عن الشئون المالية في التنظيم، والمفكر الأيديولوجي «أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى (المعروف ايضا باسم ’حجي عبد الله‘)، وخبير المتفجرات «معتز نعمان عبد نايف نجم الجبوري» (المعروف أيضا باسم ’حجي تيسير‘). وكان «برنامج Rewards for Justice» (مكافآت من أجل العدالة) التابع لوزارة العدل الأمريكية قد أعلن في نهاية شهر أغسطس الماضي عن مكافآت بلغت 5 مليون دولار أمريكي مقابل هؤلاء.
استراتيجية المقاومة
لسوء الحظ، بينما كان البغدادي يمتلك شخصية كارزمية لا يمكن إغفالها، إلا أن كثيرا لن يتغير، لأن الجماعة – ببساطة – ستظل على نهج المقاومة. فبعد مقتل القائد السابق «أبو عمر البغدادي» على يد القوات الأمريكية في عام 2010، لم يعاود تنظيم الدولة الإسلامية الظهور على السطح فحسب، وإنما بلغ أوج قوته في السنوات اللاحقة.
والأهم من ذلك أن التنظيم تحول فعليا وبصورة متزايدة على مدى العامين السابقين عن نزعته المركزية في إدارة فروعه في جميع أنحاء العالم، وباتت هذه الفروع تعمل باستقلالية شبه كاملة عن دائرة قيادتها الأساسية. وبرغم سقوط دولة الخلافة في سوريا والعراق في شهر مارس الماضي، إلا أن التنظيمات التابعة للتنظيم الرئيس قد تمكنت من تمديد مناطق عملياتها في مناطق كثيرة من العالم، فضلا عن ظهور تنظيمات جديدة، وما ألت إليه قدرات التنظيمات القديمة من تطور واضح.
تضمنت هذه الفروع ولايات وسط إفريقيا وغرب إفريقيا وباكستان والهند وبنجلاديش وخراسان (أفغانستان)، إضافة إلى ولايات أخرى، وهو ما عرضت له الحملة الإعلامية التي دشنها التنظيم مؤخرا تحت عنوان «والعاقبة للمتقين»، والتي عرضت لفيديوهات عديدة يعلن فيها عدد من التنظيمات تجديد بيعتها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ولقائده – أنذاك – أبو بكر البغدادي.
التركيز على «الذئاب المنفردة»
وعلاوة على ذلك، فإنه من المتوقع أن يسعى تنظيم الدولة الإسلامية على المدى القصير للانتقام لموت قائده. ففي أعقاب سقوط دولة الخلافة في العراق وسوريا، وخروج أنصار تنظيم الدولة من آخر معاقله في بلدة الباغوز السورية في مارس الماضي، شن تنظيم الدولة الإسلامية حملة «الانتقام للشام»، التي شهدت تكثيف الهجمات من قبل الجماعات التابعة للتنظيم في جميع أنحاء العالم.
وإلى جانب العمليات المسلحة في مناطق العمليات التقليدية التي ينشط فيها تنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، فإنه لا يمكن استبعاد أن يكون الغرب أيضا مسرحا لعميات التنظيم، خاصة من خلال عمليات «الذئاب المنفردة». ففي حادثتين وقعتا مؤخرا – وتم تجاهلهما على نحو ما – قام أنصار تنظيم الدولة بتنفيذ عملية طعن في فرنسا ودهس بمركبة في ألمانيا، وهو ما يسلط الضوء على المخاطر الكامنة التي تهدد هذه الدول.
لا شك أن الطريقة التي قتل بها البغدادي ستسهم بقوة في تحويله إلى ’ميثولوجيا‘ في الدوائر الجهادية، ومن ثم تعزيز الدوافع داخل هذه الدوائر. وبمجرد إعلانه، سيسعى الخليفة الجديد بقوة إلى إثبات نفسه عن طريق حث أنصار تنظيم الدولة على مواصلة اللعبة بمزيد من القوة.
ومن أجل تخفيف حدة هذا التهديد الذي يلوح في الأفق بقوة على المدى القصير على خلفية موت البغدادي، يصبح من الأهمية بمكان تحديد واستهداف ما تبقى من قيادات تنظيم الدولة بأقصى دقة وسرعة ممكنتين من أجل توجيه ضربة أخرى موجعة تنال من معنويات مقاتليه وتهزم قضيته بشكل عام.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا