الليل يخيم على الحارة، لا يوجد ما يضئ المكان غير ضوء بعض النوافذ من البيوت المتهالكة، فى تلك الساعة المتأخرة من الليل يجلس أبو سعدية على الأريكة بجوار نافذته المخلوع منها بعض ريشاتها، يدخن سيجارته شارد الذهن، تدخل عليه زوجته تقدم خطوة وتؤخر الثانية، وهذا حالها دائما عندما تتجرأ على طلب أى شئ منه.
مالك ياولية فى إيه؟ سألها في تبرم.. أمى تعبانة عايزة أزورها بكرة. أنتبه فجأة دون أن يغير جلسته، فهذا ما يتمناه خاصة غدا الخميس، كل الظروف تعمل لصالحه
رد فى ثبات: أمك تعبانة روحيلها… طب وسعدية؟
-.مالها؟
-مش عجباني اليومين دول لا بتاكل ولا بتتكلم.
-عَنها ما كلت لما يقرصها الجوع تأكل….
-خليها تحضر لك الغدا لما ترجع من كليتها.
لم يرد عليها، فهو فى عالم آخر. تركته وهى شاردة الذهن تردد مع نفسها: يا ترى البت دي مالها، دي هى اللي حيلتنا يارب.
لم يغمض له جفن من فرط سعادته حتى الصباح… قوم يا أبو سعدية مش رايح الدكان؟ سألته زوجته.. مش نازل دلوقتى، قالها متظاهرا بالنعاس، استرسلت فى كلام كثير سمع منه فقط إنها نازلة مع سعدية، لم يرد بكلمة، فهذا هو مراده، فهو رجل حمش قليل الكلام كثير الأوامر، يرعب أهل بيته حتى بالنظرات فقط. انتفض على صوت الباب يقفل، فخرج إلى مكانه المفضل على الأريكة وبدأ النظر من النافذة، البيوت هنا قريبة لدرجة يمكن أن يتبادل الجيران السلام بالإيدى وهو راجل ملتزم، لا يجلس فى الشرفة لكن يستمتع بالتلصص على جارته باهرة الجمال من خلال النافذة، فاليوم يوم التنظيف.
أحضر قهوته وأشعل سيجارة فى انتظارها، فتحت الشرفة وهى تأخذ راحتها فيما خف من ملابس البيت، وهو ما يزيد من جمالها ويكشف عن مفاتن جسدها، فهى تتمتع بأنوثة طاغية ونضارة بداية من وجهها لأخمص قدميها، تربط على رأسها منديلا صغيرا، فلا أحد أمامها- هكذا تظن -، فجميع النوافذ مغلقة.
مرت ساعة وهو يتلهف لهذا اللقاء حتى خرجت لوضع السجاد وبدأت عملها الأسبوعي، انا هنا أراها بوضوح وأرى نفسي معها، جلستي هذه تشبع رغبتي الدائمة فى النظر إليها، خاصة وهى فى هذا الوضع المثير، نعم مثير فلم تلبث أن كشفت عن رجليها لتنظيف الأرض بالماء والصابون حتى فقدت توازنها وسقطت على الارض انتفض وهو يأمل أن يساعدها فى النهوض، لكنها قامت بسرعة بعد أن طال البلل قميصها كله فزاده التصاقاً بجسدها، وكشف أكثر مما تمني، ولم يترك لخياله مجالا لتوقعات أوسع، كل الامور تسير حسب رغبته المريضة المهزوزة التى يخفيها وراء قسوته على أهل بيته، هو فى الحقيقة أضعف بكثير مما يبدو، لكن ليس له خيار، فهو يفعل كما كان أبوه يفعل مع أمه.. هذه هي الرجولة عنده.. لا يبتسم فى وجه ابنته أو يحنو عليها بكلمة، يؤمن بمبدأ «اكسر للبنت ضلع يطلعلها أربعة وعشرون»، أما زوجته فليس لها أى حق فى المناقشة أو الاعتراض عندما يدعوها لفراشه.
بدأت ثورته الدفينة تهدأ عندما قاربت جارته على الانتهاء من اعمالها وارتدت ملابس أكثر ستره واحضرت كوبا من الشاى وضعته على حافة الشرفة، عندها اعتدل فى جلسته فقد انتهى اجمل مشهد يتلذذ به، ثم أنتبه على صوت الباب يفتح ويغلق بقوة…
-مالك يا ولية فى إيه جاية جرى من عند امك؟، لم ترد عليه كعادتها لكنها دخلت فى موجة من البكاء، وهى تحاول أن تكتم صوتها واضعة يدها على فمها حتى لا يسمعها أحد من الجيران.
-انتي بتعيطي؟.. أمك ماتت فى داهية!
-لا دي بنتك!
هبط بقوته وطوله وعرضه على الكنبة، التى كان يتلصص منها قبل قليل على جارته.، خارت قواه فلم تعد ساقاه قادرتين على حمله ونظر إليها، نظرة ليست كنظراته السابقة.. كانت هذه المرة نظرة توسل بأن تكمل حديثها، ورجاء الا يكون مكروه قد أصاب ابنته الوحيدة، عندما رأته فى حالة الانكسار هذه كما تمنت دائما أن تراه، تشجعت، والقت بقنبلة في وجهه.. بنتك هربت مع سيد الفرّان!