منوعات

أزمة سد النهضة (2-2).. تفعيل الدور التفاوضي كضرورة حتمية

ما هى المخاطر التي ستتعرض لها مصر حال بناء وتشغيل سد النهضة؟.. سؤال جوهرى يشغلنا جميعا..وقد أكد الخبراء والمختصون -فى مناسبات عديدة- أن سد النهصة من شأنه أن يعرّض مصر للعديد من المخاطر على مستويات عدة: مائيا، زراعيا، بيئيا، إقتصاديا وإجتماعيا، وهو ما دعا منظمي مؤتمر «أزمة سد النهضة .. بين فرض الأمر الواقع ومتطلبات الأمن القومي المصري» بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن يحرصوا على طرح طبيعة المخاطر التي سوف تتعرض لها مصر، جراء تشييد هذا السد ومن ثم طرح عدد من الرؤى البديلة لمواجهة تلك الأزمة.

الدكتور محمد سالمان طايع، أستاذ العلوم السياسية ووكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في ورقته المعنونة «التداعيات المستقبلية للموقف الراهن لأزمة سد النهضة ومسارات التحرك المصري: نحو شراكة استراتيجية مع دول حوض النيل» يطرح رؤيته حول طبيعة التهديدات والمخاطر التي ستتعرض لها مصر نتيجة تشييد سد النهضة، على مستوى التهديد الخاص بنقص الموارد المائية المصرية وتلك المخاطر المتعلقة بقطاع الزراعة بصفة خاصة، إضافة لرؤيته حول طبيعة المسارات التي يمكن لمصر أن تتخذها في سياق إدارتها لأزمة سد النهضة.

د. محمد سالمان طايع

تهديد الموارد المائية المصرية

نّوه الدكتور طايع في ورقته إلى العديد من التهديدات التي من شأنها التأثير على الموارد المائية المصرية جراء ملء سد النهضة ومن ثم قسُم طبيعة تلك التهديدات إلى عدة مستويات منها ما يصل إلى حد «الكارثة» وفقا لوصفه، وذلك في حالة تزامن ملء السد مع فترات فيضان أقل من المتوسط، حيث يتوقع أن تصل نسبة عدم قدرة مصر على الحصول على حصتها من المياه بعجز في حده الأقصى يصل إلى 34% من الحصة المقررة وهو ما مقداره (19 مليار متر مكعب) وفي حالة العجز المتوسط سوف يبلغ 20% من الحصة أي (11 مليار متر مكعب).

يضيف دكتور طايع أنه ومع إفتراض إجتياز فترة ملء السد بأقل الخسائر- وهو إحتمال ضعيف- فإن هناك تحد آخر يتعلق بمرحلة التشغيل من أجل إنتاج الكهرباء، حيث يتعين عليهم تخزين المياه بدرجة أعلى لرفع منسوبها  لديهم لتوليد الكهرباء، مع تقليل المنصرف من مياه السد، وهو ما ينذر بنقص حاد في إمدادات المياه المتدفقة لمصر.

الخطورة الأكبر من وجهة نظر دكتور طايع فيما يتعلق بسد النهضة، تمثلت في كون إحتمالات انهياره عالية للغاية، فمعامل أمانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل أمان السد العالي الذي يصل إلى ثماني درجات.

الزراعة.. وزيادة الفجوة الغذائية

رصد الدكتور طايع في ورقته العديد من المخاطر التي سيتعرض لها قطاع الزراعة في مصر والتي سينجم عنها إزدياد معدل الفجوة الغذائية التي تعاني منها مصر لتصل نسبتها إلى 75% من إجمالي احتياجاتنا من الغذاء بدلاً من 55% حالياً.

يشير طايع إلى أنه فيما يتعلق بقطاع الزراعة فإنه أمام كل (4-5) مليار متر مكعب عجز من مياه النيل سيحدث بوار لمليون فدان زراعي، ومن ثم تشريد 2 مليون أسرة وفقدان 12% من الإنتاج الزراعي، وهو ما سيترتب عليه تعرض الأمن الغذائي المصري للخطر الشديد.

 في ذات السياق ونتيجة لنقص الموارد المائية، سيكون هناك حالة من النقص فيما يتعلق بمساحات الزراعات المستهلكة للمياه مثال: قصب السكر، الأرز، الموز والخضروات الورقية التي تحتاج لكميات كبيرة من المياه، من ثم سيتبع ذلك النقص في المساحات الزراعية إرتفاع ملحوظ في معدلات البطالة في مصر في القطاعين الزراعي والصناعي على حد سواء نتيجة نقص الحاصلات التي يتبعها عدد من الصناعات.

يضاف إلى تلك المشكلات زيادة معاناة الاقتصاد المصري نتيجة تحمل أعباء إضافية لإنشاء محطات تحلية لمياه البحر تخصص للإستهلاك المنزلي والصناعي والسياحي بالعديد من المدن وذلك لتوفير مياه النيل للزراعة.

مسارات مختلفة

استعرض الدكتور طايع في ورقته عددا من المسارات التي يمكن لمصر أن تتخذها حيال تعاملها المستقبلي مع أزمة سد النهضة منها تقديم مذكرتي احتجاج لكل من مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن الأفريقي في إطار الإتحاد الأفريقي، إضافة إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

ويسرد طايع عددا آخر من المقترحات المتعلقة بتشجيع رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني بهدف تحفيز الاستثمارات بدول المنبع وخاصة السودان الشمالي والجنوبي وتنزانيا وأوغندا وأثيوبيا، ومن ثم إنشاء صندوق خاص للإستثمار بتلك البلدان.

السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في ورقته المعنونة «الوساطة الدولية في أزمة سد النهضة: الفرص والقيود» قدم مقترحا يتضمن ضرورة إعداد ملف مصري لا يقصد منه اقناع الجانب الأثيوبي فحسب -على أهميته – وإنما يهدف  إلى جعل المجتمع الدولي حكما بين مختلف الأطراف وضاغطا على الجانب الأثيوبي، بحيث يتضمن الملف  في قسمه الأول رؤية مصر الفنية لقواعد وسنوات ملء وأسلوب إدارة وتشغيل سد النهضة بالتنسيق مع سدود السودان ومصر، وذلك بما يحافظ على حصة مصر من المياه.

السفير محمد حجازي

أما القسم الثاني من الملف المقترح من قبل حجازي فيتمثل في أن يتضمن الملف مقترحا للتعاون الإقليمي الشامل يقوم على إدارة الموارد المائية بشكل مشترك يسمح بالتصريف العادل الذي لا يضر دول المصب – مصر والسودان- محافظا على حقوقهما المائية القائمة بالفعل لها.

المثير في مقترح حجازي تمثل في طرحة لفكرة أن تلعب مصر دورا في تصدير كهرباء سد النهضة عبر الشبكة المصرية للكهرباء إلى الدول الأوربية، في حين أن الدكتور محمد نصر الدين علام في ورقته «مصير مفاوضات سد النهضة الأثيوبي» قدم مقترحا مناقضا يقوم على مقاطعة مصر لكهرباء سد النهضة، مشيرا إلى أن هذه المقاطعة لن توقف بناء السد ولكنها على الأقل سوف تحد من تشغيله ومن ثم تهدر بعضا من اقتصادياته، وذلك حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول هذا السد.

د. محمد نصر الدين علام

يضيف السفير محمد حجازي في إطار مشروعه التنموي المقترح «مشروع ممر التنمية الشرقي» الذي يربط بين مصر والسودان وأثيوبيا ضرورة أن تلعب مصر دورا في مساعدة أثيوبيا على تصدير منتجاتها عبر مؤانيء البحرين الأحمر والمتوسط، مع طرح إمكانية إستغلال المنطقة المحيطة بقناة السويس كمنطقة تخزين وتصدير «لوجستية» من قبل السودان وأثيوبيا، كنافذة لتصدير صادراتهما من اللحوم والمنتجات الزراعية والصناعية للأسواق العربية والأوربية والأمريكية وغيرها.

من جانب آخر يقترح حجازي إمكانية طرح ذلك المشروع التنموي المقترح على مؤسسات التمويل والمانحين، في إطار خطة تفعيل العمل الدولي المشترك الذي يهدف إلى إيجاد نوع من المشروعات متعددة الأغراض تخدم أكثر من دولة في آن واحد.

يختتم حجازي مقترحه بالتأكيد على أن الحل – من وجهة نظره – يكمن في المواءمة بين المصالح حتي يتسنى للنهر بكل روافده أن يتحول لواحة للخير والنماء بدلاُ من أن يكون ساحة للصراع.

النقطة الهامة في هذا الإطار تتمثل في ضرورة تفعيل الدور التفاوضي الضاغط من جانب الإدارة المصرية، ذلك الدور الذي انتقده المهتمون بشأن الموارد المائية، ووصفوه بأنه دور متخاذل لا يتفق وطبيعة الأزمة التي ستتعرض لها مصر جراء إنشاء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock