حول رواية «الشمندر» التي صدرت مؤخرا عن دار الشروق، نظم موقع «أصوات أونلاين» ندوته الأولى ضمن صالونه الثقافي، وذلك، بحضور مؤلف الرواية وكوكبة من النقاد والأكاديميين هم سعيد المصري وخيري دومة ويسري عبد الله، والسينارسيت والروائي محمد رفيع. حضر الندوة عدد من النقاد والمحررين الثقافيين وأدارها فؤاد السعيد مستشار الأبحاث بالموقع.
وفي كلمته في مستهل «صالون أصوات» الأول أشار فؤاد السعيد إلى مبادرة موقع «أصوات أونلاين» للمشاركة الفاعلة في المشهد الثقافي من من منظور العمل على استئناف مسيرة التنوير في مصر والعالم العربي التي بدأت مع رفاعة الطهاوي قبل أن تتعثر بفعل الرياح المعاكسة لنزعات الجمود الفكري التي لم تنج منها كافة التيارات الفكرية في عالمنا العربي.
وأشار «السعيد»، إلى فلسفة «أصوات أونلاين» كموقع ثقافي يعمل على التقاط أفكار التجديد الخلاق رفيعة المستوى مع تشجيع أصحابها على صياغتها بطرق سلسلة تصل للجمهمور الأوسع من المهتمين بالشأن الثقافي والاجتماعي العام خاصة الشباب.
وقال «السعيد» إن مناقشة رواية «الشمندر»، تقدم لنا فرصة لمعايشة الرؤى والاختيارات الخاصة والفردية جدا لواحد من مبدعي الجيل الذي عايش تحولات المجتمع المصري منذ فترة نهاية الخمسينيات، حتى اللحظة الراهنة، وهى اختيارات اعتمدت على لاوعيه أكثر مما عتمدت على المنطق العقلاني المعتاد من قبل مثقفي النخبة، وربما يفسر ذلك الشعور بصدق السيرة الذاتية لشهاب الشمندر التي تعترف بنواقصها البشرية دون مواربة.
طريق آخر
من جانبه أشار الناقد خيري دومة، إلى أن الرواية تبدأ بمشهد موت «الشمندر»، وتنتهى كذلك بمشهد موت، وما بين البداية والنهاية، هناك شخص أبيقوري يسعى لإشباع رغباته، يريد أن ينهل من الحياة قدر ما يستطيع. وأن الرواية تتقاطع مع رواية «الأيام» لطه حسين، في كونها مبنية على نفس الفكرة مع الفارق. ففى «الشمندر»، أعطى المؤلف للبطل، حرية أن يحدثنا بنفسه دون وسيط، لكن قبل أن يحدثنا «شهاب الشمندر» بطل الرواية، يحدثنا مؤلفها عن السياق التاريخي الذى كتبت فيه الرواية، بدءا من عام 1958، ومن ثم يكتب المؤلف مقدمة يوجز فيها تفاصيل كتابتها.
ويلفت دومة، إلى أن عالم الرواية، هو عالم شخصي وداخلي بشكل كبير،فحين ندخل إلى عالم الرواية، سنجد الفنان التشكيلي شهاب «الشمندر» – شأن كل أبطال الروايات – شخصية لم تعش في الواقع، هى مصنوعة من ورق، تتحول فى النهاية إلى لحم ودم، ربما أكثر حياة، ممن نصادفهم في حياتنا.
قيمة أبطال الروايات وشهاب الشمندر واحد منهم أنهم إشكاليون- كما يرى خيري دومة – ويختلفون حتى مع أنفسهم، يروون تدرجات اللون كاملة، ويتعذبون بهذه الرؤية، وإذا أضفنا أن الشمندر يستعيد أياما من سيرته الذاتية، حين حانت ساعتها قبل الدخول أمام المحكمة الإلهية سندرك مساحة الاعتراف الحرة الواسعة، التى يكشفها عن تناقضاتها وعن نفسه.
ويؤكد «دومة»، أن فصول الرواية كلها حكايات متنوعة، تهيمن عليها فكرة المطاردة، فى الفترة من 58 إلى 2018، وهى تلك الفترة التى عاشها شهاب الشمندر أى بالضرورة، أنه شهد آثار ثورة يوليو، وكذلك النكسة، وحرب أكتوبر، وثورة يناير والمجلس العسكري، وصعود الإخوان للحكم، وصولا إلى السيسي، كل هذا لن تجد له أثرا يذكر فى الرواية، بل ستجد العكس تماما، حياة البطل تمضي في طريق آخر بعيد عن كل تلك الأحداث، ويرى د.دومة أن الرواية تكشف كيف أن تجاهل السياسية هو قرار واختيار واضح متعمد من قبل الشمندر.
منطقة مغايرة
ومن جانبه أشار الناقد والأكاديمى يسري عبد الله، إلى أنه لايمكن الحديث عن رواية الشمندر، إلا بالرجوع إلى مشروع خالد الخميسي الإبداعي، حتى نتلمس بعضا من ملامحه، ربما ظهر الهاجس الإجتماعي واضحا في كتابه «تاكسي .. حواديت المشاوير»، وربما مثل الواقع الثقافي والفضاء العام، عنصرًا مهما، وصولا الى روايته «سفينة نوح» والتي رصد فيها الواقع المعيش، ورفضه له، ومحاولة تفكيك بنياته الاجتماعية المختلفة، و على الأخص هذا الجدل المطروح دوما بين ماهو سياسي وثقافي.
ويوضح يسري عبدالله، أن الخميسى فى رواية الشمندر، يحفر فى منطقة مغايرة، يستدعي آليات السيرة الذاتية، ليوهم المتلقي أنه إزاء نص سيري، أو كتابة سيرة ذاتية، وتصبح سيرة شهاب الشمندر، البطل المركزي في الرواية، مركزا للسرد، يعزز هذه السيرة استحضار شخصيات حقيقية، مثل «إسماعيل أدهم، قوت القلوب الدمرداشية»، و تصنع الرواية منذ البداية هذه المراوغة الفنية.
ويرى «عبد الله»، أن الرواية مبنية على خاصية الانفصال والاتصال، أو العكس، فيمكنك قراءة الرواية، التى تحتوى على مايزيد عن 30 فصلا، بشكل لا يستدعى منك أن تبدأ من الفصل الأول، بل يمكن أن تبدأ قراءتها من أى نقطة، حيث كل فصل يمثل لوحة بذاته، أوتقرؤها بالطريقة الكلاسيكية فى القراءة، التى اعتدناها وهى من البداية، وهي تمثل نصا إبداعيا مكتملا لا شك.
نص اجتماعى
ومن جانبه أشار الناقد والأكاديمي سعيد المصري، إلى البعد الأنثربولوجي لرواية الشمندر، وهى بمثابة نص اجتماعي أكثر منها نصا أدبيا، فهي بمثابة قراءة للواقع الإجتماعي بلغة وطريقة خاصة إبداعية وروائية، وهذا ما يؤكد أن خالد الخميسى، ملتصق بالواقع، وقريب منه بشكل كبير، وهذا ما نلمحه عبر مشروعه الإبداعي والفكري.
والرواية كما يعتقد المصرى تقدم قراءة للشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، والتى كان لها تأثير حقيقي في واقع المجتمع المصري. وهى تقدم نمط الأسرة الممتدة عبر عدد من الأجيال، من خلال بيت الشمندر، ويضيف «المصري» على هامش السيرة الذاتية لبطل الرواية، العديد من القضايا منها وأبرزها قضايا الانحراف في صورة إنسانية بديعة، وكذلك قضايا الدخول إلى العمل العام، بكل ما يحمله من آثار جانبية، وتوصيفه له بالوحل العام، قضايا الحريات العامة، وآثار غياب الجاليات الأجنبية فى مصر، وقضايا أخرى أثارتها الرواية عبر سرد إبداعي مدهش. كما أشار إلى ظاهرة تحول العديد من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية والسياسية إلى الإبداع خاصة جنس الرواية التي تتيح للمبدع مجالا أوسع لحرية التعبير على لسان أبطاله.
الخميسى: البطل يناقضنى
وجاءت كلمة الختام والتعقيب، للروائي خالد الخميسي، كرد على الأسئلة المطروحة، حيث أشار إلى أنه لا غرابة فى كتابة العناوين بهذا الشكل، خاصة أنها أسماء للوحات تشكيلية. وأضاف: أعتقد ان هذا يحيلنا إلى الرجوع إلى عناوين اللوحات التشكيلية في القرن العشرين، والكيفية التي جاءت بها، مؤكدًا أن أشهر من قدم عناوين لوحات بهذا الطول، هو سلفادور دالي، والعلاقة بين اللوحة والنص، واضحة دائمًا.
وأكد أن البعض، أشار إلى وجود تشابه بينه وبين بطل الرواية، قائلًا: «هذا ما أنفيه تمامًا، ويمكن القول أنه على النقيض تماما من شخصيتى، اخترت هذه الشخصية ورسمت لها مسيرة حياة تخصها، وكانت تحمل قراراتها، منها عدم خوضه فى غمار الانشغال بالسياسة، أو الاهتمام بها بأي شكل من الأشكال».
واستطرد «الخميسي» فى اجابته حول مجيئه من منطقة العلوم السياسية والعمل بها، إلى منطقة الكتابة واحترافها، مؤكدًا على أن الأمر غير مخطط بالمرة، ولكن غواية الكتابة، هى التي تحتم على الطبيب والمهندس والسياسي، اللجوء إلى الكتابة واحترافها إن لزم الأمر، وهذا طبيعي وعادي.