منوعات

على الزيبق.. بطل صنعه الخيال الشعبى على أعين البسطاء

«على الزيبق» واحدة من السير الشعبية التي أبدعتها المخيلة المصرية، التي لها الفضل في إبداع الكثير من السير التي وصلت إلينا مثل سيرة «سيف بن ذي يزن، والظاهر بيبرس، وبني هلال». وتقع سيرة الزيبق في 240 صفحة حسب النسخة المصرية التي نشرها الدكتور محمد سيد عبدالتواب، (بالهيئة العامة المصرية للكتاب)، والتي تعد أقدم طبعة مصرية لها وصلتنا حتى الآن، وتعود لعام 1880م، وقدم قبلها دراسة سريعة.

 وبمقارنتها من حيث الحجم ببقية السير الشعبية، يُلحظ أنها الأصغر فهي لا تكاد تساوي جزءا واحدا من سيرة عنترة بن شداد التي يصل أحيانًا الجزء الواحد منها إلى 450 صفحة في 8 أجزاء.

تشابه

ويلاحظ من يقرأ سيرة علي الزيبق أنها تتماس في الكثير من أحداثها وحكاياتها مع حكايات وأحداث سير أخرى، مما يعطي انطباعًا أنها خرجت جميعا من مشكاة بيئة شعبية واحدة. فعلى سبيل المثال نجد أن علي الزيبق يتعرف على ابنه «أسد الغاب» في القتال صدفة، فالأحداث تبدأ بأن هناك بطلا يقهر كل الأبطال ولا يستطيع أحد أن يجاري قوته، ويطلب قتال الأبطال ويجندلهم، فيخرج له البطل المشهور الذي ذاع صيته، وهو في هذه السيرة علي الزيبق الذي يقاتل «أسد الغاب» دون أن يعرف أنه ابنه، ولكن يشعر المتقاتلان العنيدان القويان أن هناك رابطا غريبا بينهما، ويدور بينهما صراع حامي الوطيس، إلى أن يتعرف كل منهما على الآخر، وهو الأمر الذي يظهر في سيرة عنترة عندما يقاتل أحد أبنائه ويتعرف عليه، وكذلك في السيرة الهلالية حين يقاتل رزق ابنه «أبو زيد» دون أن يعرفه، وكذلك في سيرة الزير سالم الذي يقاتل ابن أخيه هجرس بن كليب دون أن يعرفه، وسيف بن ذي يزن الذي يقاتل أمه وفي النهاية تنكشف الحقيقة ويتجمع الشمل.

المرأة.. بطلا

وفي سيرة الزيبق يظهر دور المرأة جليًا كما في العديد من السير والحكايات الشعبية، فسيرة ذات الهمة كُتبت عن امرأة مجاهدة، والجازية هي صورة من أبو زيد الهلالي. وفي هذه السير يُلحظ أن المرأة تكون مقاتلة متخفية في زي رجال وتستطيع أن تقهر الرجال في حلبة الميدان، فعلى سبيل المثال في سيرة عنترة نجده يجالد نساء قويات ينتصر عليهن بالكاد) ،كما أنه بعد وفاة عنترة  تتولى ابنته «عنيزة» قيادة الرجال في الحرب، وفي سيرة علي الزيبق هناك فاطمة الفيومية أمه قاهرة الرجال، وهناك دليلة المجوسية صاحبة الحيلة التي هي بمثابة البطل الضد، الذي له دور كبير في تطور الأحداث داخل السيرة، فهي تقابل شخصية الربيع في سيرة عنترة، والعلام في السيرة الهلالية.

في كل السير يكون للبطل تابع، أشهرهم شيبوب مع عنترة، وأبو القمصان مع أبو زيد الهلالي، وفي سيرة علي الزيبق هناك فاطمة الفيومية التي تنقذ ابنها من كل شرك يقع فيه.

وتعتمد سيرة علي الزيبق على «الحيلة» فبطلها واسع الحيلة، قادر على أن يُحرج خصومه بـ«المقالب» ولا يستطيع البطل الذي أمامه أن يكشفها، وهو ليس البطل الوحيد الذي يتفرد بالحيلة والدهاء في السير الشعبية، فهناك أبو زيد الهلالي «سكته كلها مسالك» وهناك الجازية التي كان لها ثلث المشورة في قبيلة بني هلال، وفي سيرة عنترة هناك شيبوب الذي تمتع بالقدرة على التنكر وإنقاذ عنترة وقبيلته من الكثير من المهالك.

أما عن الأعداء في سيرة علي الزيبق، فلا يختلفون عن الأعداء في حكايات ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية الأخرى، فهم تارة المجوس عبدة النار وكبيرهم كسرى، ويجعل راوي السيرة دليلة المحتالة منهم مبررًا بذلك سوء فعالها وظلمها للعباد، فهي شر محض لا تتورع عن محاولة قتل حفيدها ابن علي الزيبق وابنتها زينب، وهناك الروم الذين يقف لهم علي الزيبق بالمرصاد، وهناك الأحباش والجن.. وهذان العدوان أكثر حضورًا  في سيرة سيف بن ذي يزن، فالخيال الشعبي المصري في سيره يعتبر الأحباش أعداء له دومًا بسبب تهديدهم الدائم بمنع ماء النيل من الوصول إلى مصر.

حب الوطن

أما عن الإطار المكاني الذي تدور فيه السيرة، فجله يدور في مكانين، مصر ممثلة في مدينتها القاهرة، والعراق ممثلا في مدينة بغداد، ويلاحظ في هذه السيرة أن الأبطال المصريين دومًا يحنون إلى بلادهم ويرغبون في أن ينهوا حياتهم فيها، مثل أحمد الدنف، أستاذ علي الزيبق، وكذلك الزيبق نفسه الذي يقول في السيرة على لسان الرواي بعدما طلب من الرشيد أن يسمح له بالعودة إلى بلاده «قال يا علي لك خاطر تقيم في مصر. قال: نعم يا ملك الزمان لكون حب الوطن من الإيمان وبحسب الإنسان إذا راح على الجنة لا يحن إلا وطنه» وهذا القول يحيلنا إلى بيت أحمد شوقي أمير الشعراء «وطني لو شغلت بالخلد عنه… لنازعتني إليه في الخلد نفسي».

كما أن هذه السيرة تقدم صورة للبيئة المصرية وعادات أهلها وتقاليدهم وأفكارهم وطعامهم، فالإعتقاد بالأولياء حاضر، وخاصة السيدة زينب التي تحمي البطل من كل الأخطار، وكذلك الخضر عليه السلام. وتكشف السيرة عن علاقة الأبوية بين أرباب كل صنعة وشيخ هذه الصنعة فكلهم كأنهم أبناؤه، وينادونه باسم أبي، حتى العياق الذين منهم علي الزيبق الذي يقول لأستاذه أحمد الدنف يا أبي وكذلك كل تلاميذ الدنف يفعلون.

ولا تخلو سيرة علي الزيبق من العالم العجائبي، أحد أهم مميزات السير الشعبية، فعلي الزيبق له أخت من الجن الأبيض المسلم تساعده إذا احتاج إلى عونها، كما أنه يساعد أهل أخته من الجن في حروبهم ضد الجن الأحمر والأسود، وهناك التمساح الذي يغتصب ابنة ملك الحبشية فتنجب منه ابنا يدعى صلبون لا يؤثر فيه ضرب السيوف، وقد أثار الرعب في مصر ولم يقدر على إيقافه أحد من هتك عرض بناتها الجميلات، الأمر الذي يدفعهم إلى الشكوى إلى الرشيد كي ينقذهم، فيذهب أحمد الدنف أولا فُيقتل دفاعًا عن العرض، ويأتي علي الزيبق كي ينتقم لمقتل أستاذه، لكن نهاية «صلبون» الخرافي تكون على يد ابن علي الزيبق، بسيفه المصنوع من مادة هي الوحيدة القادرة على قتله. حيث يجيء أسد الغاب في اللحظة الأخيرة، وينقذ أباه علي الزيبق من القتل، فالسيدة زينب حامية مصر جاءت في المنام إلى فاطمة الفيومية أم علي الزيبق وأخبرتها أن صلبون سيقتل بسيف «أسد الغاب» وهذا هو ما يحدث.

والسبب الذي يرفع من قدر بطل هذه السيرة ويجعله صاحب مكانة في قلوب الناس، أنه قادر على رفع الظلم عنهم، فعلي الزيبق والدنف وغيرهم عبارة عن شطار وقطاع طريق، مثلهم مثل الصعاليك، لكنهم لصوص يعملون لصالح الناس والشعب ويقفون ضد فساد الحكام.

وتنتهي حياة هذا البطل بالقتل مسمومًا على يد زوجته زينب بنت دليلة المحتالة، بعد أن تزوج عليها، وهي نفس ميتة أبيه حسن رأس الغول، ولكن ما من بطل في السيرة يموت إلا وكان هناك من يكمل طريقه، فعنيزة في سيرة عنترة تكمل سيرة أبيها، وعبدالوهاب في سيرة ذات الهمة يكمل طريق أمه، وفي هذه السيرة أسد الغاب يكمل طريق أبيه، وابن أبو زيد الهلالي يسير على نهج والده، وهجرس ابن كليب يتبع طريق أبيه كليب وعمه الزير سالم، لكن الاختلاف أن سيرة  علي الزيبق لا تقدم حلقة إكمال الابن كما في السير الأخرى وتتركها مفتوحة لكل الإحتمالات.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker