غيّب الموت مساء الأربعاء (30 أكتوبر ) الشاعر الأردني البارز أمجد ناصر عن عمر ناهز 64 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، وقد نعت وزارة الثقافة الأردنية الشاعر الراحل، وفى بيان لوزير الثقافة الأردني محمد أبورمان، قال إن أمجد ناصر سيبقى في ذاكرة الأردنيين، وفي ذاكرة عمان التي انطلقت منها كلماته الأولى.
وكانت وزارة الثقافة الأردنية قد كرّمت الراحل قبل شهور بعد صدور قرار من الديوان الملكي الأردني بمنحه جائزة المملكة الأردنية التقديرية للآداب، وشارك ناصر في الحفل رغم تدهور حالته الصحية.
من رواد قصيدة النثر
ولد «يحيى النميري النعيمات» الشهير بـ «أمجد ناصر» في منطقة الطرة شمال الأردن عام 1955، وهو الأبن الأكبر لعائلة بدوية، بدأ كتابة الشعر منذ صباه الباكر.وبحكم إقامته في الزرقاء، تأثر بوضع النازحين الفلسطينيين وأعجب بالعمل الفدائي الفلسطيني.
عمل «ناصر» في التليفزيون الأردني، وكان من أبرز الكتاب في صحيفة القدس العربي اللندنية، وصدرت مجموعته الشعرية الأولى «مديح لمقهى آخر» عام 1979. وقد نجح ناصر عبر مسيرته الإبداعية في أن يرسخ أسمه كواحد من رواد الحداثة الشعرية وقصيدة النثر، وقد أبدع خلال هذه المسيرة أحد عشر ديوانا شعريا منها: منذ جلعاد-رعاة العزلة-سر من رآك، وهو من أجمل ما كتب فى ديوان الغزل العربى، ومرتقى الأنفاس، الذى كتبه عن أبى عبد الله الصغير آخر ملوك العرب فى الأندلس، وله رواية واحدة أصدرها عام 2017 باسم «هنا الوردة».
ويعتبر أمجد ناصر من رواد قصيدة النثر، التى كان صاحب تجارب سباقة ومبدعة فيها، وقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة فى إبداعاته بشكل كبير.
مرثيات حزن نبيل
وقد نعى المبدعون والمثقفون فى مصر والوطن العربى أمجد ناصر بكلمات تؤكد على المكانة الأدبية الرفيعة التى حققها الشاعر الراحل بإبداعه المتفرد، كما أكدت على افتقاد الساحة الشعرية العربية لهذا المبدع الكبير.
فعبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» كتب الشاعر المصرى أحمد الشهاوي قائلا: «كل كلام أكتبه عن موتك، هو دونك يا أمجد ناصر، أنت الذي أثره باق، شعره ونثره، أنت ارتقيت، وأهل الشعر أحياء، غيابك مفجع وموجع، خصوصا لمن عاشك، واقترب منك، عمان ولندن ستبقيان مقفرتين بغيابك، كتبت لتعيش، وسأبقى ويبقى محبوك يحملون شعرك فوق رؤوسهم كي يصل إلى أراض بعيدة، وأجيال أخرى لم ترك، رغم أنه لا يحتاج إلى أذرع، ولا إلى قيم مضافة».
وأضاف: «رحلت قبل آوانك، لكنك عشت ترعى العزلة، وترتقي أنفاس سؤالك الوجودي.. أنت في روحي ما عشت يا أمجد ناصر، هل أشكر كرمك معي أو معنا جميعا، أنت البدوي الأسخى».
وختم الشهاوي مرثيته بقوله «أنا لا أودعك، بل أعيد زراعتك في أرض روح الشاعر الأردني الكبير… أمجد ناصر..»
https://www.facebook.com/AHMAD.ALSHAHAWY/posts/10219101996193152
وكتبت الشاعرة المغربية عائشة بلحاج تقول: «أمجد ناصر، الشّاعر النبيل وصاحب الرّوح الحُرّة، يرحل ويبقى الشعر.. في النهاية لسنا سوى «الذين يمرون في هذه الدنيا، كما تمر أنفاس الرعاة في قصب الناي..»
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2006169216152447&set=a.106996806069707&type=3&theater
وكتب الشاعر المصرى محمد المتيم: «لا أعرف إن كان هذا هو الصباح عندك أم المساء، فأول خيباتنا العربية فشلُنا في ضبط التوقيت.. أكتبُ إليك من أقصى قريةٍ في صعيد مصر الملتهب طقسًا ونفوسًا، ولا أدري إن كنتَ ما تزال تهرول فوق ثلوج لندن أم عُدتَ إلى جحيم الجغرافيا العربية».
وأضاف يقول: «لن يقتلني الخجل وأنا أصارحك أنني لم أقرأ لك حرفًا بعد، لكن أصدقك القول: إنني سمعت اسمك قبل مدة، فانضممتَ إلى المؤجّلات، وما عليَّ في ذلك من حرج إذ مفهوم الحياة نفسه مؤجّل.. بيني وبينك ثمانيةٌ وثلاثون عامًا ذابتْ لمّا طالعتُ صورتك أول أمس، رأيتُني فيك وأنت تتقافز قبل أربعة عقودٍ كالغزال بين عمان وبيروت وقبرص ولندن وعدن».
وختم المتميم كلماته في رثاء أمجد ناصر قائلا: «أكتبُ إليك مدفوعًا بصلّةِ الرحِم، الرحِم التعيسة التي انحدر منها ذوو الحساسية المفرطة تجاه الحياة، ورغمًا عنهم صاروا في لحظةٍ شعراء. ها أنا أكتب إليك، لا أدري لماذا أكتب؟ ولا على أي شيءٍ أقبض وأريد ترجمته؟ ولستُ معنيًا بوصول رسالتي إليك من عدم ذلك، لكنَّ توقف شاعرٍ -أي شاعر- عن الركض في براري اللغة يعني بشكلٍ ما مساحات متروكة ليتمدد فيها صولجان طاغية، يعني بطريقةٍ ما انحسار الجمال لصالح القُبح، يعني أن نار مسافرٍ في الليل ستخبو تحت تأثير الريح».
وكتب القاص المصرى صابر رشدي في وداع الشاعر الأردني الراحل قائلا: «مع قسوة مرضك الفادح لم تثقل علينا. واحتفظت بآلامك لنفسك. رغم الورم السرطاني المخيف. كنت كبيرا في كل شىء.. الشعر. الثقافة. الإنسانية.
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2475155822718026&set=a.1569001313333486&type=3&theater
ونختم هنا بمقتطف من آخر ما قاله أمجد ناصر في كلمة ارتجالية في احتفال تكريمه، في العاصمة الأردنيّة عمّان، في 15 يونيو /2019..: «شعوبنا كانت قبائل، وكان لها نجوم، وتهتدي بالنجوم، ولكل نجم طريقه ووجهته وأساطيره وقصصه وحبه وشعره. فلسطين هي نجمة العرب. لا يمكن أن يذكر هذا الإسم، بدون أن نقول أنه نجمتنا. وها نحن حتّى في أسوأ مراحلنا، نحاول أن نبحث عن أسوأ أشكال التّلاقي العربي، الذي كنا نسميه التضامن العربي، وهذا كان يرتكز على ركيزة واحدة، القضيّة الفلسطينيّة، وعندما انزاحت هذه الركيزة، وتبدّلت الأولويات، وجاءت أولويّات أخرى، ها نحن نرى ما نرى من هوان للعرب، ما لم تعد نجمة فلسطين إلى وضعها في صدر السّماء، ما لم تعد إلى حياتنا كهادٍ، لا أريد أن أقول كقائد، ولكني أقول كهادٍ، ومرشدٍ إلى الطريق، فلن تقوم لنا قائمة أبدًا. فلسطين هي نجمتنا، ليست الأخيرة. هي نجمتُنا الأولى والأخيرة، والتي ستعود لتنير السماء والأرض مرّةً أخرى».. رحم الله أمجد ناصر.