بالرغم من ملامحه الأوربية، ومن نشأته الأرستقراطية الغربية فى أسرة دبلوماسية، وعلى الرغم من أن والده كان بارونا نمساويا وأن والدته كانت سيدة صالونات إيطالية، على الرغم من كل هذا فإن استيفان روستى بموهبته التمثيلية الفذة وباندماجه فى المجتمع المصرى، وقدرته على التشخيص والتجسيد استطاع أن يقنعنا بأنه مصرى وابن بلد أيضا.
وهو صاحب أشهر الإيفيهات فى تاريخ السينما المصرية مثل «نشنت يا فالح» «اشتغل يا حبيبى اشتغل» بالإضافة إلى جملته الشهيرة لأم كلثوم «أبوس القدم وأبدى الندم على غلطتى فى حق الغنم» فى فيلم سلامة
كان ستيفان يمتلك روحا مصرية شرقية حقيقية، رغم انتمائه الأوربى الخالص، وربما كانت هذه الخلطة العجيبة هى الباب الكبير الذى دخل به هذا الفنان إلى قلوب محبيه من جمهور السينما المصرية، فأنت أمام ملامح أوربية خالصة لا تخفى على أحد، لكن ما يثير الدهشة حقا أن صاحب هذه الملامح يتحول حين يتكلم وينطق ويعبر ويمثل إلى رجل مصرى شرقى شرير يغلف شره بمسحة كوميديا وظرف جميليْن يستسيغهما الجمهور فيبدو وكأن هذا الفنان هو ابن بلد حقيقى، عاش وتربى فى الحارة المصرية، جلس على مقاهى شبرا، وذهب إلى مولد السيدة زينب، وفاصل بائعى الملابس فى العتبة ووكالة البلح، ولن نستطيع هنا أن نحصى مئات الأدوار التى، عبر بها روستى عن الجانب المصرى الشرقى المستقر فى أعماقه
بدايات
فى السادس عشر من نوفمبر عام 1891 وُلِد الطفل ستيفان دي روستى فى القاهرة، لأب من بارونات النمسا عمل لفترة سفيرًا لها فى القاهرة، وأم أرستقراطية إيطالية، التقى الأب والأم فى مصر وتزوجا وأنجبا ابنهما ستيفان، وحين ترك والده العمل السياسى، ورغب فى العودة إلى بلاده، رفضت الأم الرحيل معه، وقررت البقاء مع ابنها فى مصر، واختفت مع ابنها استيفان في الإسكندرية بعد أن علمت أن والده كان يخطط لخطفه ثم عاشا فى منطقة رأس التين والتي التحق استيفان بإحدى المدارس فيها.
ظهرت موهبة التمثيل لدي «استيفان» أثناء دراسته و عندما كان تلميذاً بمدرسة رأس التين الثانوية، كان يبحث عن فرصة للتمثيل، فحذره معلموه من الاستمرار فى حبه لهذه الهواية التى كانت سبة آنذاك لكن استيفان كان ممثلا بالفطرة فلم يستسلم لتحذيرات معلميه ولا إدارة مدرسته، ولم يستطع البعد عن التمثيل، وانتهى الأمر إلى فصله من المدرسة، فتقدم إلى مصلحة البريد ليعمل «بوسطجى» وتم قبوله واستلم عمله، وقبل مضى أسبوع على تعيينه جاء إلى مصلحة البريد تقرير من المدرسة الثانوية بأن استيفان يعمل ممثلا»، فما كان من مصلحة البريد إلا أن طردته، ليجد نفسه بلا عمل وما يحصل عليه من التمثيل لا يكفيه هو ووالدته، فقرر السفر إلى إيطاليا بحثا عن عمل ولدراسة التمثيل هناك.
أتاحت الظروف للشاب ستيفان أن يعمل مترجما فى إيطاليا، والتقى من خلال عمله بكبار النجوم، وكان يتردد على المسرح الإيطالى وأتيحت له فرصة ممارسة السينما عمليا هناك، فعمل ممثلا ومساعدا فى الإخراج ومستشارا فى إحدى الشركات السينمائية الإيطالية التى كانت تنتج أفلاما تتعرض لكثير من العادات العربية لشئون الشرق العربى، وفى إيطاليا التقى ستيفان بالمخرج محمد كريم الذى نصحه بالعودة إلى مصر لأن مستقبلا فنيا كبيرا ينتظره فى القاهرة، بعد ذلك سافر استيفان إلى فرنسا وعمل فى السينما هناك ومن باريس سافر إلى فيينا ليشارك فى إحدى الروايات المسرحية.
العودة إلى مصر
وأخيرا امتثل ستيفان لنصيحة محمد كريم وعاد إلى مصر عام 1924، وبعد عودته زادت صعوبات الحياة عليه وعلى والدته فتزوجت من أحد الإيطاليين، ولكن استيفان غضب كثيرا وقرر أن يهجر البيت باحثا عن فرصة عمل فى المسرح، حيث طلب مقابلة عزيز عيد ليمنحه فرصة، وفوجئ «عيد» بشاب يقف أمامه ويجيد الفرنسية والإيطالية بطلاقة فقرر أن يلحقه بفرقته.
التحق استيفان روستي بعد ذلك بفرقة نجيب الريحانى وقام بدور حاج بابا فى رواية «العشرة الطيبة» فى كازينو دى بارى الذى تحول فيما بعد إلى استديو مصر، ثم عمل فى فرقة يوسف وهبى، كما قام بتعريب العديد من الروايات لفرقة يوسف وهبى والتى حققت نجاحا كبيرا فى ذلك الوقت.
نجيب الريحاني
تجربة الإخراج
وفي عام 1927 استعانت عزيزة أمير وكانت نجمة لامعة في ذلك الوقت بخبرات استيفان روستى الإخراجية بعد أن حدثت بعض المشاكل بينها وبين شريكها المخرج وداد عرفى بعد أن عرفت أن ستيفان له تجربة فى ميدان السينما خارج مصر وعهدت له بإخراج فيلم «ليلى»، الفيلم الذي كتب قصته الصحفي أحمد جلال، وعرض الفيلم بسينما متروبول فى حفل حضره طلعت بك حرب وأمير الشعراء أحمد شوقى وحشد كبير من الفنانين والصحفيين و حصد الفيلم نجاحا كبيرا ليكون أول فيلم روائى مصرى ناطق
بعد ذلك توالت الأفلام الذي أخرجها استيفان مثل البحر بيضحك ليه وكان فيلما كوميديا ثم «عنتر أفندى»، «الورشة»، «ابن البلد»، «أحلاهم»، «جمال ودلال»، كما كان لاستيفان فضلا عن التمثيل والإخراج موهبة التأليف ففي عام 1958 شارك مع زكى صالح فى تأليف فيلم «قاطع طريق» الذى مثله مع هدى سلطان ورشدى أباظة، كما شارك فى تأليف فيلم «لن أعترف» وكذلك فيلم «ابن ذوات».
الشرير الظريف
حقق استيفان روستي مشوارا فنيا طويلا قدم خلاله حوالى 380 فيلما سينمائيا بين تمثيل وإخراج وتأليف، لكن التمثيل كان هو الغالب بالطبع فاستطاع أن يقدم أداءً تمثيلياً فريداً من نوعه لم يقلد فيه أحدا ولم يتمكن أحد من تقليده، برز فى أدوار الشر ذى الصبغة الكوميدية حتى أصبح ألمع وأظرف أشرار السينما المصرية فقد ترك بصماته الواضحة ولمساته المتفردة ذات النكهة الخاصة على شخصيات من نوعية «النذل، الانتهازى، المنافق» ولا أحد يستطيع أن ينسى جمله المأثورة فى أفلامه مثل (والنبى صعبان عليا، مرحب يادنجل، مشروب البنت المهذبة).
نهاية مأساوية
كانت حياة ستيفان الخاصة مأساوية، فقد أحب فتاة نمساوية تركته فجأة وسافرت إلى النمسا وعرف بعدها أنها ارتبطت بعلاقة عاطفية مع والده هناك وكان شرخا نفسيا عميقا، وحين قارب ستيفان سن الستين تزوج من إيطالية، وأنجب منها ولدين فقدهما بسرعة.. الأول بعد أسابيع من ولادته، والثاني وهو في عمر الثلاث سنوات.
وفي عام 1964 وبينما كان استيفان روستي يزور أحد أصدقائه بالإسكندرية انطلقت شائعة وفاته، وأقامت نقابة الممثلين حفل تأبين بعد أن صدقت الشائعة، وفي منتصف الحفل وصل استيفان روستي مقر النقابة ليسيطر الذعر على الحاضرين وانطلقت ماري منيب ونجوى سالم وسعاد حسين في إطلاق الزغاريد فرحاً بوجوده على قيد الحياة، ولكن بعدها بأسابيع قليلة في الثاني عشر من مايو توفى بالفعل، بعد أن أصيب بأزمة قلبية تاركا زوجته التى أصابتها حالة نفسية شديدة الوطأة استدعت تكاتف عدد من الفنانين لتسفيرها إلى أهلها بإيطاليا، وقد ترك ستيفان مبلغ 7 جنيهات وشيكا بمبلغ 150 جنيها يمثل الدفعة الأخيرة من فيلمه حكاية نص الليل، فيما ترك لجمهوره رصيدا فنيا لا يقدر بثمن.
https://youtu.be/LR852rGfSBk