منوعات

الإرهاب في إفريقيا.. كيف تواجه جمهورية صوماليلاند «حركة الشباب»؟ (1)

*مايكل هورتون – باحث في دراسات القرن الأفريقي في مؤسسة جيمس تاون الأمريكية للأبحاث

*عرض وترجمة: أحمد بركات

توقع المحللون والمسئولون في أكثر من مناسبة تحلل «حركة شباب المجاهدين»، واختفاءها من المشهد السياسي والاجتماعي في الصومال بمرور السنوات. لكن هذه الحركة الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة لم تنجح فقط في الاستمرار على قيد الحياة، وإنما أيضا في التمدد والانتشار في معظم أرجاء البلاد.

ففي 30 سبتمبر 2019، شنت الحركة هجومين ضد أهداف كبرى، حيث هاجمت قاعدة عسكرية للقوات الخاصة الأمريكية في بلدة باليجدول بمحافظة شبيلي السفلى، في جنوب الصومال، وقافلة إيطالية مدرعة تقل مستشارين عسكريين في مقديشيو. ورغم فشل العمليتين، وعدم نجاح التنظيم في اختراق الدفاعات الخارجية للقاعدة العسكرية الأمريكية، أو قتل – أو حتى إصابة – المستشارين العسكريين، إلا أنهما أظهرتا بجلاء قدرة التنظيم على استهداف مواقع شديدة الحراسة.

منذ عام 2006،عندما بدأ هذا  التنظيم في التشكل، أنفقت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مليارات الدولارات لمحاربته ، ورغم ذلك فشلت سياسات الإنفاق غير المحدود، إضافة إلى نشر 22 ألف جندي من قبل «بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال» في القضاء على الحركة. وتعود مرونة حركة الشباب وقدرتها المستمرة على العودة لسببين رئيسيين، هما:

الأول: فشل الحكومة الفيدرالية الصومالية في بسط نفوذها بفاعلية على الأقاليم الواقعة تحت سيطرتها، فضلا عن إدارتها وتأمينها وتوفير الخدمات الأساسية لسكانها، وهو ما يمنح التنظيم مساحة كبيرة للحرية العملياتية.

الثانيلكفاءة التنظيمية المتعاظمة للحركة، التي تسمح لها بالتفوق إداريا على الحكومة المحلية والفصائل المسلحة الأخرى، وتؤهلها بجدارة للقيام بدور ’حكومة الظل‘ في الأماكن التي تسيطر عليها، والاحتفاظ بتأثيرها ونفوذها في معظم أنحاء الصومال.

الدورة الفعالة

لكن اللافت هنا أن «حركة الشباب» فشلت في أن تضع لنفسها موطئ قدم دائم في جمهورية أرض الصومال «صوماليلاند» غير المعترف بها، حيث تمارس الحكومة هناك نوعا من السيطرة على معظم الأراضي التي تطالب بضمها. فالتنظيم لم يشن أي هجوم واسع النطاق في صوماليلاند منذ عام 2008، عندما قام بضرب القصر الرئاسي والقنصلية الأثيوبية ومكاتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هرجيسا، عاصمة صوماليلاند.

ويرجع فشل حركة الشباب في الوجود – فضلا عن التمدد – في صوماليلاند – على الأقل حتى الآن – إلى حد كبير إلى قدرة الحكومة على التصدي لمحاولات الاندماج التي تقوم بها الحركة في المجتمعات المحلية هناك، حيث يمكنها بعد ذلك تشكيل حكومة ظل تابعة لها. وتستند هذه القدرة إلى تعزيز حكومة صوماليلاند لدورة فعالة تبدأ بحكم فعال قائم على العناصر المحلية ويدعم المشاركة المجتمعية واسعة النطاق. يؤدي هذا بدوره إلى توافر القدرة الاستخباراتية على جمع المعلومات السرية من قبل العملاء أو غيرهم، والتي تشكل بعدا مهما في مكافحة التشدد. ثم تسهم هذه القدرة على مكافحة التشدد في توفير الأمن وبسط النفوذ، اللذين يسفران بدورهما عن توفير دعم واسع يسمح لهذه الدورة بالتجدد والاستمرار من تلقاء نفسها.

مواجهة التشدد بالحكم الرشيد

أنفقت صوماليلاند، التي أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991، ما يقرب من ثلاثة عقود في بناء قدرتها على الحكم. لم يستقل الإقليم الخاضع للحماية البريطانية إلا لفترة وجيزة في عام 1960 قبل أن ينضم إلى ما كان في السابق الصومال الإيطالية. وفور انضمام صوماليلاند إلى الصومال، نشأ النزاع بين هرجيسا، عاصمة صوماليلاند، ومقديشيو حول مركزية السلطة وعدد من القضايا الأخرى. وازدادت هذه التوترات مع وصول سياد بري، الرئيس الصومالي الذي تحول إلى ديكتاتور، إلى سدة الحكم. ففي عام 1981، تشكلت الحركة الوطنية الصومالية بهدف الإطاحة ببري. ونشطت الحركة بشكل لافت في شمال الصومال، حيث شن بري حربا وحشية أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين تراوح بين50 ألف إلى 100 ألف قتيل.

وبعد الإطاحة ببري في عام 1991، لعبت الحركة الوطنية الصومالية دورا محوريا في قرار صوماليلاند بإعلان استقلالها. وواصل كثير من قادة الحركة دورهم المهم فيما كان سيصبح حكومة صوماليلاند. لكن تشكيل هذه الحكومة كان محفوفا بالمخاطر منذ خطواته الأولى، إذ كان على المسئولين معالجة قضايا شديدة الحساسية، مثل الصراعات العشائرية، ونزع سلاح الميليشيات، وتشكيل بنى الحكم. ومع ذلك، بحلول عام 2003، نجحت صوماليلاند في الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي متعدد الأحزاب، شهد إجراء انتخابات برلمانية، وتداول السلطة بين ثلاثة رؤساء.

في هذا الإطار، تبنت صوماليلاند شكلا من أشكال ’الحكومة الهجينة‘. ويواصل شيوخ العشائر القيام بأدوار رسمية وغير رسمية في الحكم، ويتم تمثيلهم في الغرفة العليا من البرلمان الصومالي «غورتي». وقد أسهم هذا النمط من التشكيل الحكومي ’الهجين‘، إلى جانب الصراع الذي كان على صوماليلاند أن تخوضه ضد التدخل الخارجي، في تحقيق استقرار نسبي. رغم ذلك، دخلت صوماليلاند، تماما مثل الصومال، في صراع مستمر – ولا تزال – ضد التهديدات التي تفرضها حركة الشباب، وموجات التطرف بوجه عام.

فبين عامي 2003 و2004 قتل الجهاديون أربعة من عمال الإغاثة الأجانب في صوماليلاند، ممرضة إيطالية (2003)، ومعلميْن بريطانييْن (أكتوبر 2003) وعامل إغاثة كينياً (مارس 2004). دفعت هذه العمليات بحكومة صوماليلاند، إلى جانب بعض المساعدات من الأمم المتحدة والمملكة المتحدة، إلى إنشاء «وحدة الحماية الخاصة»، وهي قوة شرطية مكلفة بحماية المنظمات الأجنبية والعاملين بها في أراضيها. في الوقت نفسه، بدأت صوماليلاند بناء قدراتها على جمع المعلومات الاستخباراتية في مواجهة التهديدات المتزايدة التي تفرضها الجماعات المسلحة.

وفي 29 أكتوبر 2008، شن مفجرون انتحاريون هجمات منسقة على ثلاثة أهداف في هرجيسا، وهجوما في دولة بونتلاند الصومالية المجاورة المتمتعة بحكم شبه ذاتي. ففي هرجيسا، قام منفذو العمليات بتفجير القصر الرئاسي والقنصلية الأثيوبية ومكاتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مما أسفر عن سقوط 25 قتيلا. وبينما لم تعلن حركة الشباب مسئوليتها عن هذه العمليات، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية والمسئولين في صوماليلاند ألقوا بالاتهام على الحركة وتنظيم القاعدة.

كانت هذه الهجمات بمثابة جرس إنذار للمسئولين في صوماليلاند، وهو ما دفع بالحكومة إلى توجيه مزيد من مواردها المحدودة صوب الحكم المحلي ومكافحة الإرهاب والمبادرات الاستخباراتية الموجهة من المجتمع. واعترف 17 مسئولا في السلطة التنفيذية ووزارتي الداخلية والدفاع أنهم وقعوا في شرك إحساس كاذب بالأمان جراء الاستقرار النسبي الذي تمتعت به صوماليلاند منذ عام 1997. ومن ثم، بادرت الحكومة بعد هذه التفجيرات مباشرة إلى مضاعفة جهودها لتعزيز الحكم المحلي على مستوى المحافظات ووصولا إلى القرى، وتوثيق الروابط بين هذه المجتمعات من جانب ومؤسستي الشرطة والجيش من جانب آخر.

وأدرك المسئولون الحكوميون في أعلى المستويات العلاقة الوثيقة بين الحكم الفعال وجهود مكافحة الإرهاب. ولهذا الغرض، ركزت حكومة الرئيس طاهر ريالي كاهن على إضفاء الصبغة الرسمية على جميع البنى والهياكل المحلية بدءا من القرى ووصولا إلى المحافظات، وتمويلها إلى أقصى حد ممكن في ذاك الوقت.

الرئيس طاهر ريالي كاهن

وفي الوقت الذي تم فيه إضفاء الصبغة الرسمية على هذه الهياكل بعد أحداث عام 2008 الدامية، استمرت الجهود الحكومية لبناء قدرة صوماليلاند على جمع المعلومات الاستخباراتية والاستفادة منها. وشكلت المشاركة المجتمعية جزءا أصيلا من هذه الجهود، وتم تشجيعها من خلال منظومة حكم أكثر تجاوبا، حيث يستطيع القادة المجتمعيون التواصل مع مسئولين رفيعي المستوى في الحكومة المركزية إذا شعروا أنهم لم يحصلوا على تجاوب مرضٍ من السلطات على مستوى المحافظة، أو حتى القرية. وبينما يمثل هذا التقارب في بعض الأحيان إشكالية في تسيير دولاب العمل لأنه يسير عكس اتجاه تسلسل القيادة، إلا أنه يسهل الاستجابة الفورية والجمع السريع والاستفادة القصوى من المعلومات الاستخباراتية.

*هذه المادة مترجمة (باختصار). يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock