منوعات

هل يولد «داعش جديد» من رحم «حراس الدين»؟

نعمان صديق – محلل جيوسياسي  لسياسات منطقتي أفغانستان وباكستان، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا

*عرض وترجمة: أحمد بركات

وفقا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد حصلت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على  معلومات مهمة بشأن الأماكن التي كان يحتمل أن يتواجد فيها الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، في أعقاب القبض على إحدى زوجاته، والتي كانت تتولى نقل رسائله الخاصة إلى كبار معاونيه في العراق  الصيف الماضي، و ذلك عقب استجوابها.

ليلة مقتل البغدادى

ويستعرض هذا التقرير تفاصيل التسلسل الزمني للغارة الجوية الليلية التي شنتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية والتي تم خلالها قتل البغدادي.. حيث يشير التقرير إلى أنه «في حوالي منتصف ليلة الأحد بتوقيت سوريا – ليلة مقتل البغدادى- (الساعة الخامسة مساء السبت بتوقيت واشنطن)  أقلعت ثماني مروحيات أمريكية من طراز Ch-47 Chinooks من قاعدة عسكرية بالقرب من أربيل، بالعراق. وقد حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض حتى لا يتم كشفها، وعبرت بسرعة الحدود السورية ثم حلقت داخل سوريا في رحلة خطيرة استغرقت 70 دقيقة إلى منطقة باريشا شمال مدينة إدلب في غرب سوريا».

وقبيل نشر تقرير صحيفة «نيويورك تايمز»، كان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد أفاد  في وقت سابق من يوم الأحد بأن سربا من ثماني مروحيات مصحوبة بطائرات حربية تابعة للتحالف الدولي كان قد هاجم مواقع تابعة لتنظيم «حراس الدين»، الموالي لتنظيم القاعدة، في محافظة إدلب، حيث كان يُعتقد أن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية يختبئ هناك.  

ورغم أن تقرير نيويورك تايمز يعرض التفاصيل الدقيقة للغارة التي شنتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية، إلا أنه  تجاوز – عن عمد – معلومة مهمة تفيد بأن الموقع الذي قُتل فيه البغدادي في قرية باريشا، والذي يبعد 5 كيلو مترات فقط عن الحدود التركية، يتبع «تنظيم حراس الدين»، الذي تم استهدافه من قبل عدة مرات في غارات جوية أمريكية.

وبينما من المفترض عموما أن «تنظيم حراس الدين» يتبع تنظيم القاعدة، إلا أنه في واقع الأمر يقوم حاليا بعملية إعادة تجميع جهاديي تنظيم الدولة في شمال غرب إدلب بعد طرد تنظيمهم من الموصل والرقة، وتضييق الخناق عليه بقوة عن طريق الغارات الجوية التي شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في شرق سوريا.

افتراض مستحيل

لابد من الإشارة هنا  إلى  أن التمييز بين الجهاديين الإسلاميين و’المتمردين المعتدلين‘ المزعومين في سوريا، هو محض وهم لا يمت إلى الحقيقة بصلة. فقبل تحوله إلى جماعة مسلحة واحتلاله الموصل في العراق في عام 2014، كان تنظيم الدولة جزءا لا يتجزأ من المعارضة السورية، وكانت تربطه علاقات أيديولوجية وعملياتية وثيقة بجماعات مسلحة أخرى في سوريا. لذا، فإنه حتى في حال نجاح واشنطن في استئصال شأفة جميع مقاتلي تنظيم الدولة من سوريا – وهو افتراض مستحيل عمليا – فماذا عساها أن تفعل مع أعداد لا تحصى من الجماعات المسلحة الأخرى الموجودة هناك؟، خاصة مع عشرات الآلاف من مجاهدي «جبهة النصرة»، بمن فيهم مسلحو حراس الدين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، ووجدوا لأنفسهم ملاذا جديدا في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا منذ عام 2015؟

يتمثل الحل العملي الوحيد لهذه المعضلة في سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، والسماح لدمشق بفرض ولايتها على جميع أنحاء سوريا للقضاء على جميع الجماعات المسلحة هناك، بما في ذلك جهاديو تنظيم الدولة وجبهة النصرة وحراس الدين، رغم أن صقور السياسة الخارجية في واشنطن قد يكون لديهم اعتراضات على ذلك بحجة عدم ترسيخ الوجود الإيراني والروسي في سوريا.

الحرب بالوكالة.. وصعود الراديكاليين

قبل إخلاء 1000 جندي أمريكي من شمال سوريا إلى غرب العراق، كان لدى البنتاجون 2000 جندي أمريكي في سوريا. وبعد خفض أعداد القوات الأمريكية بسبب إصرار الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لكي تقوم أنقرة بشن هجوم بري في شمال سوريا، لا يزال لدى الولايات المتحدة 1000 جندي، معظمهم في محافظة دير الزور الشرقية الغنية بالنفط وفي قاعدة التنف العسكرية.

تقع قاعدة «التنف» العسكرية في موقع استراتيجي في جنوب شرق سوريا على الحدود بين سوريا والعراق والأردن، كما أنها تقع على طريق دمشق بغداد السريع المهم للغاية، والذي يعتبر بمثابة شريان الحياة لدمشق. وكانت واشنطن قد احتلت – بشكل غير قانوني – مساحة 55 كيلو مترا حول قاعدة التنف منذ عام 2016، وقام مئات من مشاة البحرية الأمريكية بتدريب العديد من الجماعات المسلحة السورية هناك.

لكن بدلا من محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الهدف من الوجود المستمر للقوات الأمريكية في قاعدة التنف العسكرية كان معالجة المخاوف الإسرائيلية المتعلقة بتمدد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان.

لقد كان اهتمام واشنطن بالحرب بالوكالة في سوريا ينصب بالأساس على ضمان أمن إسرائيل الإقليمي. وفي هذا السياق تحدث تقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، الذي رفعت عنه السرية في عام 2012، بوضوح عن صعود وشيك لإمارة سلفية في شمال شرق سوريا (في الرقة ودير الزور اللتين كانتا محتلتين من قبل تنظيم الدولة حتى أكتوبر 2017) ،في حال اندلاع حرب أهلية في سوريا.  

لكن، نتيجة لضغوط اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، اضطرت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، إلى إخفاء التقرير عن عمد، وتجاهلت أيضا بشكل عام وجهة النظر القائلة بأن الحرب بالوكالة في سوريا ستؤدي إلى صعود الجهاديين الراديكاليين. 

كان الصقور في واشنطن يدركون تماما تداعيات استراتيجيتهم في سوريا، لكنهم واصلوا اتباع سياستهم المشؤومة المتمثلة في رعاية المسلحين في معسكرات التدريب الموجودة في المناطق الحدودية السورية مع تركيا والأردن من أجل إضعاف الحكومة السورية المعادية لإسرائيل.. حيث ما يسمى  محور المقاومة الإيراني – الذي يضم كلا من طهران ودمشق وحزب الله اللبناني – يشكل الخطر الأكبر على الأمن الإقليمي الإسرائيلي.

ضربات جوية إسرائيلية

وفي أثناء حرب لبنان في عام 2006، أطلق حزب الله مئات الصواريخ على شمال إسرائيل، وأدرك العسكريون الإسرائيليون للمرة الأولى طبيعة التهديد الذي يفرضه حزب الله، ورعاته، على الأمن الإقليمي الإسرائيلي.

لم تكن تلك الصواريخ سوى مجرد صواريخ غير موجهة، لكنها كانت بمثابة تحذير قوي للخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين بشأن ما يمكن أن يحدث إذا نقلت إيران تكنولوجيا الصواريخ الموجهة إلى حزب الله الذي تقع منطقة عملياته على مقربة من الحدود الشمالية الإسرائيلية. ومن ثم، هرعت جماعات الضغط الإسرائيلية إلى إجبار – بالمعنى الحرفي للكلمة – الرئيس أوباما آنذاك على تنسيق حرب بالوكالة ضد دمشق وحليفها اللبناني لتفكيك محور المقاومة الإيراني.

على مر السنين، لم تكتف إسرائيل بمجرد تقديم المساعدات الطبية والدعم العسكري للجماعات المسلحة التي تحارب دمشق، وخاصة ،إلى فصائل متنوعة تابعة للجيش  السوري الحر  وجبهة النصرة في درعا والقنيطرة المتاخمتين لمرتفعات الجولان المحتلة إسرائيليا، وإنما لعب سلاح الجو الإسرائيلي أيضا دور القوات الجوية للجهاديين السوريين، وشن مئات الضربات الجوية في سوريا على مدى الصراع المستمر منذ ثماني سنوات. 

ففي مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”في يناير الماضي أقر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق، الجنرال جادي أيزنكوت، بأن حكومة نتنياهو وافقت على خطته لتغيير الاستراتيجية في يناير 2017 بتصعيد غاراتها الجوية على سوريا. وبناء على ذلك، تم توجيه أكثر من 200 ضربة جوية إسرائيلية ضد أهداف سورية في عامي 2017 و2018، كما كشف وزير الاستخبارات الإسرائيلية، إسرائيل كاتز، في سبتمبر من العام الماضي.    

أنه في عام 2018 فقط، أسقطت الطائرات الإسرائيلية 2000 قنبلة على سوريا. كان هدف  الضربات الجوية الإسرائيلية ضد سوريا هو تقويض تكنولوجيا الصواريخ الموجهة، المقدمة إلى دمشق وحزب الله من طهران، والتي تمثل تهديدا وجوديا لأمن إسرائيل الإقليمي. وربما كان قيام روسيا بتوفير منظومة الصواريخ S-300 للجيش السوري في أعقاب إسقاط طائرة مراقبة روسية في سوريا في 18 سبتمبر من العام الماضي، مما أسفر عن مقتل 15 روسيا كانوا على متنها، سببا فى أن الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا تراجعت بشكل كبير بعد ذلك.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock