فن

دراما الجاسوسية.. قليل من الواقع.. كثير من الخيال

منذ أن تأسس جهاز المخابرات العامة المصرى فى عام 1954، بعد الرئيس جمال عبد الناصر بتكليف زكريا محيى الدين بتشكيله ورئاسته، لم يتوقف هذا الجهاز العظيم عن تقديم بطولات وطنية وأعمال جليلة دعمت الدولة الوطنية ومصالحها، ولعبت دورا رئيسيا فى كل المعارك التى خاضتها مصر، سواء العسكرية أو السياسية. 

وعقب انتصار أكتوبر 1973 بدأت الدراما التليفزيونية وكذلك السينما فى تقديم نماذج ساهمت فى معارك حرب الاستنزاف ومهدت لانتصار أكتوبر، وحتى الآن لم تتوقف الأعمال الفنية سواء فى السينما أو الدراما التلفزيونية عن تقديم صور مشرفة لبطولات المخابرات المصرية.

اقرأ أيضا:

«أكتوبر والسينما».. الفن حين يخفق في تجسيد الواقع

بين السينما والتليفزيون

لكن معظم الأعمال السينمائية كانت من خيال الكتاب، ولم تقدم أعمالا من واقع سجلات المخابرات سوى عدد محدود جدا من الأعمال، تمت الاستعانة فى أحداثها بالقليل جدا من الوقائع الحقيقية، فيما نسج صناع الأفلام من خيالهم الفنى ما يخدم الدراما ولا يُخل بالأحداث الحقيقية.

وفى الوقت الذى استطاعت فيه السينما العالمية أن تحقق نجاحات إستثنائية من خلال أعمال الجاسوسية فإن السينما المصرية – فى معظمها – لم تستطع إستثمار بطولات رجال المخابرات المصرية بالقدر الكافى وربما يكون أحد عيوب تلك التجارب الفنية أنها استهدفت تقديم رسائل للداخل وخاطبت الشعب المصرى والعربى فقط فى حين أن بعض البطولات ترقى لمستوى عالمى إذا تم تقديمها بأدوات أكثر حرفية ورُصدت لها ميزانيات إنتاج تليق بها خاصة فى مشاهد المطاردات أو التعذيب التى تم تنفيذها بشكل بدائى جدا بلغ حد إثارة السخرية. 

 على جانب آخر استطاعت الدراما التلفزيونية أن تتفوق فى أحيان كثيرة على السينما، وحقق عدد من المسلسلات– سيأتى ذكرها لاحقا-نجاحا كبيرا  ولافتا.

سينما الجاسوسية

  وبطبيعة الحال فإن السينما كانت الأسبق فى تناول بطولات المخابرات المصرية أو ما يعرف بأعمال الجاسوسية، ففى عام 1964 قدم المخرج نيازى مصطفى عملا ينتمى إلى السينما البوليسية، لكنه كان بداية لنوع جديد من الأعمال التى تطورت فيما بعد لتأخذ شكل أفلام الجاسوسية، وكان هذا العمل هو فيلم «الجاسوس» الذى كتبه و لعب بطولته فريد شوقى، ويتناول قصة ضابط بالمخابرات المصرية ينجح فى كشف شبكة تجسس تعمل لحساب إسرائيل وتأتى اهمية هذا الفيلم أنه أول عمل يتناول العداء والصراع بين مصر واسرائيل ،ونلاحظ أنه تم إنتاجه قبل نكسة يونيو 1967. 

وبعد نصر اكتوبر 1973 كان هناك توجيه وتوجه لإنتاج اعمال فنية تعرض لبطولات جهاز المخابرات – تلك المؤسسة التى لم يكن الكثيرون يعرفون شيئا عن دورها فى تحقيق النصر– وربما كان الهدف الأساسى هو صنع حالة من الفخر بأجهزة الدولة ومؤسساتها، وفى عام 1978، ورغم معاهدة الصلح التى أبرمها السادات مع إسرائيل قدم المخرج «كمال الشيخ» والمؤلف «صالح مرسى» أول عمل تؤخذ قصته من مصادر جهاز المخابرات وهو فيلم «الصعود الى الهاوية» بطولة مديحة كامل ومحمود ياسين.

والذى قدم قصة الجاسوسة «هبة سليم» وهو اسمها الحقيقى، وقامت بدورها «مديحة كامل» باسم «عبلة» ونجحت المخابرات الاسرائيلية فى تجنيدها حتى تمكنت المخابرات المصرية من كشفها والقبض عليها بمعرفة فريق مخابراتى بقيادة الضابط «رفعت جبريل» والذى جسد شخصيته محمود ياسين بإسم «خالد». 

ويعتبر «الصعود الى الهاوية» واحدا من أنجح الأفلام المصرية التى تعرضت للجاسوسية، ونجح كمال الشيخ فى تقديم أجواء الإثارة والتشويق التى تميز تلك النوعية من الأعمال، كما ظهرت لأول مرة على شاشات السينما المصرية كلمات باللغة العبرية.

وفى عام 1985 قدم المخرج علي عبد الخالق والكاتب إبراهيم مسعود فيلم «إعدام ميت» بطولة محمود عبد العزيز وليلى علوى ،ورغم أن القصة ليس لها أصل فى سجلات المخابرات وأن الكاتب قدم القصة من قبل فى مسلسل اذاعى بإسم «الصفقة»، إلا أن الفيلم نجح فى إقناع المُشاهد بصدقه، نظرا للأداء الجيد للممثلين، إضافة إلى مهارة علي عبد الخالق. وقد تناول الفيلم دور أبناء سيناء فى مساعدة الأجهزة المصرية، وإظهار الوجه الوطنى لهم رغم نجاح إسرائيل فى تجنيد أحدهم وهو «منصور مساعد» إلا أن المخابرات المصرية نجحت فى إلقاء القبض عليه وزرع ضابط شبيه به، وقد قام بالدورين «محمود عبد العزيز». وأجاد يحيى الفخرانى فى تقديم دور ضابط المخابرات الإسرائيلى. 

وفى عودة لسجلات المخابرات المصرية يقدم المخرج على عبد الخالق عام 1987 فيلم «بئر الخيانة» الذي كاتب المعالجة الدرامية له الكاتب «إبراهيم مسعود»، ولعب بطولته نور الشريف وعزت العلايلى. 

ويتناول الفيلم قصة شاب كان يحترف السرقة بالميناء «جابر»، ثم  هرب إلى أوربا وتوجه الى السفارة الاسرائيلية ليعرض خدماته فى مقابل المال، وتنجح المخابرات المصرية فى القبض عليه ويتم ترحيله الى مصر ويحكم عليه بالإعدام إلا أنه ينتحر قبل تنفيذ حكم الإعدام عليه. 

اثارة ومبالغات

 وفى حقبة التسعينيات قدمت نادية الجندى ثلاثة أفلام عن الجاسوسية، ففى عام 1992  قامت ببطولة فيلم «مهمة فى تل أبيب» للمؤلف بشير الديك والمخرج نادر جلال، وفى عام 1998 قدمت  فيلم  48 ساعة فى تل أبيب ، واختتمت الثلاثية بفيلم المخرج حسام الدين مصطفى «حكمت فهمى» وهو الوحيد من بين ما قدمته   الجندى – المأخوذ عن قصة حقيقية للراقصة حكمت فهمى. 

وقد اتسمت أعمال نادية بقدر كبير من المبالغات خاصة فى مشاهد الإغراء التى أفرطت فى تقديمها، سواء فى سياق درامى أو دون مبرر، كما جاءت مشاهد العنف والتعذيب والمطاردات ،ضعيفة فنيا جدا بشكل جعل من تلك الأعمال مثارا للنقد العنيف، خاصة فى مبالغاتها، وإظهار البطلة وكأنها تمتلك قدرات أسطورية وتستطيع هزيمة الجميع  بمفردها.

كما قدم «أشرف فهمي» فيلم فخ الجواسيس عام 1992 ويحكى قصة فتاة مصرية تضررت من ثورة يوليو التى أممت ممتلكات والدها مما تسبب فى وفاته بأزمة قلبية، وتتمكن المخابرات الإسرائيلية من تجنيدها.وفى تطور درامى يسقط شقيقها المجند بالقوات المسلحة شهيدا إثر غارة إسرائيلية على وحدته، فيعود لها ضميرها ووطنيتها وتقرر الإنتقام من الإسرائيليين وتعمل لصالح المخابرات المصرية ويمثل «فخ الجواسيس» تجربة متوسطة من حيث المستوى، ويعود على عبد الخالق مرة أخرى لسينما الجاسوسية من خلال فيلم «الكافير» عام 1999 للمؤلف ابراهيم مسعود.

ولاد العم… المغامرة والنضج

وفى عام 2009 تقدم السينما أحد أهم التجارب التى تناولت الجاسوسية من خلال فيلم «ولاد العم» للمخرج شريف عرفة والكاتب عمرو سمير وبطولة كريم عبد العزيز ومنى زكى وشريف منير، وقد أثار نجاح الفيلم غضب الإعلام الإسرائيلى، خاصة أنه جاء بعد سنوات من توقف السينما عن إنتاج تلك النوعية التى تؤكد دوما أن إسرائيل هى العدو الرئيسى للمصريين، وبأن العداء لم ينته بعقد إتفاقية للسلام بين البلدين، كما يتعرض الفيلم لأول مرة لحياة شباب مصريين فى تل أبيب وزواجهم من إسرائيليات ويرصد حجم المعاناة الإقتصادية التى يعيشها الشعب الفلسطينى، لدرجة دفعت بعضهم للعمل فى بناء الجدار العازل، والذى أثار إنشاؤه وقتها غضبا عربيا واسعا.

