سيطرت أزمة سد النهضة على الساحة المصرية عموما والساحة الإعلامية بمختلف صورها. في هذا السياق عقد المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية مؤخرا مؤتمرا تحت عنوان «أزمة سد النهضة.. بين فرض الأمر الواقع ومتطلبات الأمن القومي المصري» بمشاركة عدد كبير من الخبراء والمختصين في مجال الموارد المائية، في محاولة منهم لطرح أبعاد وتداعيات أزمة سد النهضة، والتفاعلات المختلفة لتلك الأزمة،ومسارات الحركة المستقبلية والبدائل المتاحة.
تناول الدكتور محمد نصر الدين علام، أستاذ الري بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ووزير الموارد المائية والري الأسبق في ورقته التي جاءت تحت عنوان «مصير مفاوضات سد النهضة الأثيوبي» ملف حوض نهر النيل مشيرا إلى أنه يعد ملفا شائكا ذا مشاكل متعددة، حصرها الدكتور علام في أربع مشكلات رئيسية: تتمثل المشكلة الأولى في انفصال جنوب السودان وتأثير ذلك على حصة مصر المائية، و على العلاقات الحالية والمستقبلية مع السودان، أما المشكلة الثانية فتكمن في أزمة اتفاقية عنتيبي التي تنص على إعادة توزيع الحصص المائية بين دول حوض النيل وعدم الإعتراف بالحصص القائمة المكتسبة تاريخيا، إضافة لأزمة السدود الأثيوبية وتأثيراتها السلبية على مصر وخاصة سد النهضة، وأخيرا قضية الشح المائي الناجمة عن زيادة الكثافة السكانية، مع محدودية الموارد المائية.
د. محمد نصر الدين علام
أسباب الأزمة
يصف دكتور علام الوضع المائي في مصر بأنه وضع شديد الحرج، حيث تقع مصر ضمن حزام المناطق الصحراوية الجافة ومن ثم فهى تحصل على 95% من مواردها المائية من نهر النيل بحصة سنوية مقدارها 55.5 مليار متر مكعب، هذه الحصة يمثل نصيب الفرد منها كمية لا تتعدى 600 متر مكعب سنويا، أي أقل من حد الفقر المائي المقدر بألف متر مكعب
في هذا السياق يرصد الدكتور علام أسباب وتداعيات أزمة ملف المياه في مصر مشيرا إلى أن أحد أسباب تلك الأزمة تمثل في قصور أداء الجانب المصري سواء كان ذلك على مستوى جمع المعلومات حول دول حوض النيل، أو التحركات المصرية فيما يخص التعامل مع ملف حوض النيل بشكل عام، إلى جانب التباعد السوداني عن مصر نتيجة تراكم العديد من المشكلات، وبالمقابل وجود نوع من التوافق بين السودان وأثيوبيا، إلى جانب التواجد الغربي والإسرائيلي في إفريقيا في مقابل إنسحاب الدور المصري.
حكاية سد النهضة
يروي الدكتور علام في ورقته حكاية سد النهضة مشيرا إلى أن صحيفة «أديس فورشن» الأثيوبية فاجأتنا في فبراير من عام 2011 بخبر إنشاء سد لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق، وفي 30 مارس من ذات العام عقد وزير المياه والطاقة الأثيوبي مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن سعة السد التخزينية التي تبلغ حوالي 60 مليار متر مكعب بمنطقة «بني شنقول» التي تبعد حوالي 20 كيلو متر عن الحدود السودانية، وفي اليوم التالي تم توقيع عقد تصميم وتنفيذ السد مع شركة ساليني الإيطالية بتكلفة 4.8 مليار دولار أي نصف ميزانية أثيوبيا وقتذاك!
في 2 إبريل 2011 قام رئيس الوزراء الأثيوبى السابق ميليس زيناوي بوضع حجر أساس السد باسم سد الألفية العظيم.. وفي 20 إبريل 2011، قرر مجلس الوزراء الأثيوبي إطلاق اسم سد النهضة الأثيوبي على سد الألفية.
المثير في حكاية سد النهضة تمثل في ذلك التخبط الشديد في مسميات السد وفي تعديل أبعاد السد ومعدل إرتفاعه وسعة تخزينه وسعة محطة توليد الكهرباء وهو ما دعا دكتور علام إلى أن يشير إلى أن هذا التخبط يعني بوضوح أن تصميمات السد لم تكن جاهزة وقت وضع حجر الأساس وأنه تم الإستعجال فيه، إستغلالا لإنشغال مصر بالثورة آن ذاك.
مخاطر متوقعة
أطلق الدكتور محمد نصر الدين علام في ورقته عددا من التحذيرات والمخاطر التي قد تنجم عن موقع تشييد سد النهضة على النيل الأزرق على إرتفاع حوالي 500 متر فوق سطح البحر بمنطقة تتكون من الصخور البركانية البازلتية التي تعاني من التشققات والفوالق.
من جانب آخر فإن موقع سد النهضة كسد حدودي يبعد مئات الكيلومترات عن أقرب المدن الأثيوبية يجعل من الصعوبة بمكان نقل كميات كبيرة من الكهرباء إلى الداخل.. وبالتالي فإن فشل أثيوبيا في إستخدام كامل الطاقة الكهربائية الناجمة عن تشييد السد سواء عن طريق التصدير أو الإستهلاك المحلي سيضطرها إلى إغلاق معظم انفاق توربينات السد، ومن ثم ترتفع مياه السد نتيجة تخزينها إلى أن تخرج عبر مهارب الفيضانات أعلى السد كالشلال ومع إستمرار ذلك لفترات طويلة سيؤثر ذلك على سلامة السد الإنشائية ومن ثم ربما يؤدي إلى خسائر إقتصادية وسياسية جسيمة.
تبعات السد
يشير دكتور علام إلى أن لتشييد سد النهضة تبعات عدة، وأنه سوف يلي تشييد ذلك السد تنفيذ العديد من مشروعات السدود الأخرى. هنا يؤكد علام على أن الهدف من تشييد سد النهضة يعد هدفا سياسيا بالأساس وليس هدفا تنمويا، يهدف إلى التحكم في مياه النيل، ومن ثم تقزيم أو إلغاء دور السد العالي وهو ما من شأنه التأثير سلبا على الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والأمنية في مصر، ما ينجم عنه الحد من دور مصر الإقليمي.
الأمر الأكثر خطورة في إنشاء سد النهضة يتمثل في تمكن أثيوبيا من إستخدام مياه السد للإضرار بمصر والسودان خلال فترات الفيضانات العالية عبر إمرار كميات كبيرة من المياه، مما ينجم عنه نتائج كارثية خاصة بالسودان، كما سيمكنها من إمرار كميات محدودة خلال سنوات الجفاف.
من جانب أخر فإن نجاح أثيوبيا في بناء سد النهضة قد يشجع باقي دول حوض النيل على تأسيس سدود مماثلة، وهو ما يشكل خطورة على حصول مصر على حصتها المقررة من المياه.
لماذا فشلت المفاوضات؟
لخص الدكتور محمد نصر الدين علام المراحل المختلفة للتفاوض حول بناء السد بداية من عام 2013 حتى إعلان مصر مؤخرا عن فشل تلك المفاوضات مشيرا إلى أن تلك المفاوضات قد شابها العديد من السلبيات رصدها علام في عدة نقاط تمثلت في : تهرب أثيوبيا بمختلف الطرق الممكنة، مع عدم وجود استشاريين دوليين لدراسة تداعيات السد على مصر والسودان، إلى جانب قصور المفاوض المصري الذي نجم عنه السماح لأثيوبيا بالمماطلة طوال تلك السنوات الماضية، حتى نجحت في الإنتهاء من معظم الإنشاءات الخاصة بالسد.
البدائل المقترحة
اختتم دكتور علام ورقته بتقديم عدد من المقترحات حرص على الإشارة إلى أنه يمكن الإستعانة بأي منها بشكل منفرد أو على التوازي، وتمثلت تلك المقترحات فيما يلي:
1- الإستعانة بمجلس الأمن بهدف وقف إنشاءات السد، لتقييم السلامة الإنشائية، ولتقييم تداعياته المائية والبيئية على دولتي المصب – مصر والسودان- إلى جانب تناول المخالفات القانونية العديدة للدولة الأثيوبية للعديد من الإتفاقات الدولية.
2- تمثل الإقتراح الثاني في مقاطعة مصر تماما لكهرباء سد النهضة، مع الأخذ في الإعتبار ان تلك المقاطعة لن توقف بناء السد ولكنها سوف تحد من عملية تشغيله ومن ثم تهدر اقتصادياته.
3- أما البديل الثالث والهام فيتمثل في تسوية الأوضاع مع السودان ومن ثم وضع إطار واضح للعمل التفاوضي بخصوص سد النهضة في إطار اتفاقية 1959 بين مصر والسودان والخاصة بتقسيم الحصص المائية.
(يتبع)