كان شعبان عبد الرحيم الذى رحل عن عالمنا الثلاثاء الثالث من ديسمبر حالة فنية خاصة، عكست تغيرا جذريا فى الذائقة المصرية، التى أصبحت تنحاز لتلك الأصوات الشعبية التى تمثل طابعا مختلفا فى الكلمات واللحن والأداء، وهو ما توفر لشعبان بشكل كامل، فحقق شهرته المدوية، بسبب اختلاف النمط الغنائى الجديد، والتيمة الغنائية التى حرص على تكرارها فى كل أغانيه، والتى منحته انتشارا وشهرة عريضين. كان موعده مع الشهرة والنجومية بعد أغنيتيه الشهيرتين «هابطل السجاير»، و «باحب عمرو موسى وباكره إسرائيل» عام 2000، والأغنية الأخيرة منحته شهرة عالمية حيث بسببها تحدثت عنه شبكات تليفزيونية ووكالات أنباء عالمية مثل شبكة «سي إن إن – والأسوشيتد برس»، وبسببها أيضا ترك عمرو موسى موقعه في وزارة الخارجية المصرية، إلى جامعة الدول العربية بعد أن أثارت الأغنية غيرة شديدة من شعبيته آنذاك.
شهرة مفاجئة
لم يكن شعبان عبد الرحيم من أسرة فنية، ولم يدرس الموسيقى، ولم يلتحق بالتعليم أساسا، بل كان يعمل مكوجيا ويغني لأهله وأصدقائه في الأفراح الشعبية والأعياد والمناسبات، إلى أن ساق اليه القدر صاحب أحد محلات بيع الكاسيت الذي استمع اليه وأعجب بصوته فقرر أن ينتج له شريطا مقابل مائة جنيه. وقتها كاد شعبان أن يطير فرحا دون أن يدرك أنهم يستغلونه ويبيعون أشرطته بعشرات الآلاف من الجنيهات. لتبدأ بعدها رحلته مع احتراف الغناء منذ الثمانينات من القرن الماضي، ويبلغ صوته الآفاق بعد ذلك. فقد غنى عبد الرحيم لكل الأحداث التي مرت على مصر والوطن العربي.
حققت أغنيته «أحمد حلمي اتجوز عايدة.. كتب الكتاب الشيخ رمضان»، وهي أسماء لمواقف للحافلات في القاهرة شهرة واسعة، تماما كما حدث مع أغنية «ها بطل السجاير»، لكن الاهتمام الإعلامي الحقيقي بشعبان عبد الرحيم بدأ مع أغنية «باحب عمرو موسى وبكره إسرائيل»، فكثيرون تغنوا بالقدس وفلسطين، لكن لم يجرؤ مطرب على التعرض لـ«إسرائيل» بهذه المباشرة. ليواصل شعبان شهرته بعد أن كون ثنائيا فنيا مع رفيق رحلته الشاعر إسلام خليل.
سينما ومسرح وتليفزيون
لم يكتف عبد الرحيم بشهرته في الغناء والطرب الشعبي بل اقتحم عالم السينما، حيث شارك في عدة أفلام منها «مواطن ومخبر وحرامي» إخراج داوود عبد السيد، و«فلاح في الكونجرس»، و«أشرف حرامي»، و«رشة جريئة». كما شارك في عدة مسلسلات تلفزيونية منها تامر وشوقية وصبيان وبنات وأحلام مؤجلة وسامحوني ماكانش قصدي. كذلك شارك في مسرحيات دو رمي فاصوليا ومرسي عاوز كرسي، كما قدم برنامجا حواريا على شاشة التليفزيون المصرى.
تجربة شعبان عبد الرحيم ورحلته الفنية والإنسانية، جديرة بالدراسة والتأمل، فقد ولد بحي الشرابية في القاهرة في 15مارس 1957 باسم «قاسم» واختار لنفسه اسما فنيا «شعبان»، واستطاع ببساطته وتلقائيته المعهودة أن يجعل الجميع يتحدثون عنه، فقد نقلت وكالة أسوشيتد برس عن «كينيث باندلر» المتحدث باسم اللجنة اليهودية الأمريكية قوله إن «شعبان عبد الرحيم هو راع للكراهية»، فى اعتراض صهيونى على أغنية «أنا باكره إسرائيل»..
ابن البلد
وإلى جانب الغناء برع شعبان عبد الرحيم فى تشخيص وتقمص شخصية ابن البلد حيث كان يجلس على كرسي أمام مقلة لب وتسالى يملكها في منطقة الطوابق في شارع فيصل بالجيزة وعليها اسم شهرته «شعبولا»، ليشارك المارة من أهالي المنطقة أحزانهم وأفراحهم، ويناقش مشكلاتهم الخاصة والعائلية ويقدم المساعدات، وكان يعتبر نفسه كبير المنطقة ومسئولا عن جيرانه وعن حل كل مشكلاتهم سواء شخصية أو عامة. وقد استطاع شعبان عبد الرحيم من خلال علاقاته بأبناء المنطقة التي يعيش فيها، أو بكلمات أغانية البسيطة والشعبية، وبتلقائيته أن يلمس نبض الشارع المصري الذي أحبه وإن اختلف حول ما يقدمه من فن وغناء.
خلطة شعبان
يبقى صوت شعبان عبد الرحيم حاضرا رغم غيابه، ورغم اختلاف الكثيرين مع طريقة غنائه وارتدائه للملابس الغريبة، فقد غنى لكل شيء، غنى لجامعة الدول العربية وقت أزماتها، وغنى للسلطة، وغنى للشعب المطحون، وغنى ضد الإرهاب وضد المتطرفين، حتى أنه في تصريح صحفي قال: «أنا غنيت للنور لما الكهربا قطعت وخلت إبني عدوية ومراته محجوزين في الأسانسير». ومن هذه الجملة يمكنك أن تعرف سر الخلطة الفنية التي جعلته متواجدا طوال الوقت في نبض جمهوره.
حتى في أيام مرضه الأخيرة يطل علينا «عم شعبان» كما كان يحب أن نسميه وهو جالس على كرسي متحرك في حفل بالرياض، ما أثار قلق جمهوره على حالته الصحية، وقد أوضح حينها أن سبب جلوسه على كرسي متحرك أن قدمه مكسورة منذ شهر بسبب انزلاقه على الأرض في المنزل، ما تسبب في كسر بقدمه وتركيب شرائح بها.
وقد نعى كثيرون من أهل الفن شعبان عبد الرحيم، لكن الملفت أيضا أن ينعيه السياسى الكبير عمرو موسى الذى ارتبط اسمه بشعبان بعد أغنيته الشهيرة فى مدحه، قائلاً: «الله يرحمه، كان ظاهرة متفردة وله شخصيته اللى فرضها على طريقة الغناء ومجتمع الفن وكمان دخل في السياسة، راجل طيب ومصرى أصيل، وكان حاسس إنه تفرد بعمل مهم، صنع نوع كامل من الغناء، وأعتبر هذا النوع جزءا من الفن المصرى، سواء اتفقتوا معاه أو لأ، ولكنه لم يكن أبداً ظاهرة عابرة».
شماتة إسرائيل
وعقب اعلان نبأ وفاته سارع أحد العاملين بهيئة الإذاعة والتليفزيون الإسرائيلية بنشر تدوينة قال فيها «وفاة الفنان شعبان عبد الرحيم صاحب أغنية أنا بكره إسرائيل»، وفى تغريدة أخرى كتب «الساعات القادمة هتلاقوني بسخر من شعبولا»، ليظهر فيها شماتته وشماتة أصدقائه الذين علقوا بشتائم وسباب ضد الفنان الراحل.
قد تختلف او تتفق مع ما قدمه شعبان عبد الرحيم من لون غنائي شعبي، لكن تجربته الفنية ومسيرته الإنسانية تظل ظاهرة ملفته وجديرة بالتأمل والدراسة، رحم الله عم شعبان وأسكنه فسيح جناته.