جاء فيلم «ولاد العم» متماسكا دراميا ومُقنعا إلى حد كبير خاصة فى مشاهد العنف والمطاردات التى تم تنفيذها بشكل متميز وبتقنية عالية. 

دراما التليفزيون… نجاح كبير

فى الوقت الذى عانت فيه السينما من السقوط فى المبالغات والإنتاج المحدود وتقديم عدد كبير من الأعمال التى كان  مصدرها هو خيال المؤلف، جاءت الدراما التليفزيونية  أكثر نجاحا باستخدامها لقصص حقيقية من سجلات المخابرات، بعيدا عن تغييرات فى الأحداث أو إضافة شخصيات لضرورات درامية، وقد بدأ تناول الدراما للجاسوسية فى عام 1980، حينما قدّم المخرج يحيى العلمى أول مسلسل يتناول قصة حقيقية من قصص الجاسوسية، وهو «دموع فى عيون وقحة» بطولة عادل إمام  وتأليف صالح مرسى عن قصة البطل المصرى جمعة الشوان وقد حقق المسلسل نجاحا كبيرا. 

وفى عام 1988 قدم قطاع الإنتاج بالتلفزيون مسلسل «رأفت الهجان» بطولة محمود عبد العزيز ،وكتبه أيضا صالح مرسى، وهو  مأخوذ عن قصة البطل «رفعت الجمال» الجاسوس المصرى الذى عاش سنوات طويلة فى إسرائيل وقدم للوطن معلومات إستخباراتية هامة، وكانت شوارع مصر والعواصم العربية تخلو تماما  من المارة عند عرض حلقات المسلسل، ويعتبر أهم وأنجح مسلسلات الجاسوسية التى قدمت حتى الآن، وقدم الموسيقار عمار الشريعى موسيقى تصويرية لكل من المسلسلين بقيت حاضرة فى ذاكرة الوطن وتعد من أروع موسيقانا التصويرية.

 وفى عام  1993 يقدم المخرج «أحمد خضر» مسلسل «الثعلب» بطولة نور الشريف الذى يلعب شخصية اللواء رفعت جبريل أحد ضباط المخابرات المصرية، وفى عام 1994 قدم المخرج نور الدمرداش آخر أعماله وهو مسلسل «السقوط فى بئر سبع» حيث توفى أثناء التصوير واستكمِل العمل وتم عرضه فى العام نفسه، وهو مأخوذ عن رواية  عبد الرحمن فهمى «ابراهيم وانشراح».

 ثم عرض مسلسل «الحفار» عام 1996 للمخرج وفيق وجدى، وشارك فى كتابته  كل من صالح مرسى وبشير الديك ،ويتناول قصة بطولة حقيقية للمخابرات المصرية، وهو من بطولة حسين فهمى ويوسف شعبان، وقدمت المخرجة شيرين عادل إحدى بطولات المخابرات فى مسلسل «العميل 1001» الذى كتبه نبيل فاروق وكان أول عرض له عام 2005 وقام ببطولته مصطفى شعبان ونور.

كما قدم المخرج نادر جلال قصة كتبها صالح مرسي بعنوان «سامية فهمي» وكتب السيناريو والحوار «بشير الديك» وتم عرض المسلسل باسم «حرب الجواسيس» عام 2009، من بطولة منة شلبى و  هشام سليم وشريف سلامة.

وفى عام 2012 قدم المخرج مجدى أبو عميرة مسلسل «الصفعة» عن قصة حقيقية تدور أحداثها خلال فترة حرب الإستنزاف وكتب المسلسل «أحمد عبد الفتاح» وقام ببطولته شريف منير وهيثم أحمد زكىوتبدو الدراما التلفزيونية، سواء بتلك الأعمال التى ذكرناها أو غيرها هى الأغزر إنتاجا للأعمال التى تستند إلى وقائع إستخباراتية حقيقية وأكثر اهتماما بذلك النوع من الأعمال بالمقارنة بالسينما، لكن المؤكد أن كل الأعمال التى قُدمت سواء فى السينما أو التلفزيون تمثل تراثا نضاليا وبطوليا ضد العدو الرئيسى إسرائيل وهذا ما حاولت الأعمال الفنية التأكيد عليه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال موجز ومختصر وممتاز ورصد هام للتأكيد على هوية الصراع الصهيوني العربي واستمرار اعلان ان العدو الحقيقي للمصريين هو اسرائيل..هذا برغم فقر الامكانيات والحرفة الفنية..
    وبرغم ايضا تعتيم البعض في السينما والتليفزيون على طمس القضية والعمل على محوها من ذاكرة المصريين..
    تحياتي لقلمك..

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock